دور جماعات الضغط والمصالح في الحوزة العلمية

Last Updated: 2024/04/14By

دور جماعات الضغط والمصالح في الحوزة العلمية

د. علي المؤمن

هناك جهتان نفعيتان داخلية وخارجية ظلتا تحاولان، ولا تزالان، خلق مرجعية أو رمزية دينية شيعية تنسجم مع إرادتها وتحقق مصالحها، وهما:

1ـ جماعات الضغط والمصالح داخل الحوزة العلمية.

2ـ الأنظمة السياسية المحلية والدولية، ولا سيما بريطانيا والنظامين الشاهنشاهي الإيراني والبعثي العراقي. ثم دخلت أنظمة السعودية وأمريكا والإمارات وإسرائيل على خط التدخل في الشأن الحوزوي والشيعي بعد سقوط النظام البعثي في العام 2003، وباتت أجهزة مخابراتها تتولى مهمة خلق الخلافات في الحوزة والواقع الشيعي، ومحاولة خلق رمزية شيعية تابعة لها.

وتستخدم هاتان الجهتان وسائل تأثير مهمة، أبرزها:

1ـ الدعاية والترويج والإعلام؛ لمصلحة الشخص الذي يريدون إيصاله إلى مستوى المرجعية والرمزية، وضد من يريدون تسقيطهم من الأشخاص المنافسين أو الذين يحولون دون ضرب سياقات الحوزة.

2ـ المال؛ لدعم الشخص الذي يريدون إيصاله، دعماً مباشراً أو غير مباشر، وشراء الذمم بمختلف الوسائل، ومحاولة تسقيط الآخرين.

3ـ الضغوط الاجتماعية والسياسية والمخابراتية.

ودون شك؛ لا تستطيع الدول الأجنبية تحقيق أيّ هدف لها في هذا المجال دون وجود جماعات ضغط داخلية متعاونة. وبالتالي؛ فإنّ الخطر الأساس يكمن في جماعات الضغط الداخلية المتعاونة مع دول خارجية، لتحقيق هدف مشترك؛ لأنّ خطرها مركب. وأُنموذجها الجماعات التي كانت تعمل مع النظام الشاهنشاهي الإيراني والنظام البعثي العراقي، أو لا تزال تعمل بشكل مشترك مع بريطانيا وأمريكا والسعودية، وهي ظاهرة جديدة لم تعرفها الحوزة العلمية من قبل القرن العشرين الميلادي.

أمّا جماعات الضغط الداخلية التي تعمل بمفردها، ولأهداف حوزوية أو مصلحية محضة، ولا ينطوي حراكها على أهداف سياسية وارتباطات بالخارج؛ فهي موجودة منذ نشوء الحوزة، وضررها أقل بكثير؛ بل لا يتسبب بعضها بضرر؛ لأنه يعمل بنية الحرص على الحوزة غالباً. وهذه الجماعات هي أكثر قدرة على تحقيق أهدافها من جماعات الضغط المتعاونة مع دول أجنبية؛ لأنّ جماعات الضغط المستقلة أكبر عدداً وأكثر تأثيراً، وتستخدم وسائل تقليدية متعارفة، فضلاً عن أنّ أغلب أفرادها من أصحاب العمق الاجتماعي الديني في الحوزة.

وإلى جانب جماعات الضغط الداخلية المستقلة؛ هناك جماعات ضغط خاصة، تعمل لمصلحة جماعة أُخرى أكبر أو رمزية أو مرجعية معينة، كما ذكرنا سابقاً. هذه الجماعات تكون ـ غالباً ـ مكشوفة وتعمل بوسائل تتعارض مع الرأي العام الحوزوي. ولذلك يكون تأثيرها محدوداً، وإن حظيت بأدوات دعاية وميزانيات مالية كبيرة.

هذا الحجم الهائل من محاولات الاختراق التي تقوم بها الدول الأجنبية والخصوم السياسيين والإيديولوجيين الخارجيين، بالتعاون مع عناصر داخلية؛ يفرض السؤال التالي: هل حققت هذه المحاولات أهدافها في خلق مرجعيات دينية أو رمزيات حوزوية عبر الدعاية والمال والضغوطات؟

من خلال البحث في الوقائع التاريخية، والتقصي الميداني للحاضر القائم، يمكن الجزم بأنّ عناصر الدعاية والمال والعمل المخابراتي والضغوطات السياسية لم تنجح خلال المئة وعشرين عاماً الأخيرة في خلق مرجعية دينية أو رمزية حوزوية شيعية موالية لها إطلاقاً، وإنّ كل المحاولات كانت تفشل بمرور الزمن أو تموت في المهد. هذا من جهة محاولات الدول الأجنبية وجماعات الضغط المرتبطة بها.

أمّا من جهة جماعات الضغط الداخلية المصلحية التي تعمل بمفردها، سواء العامة أو الخاصة؛ فإنّها لا تستطيع تغيير المعادلات المرجعية والحوزوية، إلّا بمساحات محدودة. وكل ما يقال في هذا المجال إنّما هو حكايات وسرديات لا واقع لها، أو وقائع انتقائية جزئية لا تؤثر في الخط العام للمرجعية.

لقد بذلت السعودية ـ مثلاً ـ بعد العام 2003 مساعٍ كبيرة وبذلت أموالاً طائلة لخلق مرجعيات ورمزيات دينية شيعية عراقية وإيرانية ولبنانية؛ لكنها فشلت فشلاً ذريعاً، وتحوّل الأشخاص الذين تعاونوا معها وحصلوا على دعمها إلى أدوات مكشوفة للتخريب فقط، دون أن يكون لهم حضور ديني حقيقي. قد تستطيع حكومات السعودية وبريطانيا وأمريكا خلق وتحريك عشرات المعممين وبعض الخطباء ونجوم الإعلام الديني؛ لكنها لا تستطيع خلق رمزية دينية أو مرجعية معترف بها حوزوياً في العراق أو إيران أو أيّ بلد آخر، حتى لو أنفقت مليارات الدولارات، وخصصت ألف قناة فضائية ومؤسسة إعلامية.

وهو الحال نفسه مع جماعات الضغط الخاصة التابعة لجهة أو مرجعية غير مصنّفة وفق السياقات الحوزوية المتعارفة؛ فهي تفشل ـ عادة ـ في تحقيق أهدافها النهائية. نعم، ربما تحقق أهدافاً مقطعية مقبولة حوزوياً؛ لكنها لن تستطيع إيصال مرجعها ورمزيتها إلى موقع المرجعية العليا مهما بذلت من جهود. مثلاً؛ في الأعوام 1999 إلى 2001 كان اثنان من مراجع الدين في خارج العراق تصلهم أموال شرعية وتبرعات كبيرة من أنصارهم، ولديهم مؤسسات وأوقاف واسعة، تُعدّ ضمن المؤسسات الأكثر ثراءً على مستوى العالم الشيعي. وفي الوقت نفسه يمتلكان إعلاماً منظماً واسعاً، ويعيشان فضاءً منفتحاً وحراً، ويحظيان بدعم تيارات منظمة. بينما كان السيد علي السيستاني في النجف يعاني حصاراً وعزلة على يد النظام البعثي العراقي، وليس لديه فضائيات ولا وسائل إعلام ولا حرية حركة؛ لكن السياقات والأعراف الحوزوية أخذت مجاريها الطبيعية، وبرز السيد السيستاني مرجعاً أعلى دون أن يكون للمال والإعلام تأثير في فرزه، بل ولم يكن لجماعات الضغط الداخلية تأثير أساسي. نعم؛ كان لهذه الجماعات تأثير في الترويج لمرجعيته، وهو أمر طبيعي؛ إلّا أنّ دور أهل الخبرة والعرف العام الحوزوي كانا هما الأساس في تثبيت مكانة السيد السيستاني.

ولا تقتصر هذه الممانعة على الحوزتين المركزيتين في النجف وقم؛ بل تسـري على كل الحوزات العلمية الأُخر. فعلى مستوى الحوزة والمرجعية في إيران؛ فإنّ اختراق السياقات والأعراف الحوزوية بات شبه مستحيل بعد العام 1980، مع عملية المأسسة والضبط والتوسع. أمّا حوزة النجف؛ فبرغم ما قد يلاحظ عليها من بساطة التنظيم والضبط؛ إلّا أنّ هذه البساطة تخفي وراءها نظاماً في غاية التعقيد والضبط، وهو نظام يتمتع بسياقات وأعراف موروثة متراكمة حادة، تحول دون تمكن أية جهة أجنبية أو جماعة داخلية من تغيير معادلاتها وحرف مسارها. لذلك؛ فإنّ الكلام عن أنّ المرجعية العليا تصنعها الأموال والدعاية والأنظمة؛ إنّما هو كلام مبني على كثير من الوهم والخصومة، وقليل من التفاصيل التي تفتقد إلى الدلالة.

 

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment