ساطع الحصري مؤسس الثقافة العنصرية الطائفية في العراق
ساطع الحصري مؤسس الايديولوجية العنصرية الطائفية
د. علي المؤمن
ساطع الحصري هو منظر ربط القومية العربية بالطائفية السنية، وجعل المشروع القومي العربي مشروعاً طائفياً سنياً، وهو فكر أموي، عبّر عنه الحصري بامتداحه معاوية وآل أُمية، سواء بشكل مباشر أو من خلال المدرسين الذين جلبهم من سوريا، وكانوا يعلنون في مناهجهم الدراسية عن تبجيل معاوية ويزيد وذم الإمام الحسين لأنه خرج على يزيد.
ونموذج هؤلاء: المدرس السوري أنيس زكريا النصولي، الذي جلبه ساطع الحصري من سوريا، وتولى تدريس التاريخ في المدرسة الثانوية المركزية للبنين في بغداد. وقد طبعت محاضراته في آخر السنة الدراسية من عام 1926، في كتاب “الدولة الأُموية في بلاد الشام”. وعند صدوره في أوائل كانون الثاني عام 1927، أثار ضجة شعبية واسعة وخلق أزمة حادة وردود فعل قوية، فحدثت اضطرابات كانت البلاد في غنى عنها.
جاء في كتاب النصولي الموسوم: “الدولة الأموية في الشام” وطبعه في مطبعة دار السلام في بغداد في سنة 1926، وسبب ردود أفعال عنيفة من قبل الشيعة لأنه تعرض بالإمام الحسين وتبجيل بني أمية وخاصة يزيد بن معاوية، ومما جاء فيه قوله: ((ولطالما استمسك بنو أمية بعروة الخلافة وبينوا جلالها وأهميتها الدينية، فادعوا أن الله ناصرها ومذل أعدائها، وإن الذين يسعون في الخلافة عليها هم الكفرة الفجرة. ولا غرابة في ذلك؛ فالعاهل الأموي كان خليفة رسول الله، ومن يخرج على الخليفة فإنما يخرج على رسول الله، ومن يخرج على رسول الله فإنما يخرج على الله ومقره جهنم وساءت مصيراً)).
تخيّل؛ النص المذكور يُدرّس في المدارس العراقية ذات الأغلبية الشيعية. وكان الحصري يحمي النصولي ويدافع عنه، حتى قرر الملك فيصل عزله، بسبب الاعتراضات الشيعية الواسعة، وهو ما أدى الى (زعل) ساطع الحصري، لكن الحكومة والملك لم يعترضا على الحصري نفسه، واسترضياه، وأطلقا يده أكثر من ذي قبل، بل أن رئيس الوزراء الطائفي الجديد ياسين الهاشمي أعاد النصولي الى التدريس، رغم استنفار الشيعة عن بكرة أبيهم. تخيل أيضا؛ إن كل شيعة العراق بحوزتهم ومرجعيتهم وسياسييهم وعشائرهم وجماهيرهم، عجزوا عن عزل مدرس سوري شتم أمامهم الحسين ووصفه بأنه من أهل جهنم.
ولا نتحدث هنا عن ساطع الحصري الشخص والحالة الفردية، بل ساطع الحصري الظاهرة المهيمنة على الواقع الثقافي والتعليمي، وساطع الحصري المعبر عن أيديولوجيا الدولة العراقية الطائفية، وبالتالي؛ لا شأن لنا بالحصري نفسه، بقدر ما يعنينا دوره التأسيس، حاله حال غيره من المؤسسين في التاريخ.
فالحصري يعد أحد أبرز مؤسسي الايديولوجيا القومية العربية المعاصرة. وهنا تكمن المفارقة، التي لا تقتصر على الحصري، بل تشمل أغلب القوميين العرب المؤسسين، الذين كانوا عثمانيين متعصبين لتركيا وجنرالات في جيشها، ثم أصبحوا خلال العقد الثاني من القرن العشرين عملاء للإنجليز ودعاة للايديولوجيا القومية العربية، بعد بروز مظاهر انهيار الدولة العثمانية.
ظل ساطع الحصري حتى كهولته عثمانياً متعصباً، يدعو الى سياسة التتريك وتحويل الشعوب العثمانية الى شعوب تركية، بمن فيها الشعوب العربية، وذلك من خلال تحويل الاحتلال التركي للبلدان العربية، من احتلال الى حضور لغوي وقومي محلي، لضمان استمرار الاحتلال التركي الى الأبد، مستفيداً بذلك من فكرة الفتوحات الإسلامية التي حوّلت الشعوب غير العربية الى ناطقة باللغة العربية، ثم عربية بالانتساب والثقافة.
وقد نجح الإنجليز في أغراء ساطع الحصري بالمناصب والمستقبل السياسي الزاهر، مستغلين خلافه مع قادة حزبه الحاكم في تركيا (الإتحاد والترقي)، وأقنعوه بأن الدولة العثمانية وسلطنتها ستنهاران، ولا مستقبل له فيهما؛ فتحوّل ولاؤه، بقدرة قادر، من الهلال العثماني الى الصليب الإنجليزي، حاله حال كثير من العثمانيين من ضباط الجيش التركي وموظفي الدولة العثمانية، الذين خانوا أولياء نعمتهم الأتراك في المرحلة نفسها، وتحوّل ولاؤهم الى الإنجليز، أمثال: نوري السعيد (تركماني) وجعفر العسكري وعبد المحسن السعدون وعبد الرحمن الكيلاني (ايراني) وياسين الهاشمي (تركي) وتوفيق السويدي وناجي السويدي وناجي شوكت (داغستاني) وحكمت سليمان(شركسي) وجميل المدفعي وعلي شوكت الأيوبي (كردي) ورشيد عالي الكيلاني (ايراني) وطه الهاشمي (تركي) وحمدي الباججي ومزاحم الباججي وأرشد العمري، وهم العثمانيون الذين ترأسوا الوزارات العراقية طيلة العهد الملكي، الذي حكمته العائلة الأجنبية المستوردة من الحجاز.
ولذلك؛ هرب ساطع الحصري من تاريخه العنصري التركي الى واقع مفارق ومناقض ومعاكس تماماً، وهو ما يكشف عن ذكاء عميق، وقدرة فائقة على استغفال الآخرين؛ فأسس في العراق للايديولوجية العنصرية الطائفية (العربية السنية)، وزرعها في عقل الدولة العراقية (دولة العرب السنة) ومفاصلها، وبالأخص في مناهج التعليم والاجتماع السياسي والثقافي العراقي، وعمل على تحويل العروبة من رابطة نسبية ولغوية كريمة يعتز بها العربي، لأنها لغة القرآن ولغة الرسول ولغة الدين، الى ايديولوجية قومية سياسية طائفية تزدري الآخر القومي والمذهبي وتهمشه، وتدعو الى وحدة الجماعة اللغوية العربية (الناطقين بالعربية) على أساس معيار أفضلية الجنس العربي على القوميات الأخرى. وقد اعتمد ساطع الحصري على الأيديولوجية النازية الألمانية في التأسيس لنازيته العربية، وخاصة أفكار “يوهان فيخته” و”فان دن بروك” و”مارتن هايدغر” و”أوسفالد شبنغلر”. ومن يراجع أقوال الفيلسوف النازي “فان دون بروك”، سيجد أن ساطع الحصري نسخها كما هي، بعد أن رفع كلمة ألمانيا والأمة الألمانية، ووضع مكانها الوطن العربي والأمة العربية.
وتقوم ايديولوجيا ساطع الحصري القومية على احتقار الآخر القومي والمذهبي غير العربي وغير السني، وتعمّد السخرية منه، والتعالي على باقي القوميات غير العربية والطوائف غير السنية، وتعتبر الأوطان التي تسكنها أغلبية ناطقة باللغة العربية هي ملك العرب جميعاً، وتخضع لحكم قوميتهم المتفوقة، كما كانت النازية تعد الجنس الجرماني الآري هو الأفضل والمتفوق.
ورغم الانقلاب السياسي والتحول المتعارض في الولاء الايديولوجي والقومي والوطني لساطع الحصري، إلّا أنه وغيره من العثمانيين السابقين وعملاء الانجليز الجدد، ظلوا أوفياء لطائفيتهم السياسية التي ورثوها من هويتهم العثمانية الطائفية، وحافظوا على نظرتهم الايديولوجية للشيعة، بوصفهم مواطنين من الدرجة الثالثة، وكونهم (عجم) وأعداء للأغلبية العربية والعثمانية السنية؛ فقد عمل ساطع الحصري على ربط الايديولوجية القومية العربية بالمذهب السني، كما كان يربط الايديولوجية العثمانية التركية بالمذهب السني الحنفي، وهو الذي زرع في الاجتماع السياسي والثقافي العراقي مفهوم أن كل شيعي (عجمي) حتى يثبت العكس، كما كان الحصري يشيع بأن الشيعة هم حلفاء اليهود، وهذا الحلف يريد الكيد بالعرب على مر التاريخ، وغيرها من المفاهيم الطائفية والعنصرية التي تلقفها البعثيون فيما بعد، وحوّلوها الى ثقافة سياسية وشعبية.
كما ظل الحصري رافضاً تعيين شاعر العرب الأكبر محمد مهدي الجواهري في سلك التعليم، متهماً إياه بأنه إيراني (عجمي)، لأن الجواهري شيعي، ولديه قصائد يتغنى فيها بطهران وجمالها!.
latest video
news via inbox
Nulla turp dis cursus. Integer liberos euismod pretium faucibua