ذرائع دعاة التغريب المجتمعي

Last Updated: 2024/04/14By

ذرائع دعاة التغريب المجتمعي

د. علي المؤمن

دعاة السلوك التغريبي في المجتمعات المسلمة هم حملة خطاب التغريب، أو – بتعبير آخر ـــ أصحاب العقول الأسيرة، والمنظّرون للتغريب الثقافي الاجتماعي المحلي، ويطرح هؤلاء في خطابهم التغريبي عدة ادعاءات أو ذرائع، تعبيراً عن أهدافهم الظاهرية، من أبرزها:

1 – التحديث الثقافي:

يزعم دعاة التغريب الثقافي بأن التحديث في مجتمعات المسلمين، لا يمكن أن يحصل إلا من خلال تبني مدرسة الحداثة الغربية على مستويات الفكر، والتعليم، والثقافة الاجتماعية وغيرها، إذ إن من شأن الحداثة على الطريقة الغربية إجراء تحوّل جذري في البنى الثقافية للمجتمع. ولكن بما أن هذا التحديث هو عبارة عن قالب جاهز وافد، صنع لمجتمع معيّن، وفي إطار أيديولوجية محددة، فإن إدخال مجتمع آخر له خصوصيات مختلفة تماماً، في ذلك القالب، بهدف صهره وإعادة صياغته مع ما بينه وبين المجتمع الغربي (الأنموذج) من فجوة حضارية، سيؤدي إلى ناتج مشوّه بشع وممسوخ، ليس فيه من الحداثة إلا قشورها ومظهرها. وهو ما يمكن أن نسميه بالتحديث في المظاهر والشكل فقط، من خلال الاستهلاك المكثّف واللاواعي لمنتجات الغرب الثقافية والاجتماعية.

2 – تطوير أساليب الحياة:

تقف التكنولوجيا في مقدمة الوسائل التي من شأنها إحداث ذلك التطوير، كما يعتقد دعاة التغريب. فالحصول على تكنولوجيا الغرب ومنتجاته الصناعية المتطورة، واستخدامها في مجتمعات المسلمين على وفق سلوكيات تغريبية معيّنة، أصبحت هي الغاية، فمثلما التكنولوجيا في الغرب تحوّلت من وسيلة في خدمة الإنسان، ومن أجل إسعاده، إلى غاية في الحياة، فإنها أصبحت عند بعض المسلمين تستخدم أيضاً على حساب المعتقدات والأخلاق والأصالة والتقاليد. وكما يقول البروفسور «رينيه دوبو» (الحائز على جائزة نوبل عام 1986) وهو يصف الحياة في الغرب: «إنها عجلة فولاذية كبيرة، تدور بسرعة جنونية لإحداث التغيير في التكنولوجيا».

ومن جانب آخر، فإن السلوك التغريبي لا يحاول نقل التكنولوجيا الغربية المتطورة إلى مجتمعات المسلمين، لأنه من جانب الغرب – محظورة عليهم؛ ولأنها تحتاج إلى جهود ذاتية علمية كبيرة، وهو ما يعجز عنه أصحاب السلوك التغريبي، الذين يفضّلون بقاء المجتمع مستهلكاً ومتغرباً في نمط عيشه ومظهره، ومتطوراً وحداثياً في خطابه وفي وسائل الحياة (الغربية) التي يستخدمها، وليس متطوراً على مستوى استثمار جهود الغرب العلمية وتطوره التكنولوجي في المجالات النافعة. ومن خلال ذلك برزت ظاهرة اقتصادية واسعة للغاية، باتت تشكّل علامة فارقة في صناعات المجتمعات المسلمة، وهي ظاهرة التكنولوجيا المستعارة أو الصناعات التجميعية، التي تشير إلى قبول مجتمعات المسلمين بغائية التكنولوجيا وغائية الحصول عليها، ولو كانت تكنولوجيا شكلية.

3 – عصرنة العلاقات الاجتماعية:

يقصد خطاب التغريب بمفهوم عصرنة العلاقات الاجتماعية؛ صياغة علاقات جديدة تقف على أساس المصالح الشخصية، والذاتيات الضيقة، والعوامل المادية، وتشتمل على كل المستويات، بما فيها علاقات الابن بالأب أو الأم، والأخ بأخيه، والزوج بزوجته، والجار بجاره، والصغير بالكبير، والقريب بقريبه، والصديق بصديقه، والعامل برب العمل، والموظف بمديره، والبائع بالمشتري.. الخ؛ ليكون الهدف من ممارسة الدوامة اليومية الرتيبة للحياة، والتي تبدأ فجراً وتنتهي عند منتصف الليل. هو تحصيل الفرد لأكبر قدر من المكتسبات المادية، كالمكانة الاجتماعية، والموقع الرسمي، والمال. وهذا ما يمكن تسميته مجازاً بـ«الغربة في الوطن». فالفرد في هذه الحالة يعيش غريباً في بيته وأسرته، وغريباً في منطقة سكناه ومحلته، وفي علاقته مع جيرانه، وفي دائرة عمله، وأخيراً في مجتمعه.

4 – عقلنة العواطف:

يدعُ خطاب التغريب إلى عقلنة كل شيء وفي المقدمة عقلنة التفكير والعواطف. ويريد دعاة التغريب بالعواطف هنا الجوانب الروحانية والمعنوية في شخصية الإنسان المسلم. فليس القصد من عقلنة العواطف خلق حالة من التوازن بين العقل والعاطفة، أو بين وازع العقل ووازع القلب، بل القصد تصخّر العواطف، وتحجير الجانب الروحي والمعنوي في الشخصية، وحينها تكون نظرة الإنسان إلى نفسه وإلى خالقه وإلى الخلق، نظرة أحادية جامدة، خالية من أي بعد روحي أو معنوي ((ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة)).

 

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment