دور السيد محمد باقر الصدر في تأسيس حزب الدعوة وقيادته

Last Updated: 2024/04/14By

دور السيد محمد باقر الصدر في تأسيس حزب الدعوة وقيادته

د. علي المؤمن

السيد محمد باقر الصدر هو أبرز المؤسسين العشرة لحزب الدعوة الإسلامية؛ بل إن أداءه ودوره أفرزاه قائداً للحزب في البعدين الفكري والإرشادي. وقد كان الحديث عن كون السيد الصدر مؤسساً للدعوة، متداولاً في أوساط الحزب منذ الستينات. ثم برز اسمه قائداً للحزب خلال العام 1979، بعد تفجير الصدر للتحرك المعارض لنظام البعث في العراق. ولكن تقدُّم السيد الصدر على باقي المؤسسين والقياديين في توجيه بوصلة حزب الدعوة خلال الفترة من العام (1957 إلى 1961)، ثم بقاءه مرشداً لحزب الدعوة وداعماً له؛ قد أقنع أجيال الدعاة والمؤرخين والمراقبين بأن السيد الصدر هو المؤسس الواقعي لحزب الدعوة وقائده الروحي ومرشده حتى استشهاده في العام 1980. ومن أبرز قرائن هذه الحقيقة:

1 – إن السيد محمد باقر الصدر هو أحد الخمسة الأوائل الذين ناقشوا فكرة الحزب بعمق ودقة، وأقرّ العمل على وفقها، وهو أبرز المؤسسين العشرة للدعوة.

2 – إن السيد محمد باقر الصدر ظل فقيه حزب الدعوة ومنظره وقائده الفكري؛ فقد أسس النظرية الفقهية لحزب الدعوة؛ التي دونها في بداية طرح فكرة الحزب في العام 1956، والتي استدل فيها على جواز إقامة تأسيس الدولة الإسلامية في عصر غيبة الإمام المهدي المنتظر، وإمكانية سعي جماعة إسلامية لتحقيق هذا الهدف. ولولا نظريته هذه لما تأسس حزب الدعوة. وهي في الواقع نظرية تأسيسية في الفقه السياسي الإسلامي الشيعي لم يسبقه فيها فقيه شيعي. كما كتب السيد الصدر أسس حزب الدعوة الإسلامية؛ المعروفة بالأسس الإسلامية؛ التي تمثل الأسس الفقهية والفكرية والسياسية للحزب، ولا تزال تمثل قاعدة حركة حزب الدعوة. وظل المؤسسون وقياديو «الدعوة» يعودون إلى السيد الصدر في التكييفات الفقهية والفكرية، وكان صاحب المبادرة في هذا المجال. وقد كان السيد الصدر الفقيه الوحيد في الحزب، وكان وجوده في الحزب أساسياً؛ لمركزه العلمي في الحوزة العلمية النجفية، ولحاجة الحزب إلى فقيه يقرر الموقف الشرعي للدعاة، ويواجه الإشكاليات التي تطرحها بعض أوساط الحوزة أو العناصر المتدينة حول الحزب ومواقفه وتفاصيل أدائه. وبالتالي فكثير من اهتمام المؤسسين كان منصباً على الإجابة على إشكاليات الفكر الفقهي التقليدي وتسويغ عملهم أمام المشككين في أوساط المنظومة الدينية الشيعية التي كانت لا تستسيغ العمل السياسي عموماً، والعمل الحزبي خصوصاً.

3 – كان السيد الصدر يدير الاجتماعات التحضيرية والتأسيسية في النجف الأشرف، وأدار اجتماع أداء القسم في كربلاء، وكان المفروض أن يكون أول من يقسم قسم الانتماء للحزب؛ لولا إصراره على ان يكون المرحوم السيد مرتضى العسكري أول من يؤدي القسم؛ باعتباره أكبر الأعضاء سناً (كان عمر العسكري آنذاك 45 سنة والصدر 22 سنة). وأقسم بعده السيد محمد باقر الصدر قسم الانتماء للحزب مباشرة؛ فكان ثاني من يقسم.

4 – اختار السيد الصدر للحزب اسم «الدعوة الإسلامية»، ونظّر لهذه التسمية كثيراً، ولم يكن اسماً؛ بل صفة وغاية وهدفاً ووظيفة.

5 – كان السيد الصدر العضو الأبرز في القيادة الرباعية الأولى (وإن لم تكن تسمى حينها قيادة رسمياً؛ بل تسمى لجنة العمل) التي تألفت بعد مرحلة التأسيس؛ والمؤلفة من السيد الصدر والسيد مهدي الحكيم وعبد الصاحب دخيل والسيد مرتضى العسكري، وكان الصدر يدير اجتماعاتها، وبمثابة أمينها.

6 – كان المشهور في مركز القرار الحوزوي النجفي والإيراني وأوساط المرجعيات الدينية، وقيادات الأحزاب السياسية العراقية واللبنانية والإيرانية؛ بأن السيد محمد باقر الصدر هو مؤسس حزب الدعوة الإسلامية ويقوده. فقد كشف حزب البعث العراقي هذا الأمر في وقت مبكر؛ فقام في عام 1961 أحد قيادييه في النجف (السيد حسين الصافي) بزيارة المرجعين السيد محسن الحكيم والسيد أبو القاسم الخوئي؛ وأبلغهم بخطورة الحزب الجديد الذي أسسه الصدر ويقوده؛ فكان جواب السيد الحكيم للصافي وهو ينهره: ((وهل تتصور أنك أحرص من السيد الصدر على الحوزة والنجف؟)). وكان جواب السيد الخوئي له: ((إذا كان السيد الصدر قد أسس هذا الحزب ويقوده؛ فأنا أول من ينتمي إليه)). وقد روى ذلك لي المرحوم الشيخ محمد باقر الأنصاري الذي كان حاضراً اللقاء. كما روى لي السيد موسى الخوئي أنه تحدث مع جده الإمام الخوئي حول الإشاعات التي كان يثيرها بعض حاشية (مكتب) السيد الخوئي ضد السيد الصدر أمام الوفود الطلابية التي كانت تزور النجف للقاء المرجعيات الدينية، ومنها شبهة كون السيد الصدر حزبياً وأنه يقود حزب الدعوة. فقال الإمام الخوئي: ((إذا كان محمد باقر الصدر في حزب الدعوة فأنا أيضاً سأكون في حزب الدعوة)). ونقل السيد كاظم الحائري عن المرجع الديني الإيراني السيد عبد الكريم الموسوي الأردبيلي، أنه امتدح السيد الصدر حين طرح بعض علماء الدين في إيران أواخر الخمسينات موضوع تأسيس السيد الصدر لحزب الدعوة. كما أني اطلعت على وثيقة سرية لحزب تودة الشيوعي الإيراني عام 1962 يؤكد فيها وجود حزب إسلامي شيعي في العراق اسمه حزب الدعوة ويقوده السيد محمد باقر الصدر. وكانت هذه الوثيقة ضمن محفوظات السافاك الإيراني (مخابرات الشاه). ومن المعروف أن بعض كوادر وقيادات حزب تودة الإيراني والحزب الشيوعي العراقي كان يتبادل المواقع التنظيمية بين الحزبين، فضلاً عن تبادل المعلومات بينهم لمواجهة الحركة الدينية في العراق وإيران.

7 – إن معظم تلاميذ السيد الصدر كانوا من الدعاة الأوائل أو دعاة المراحل اللاحقة، وأصبحوا من قيادات الحزب وكوادره فيما بعد، وكان هو الذي يبادر بتحريك بعض تلاميذه لضم زملائهم الآخرين إلى الحزب. وانتهى الأمر في العام 1979 إلى أن يكون ما يقرب من 60 بالمائة من تلاميذه، وحوالي 80 بالمائة من وكلائه في المدن العراقية كافة؛ أعضاء في حزب الدعوة. وبعد أن أصدر السيد الصدر حكمه الشرعي بفصل العمل الحزبي عن الحوزة العلمية في العام 1973؛ بهدف حفظ الحوزة العلمية النجفية والمرجعية الدينية وحزب الدعوة؛ فإنه استثنى بعض تلامذته داخل العراق، وكذلك وكلائه في المدن وتلامذته في خارج العراق؛ حرصاً على عدم إضعاف مسيرة الحزب وتنظيماته. وقد ألغى السيد الصدر حكمه نهائياً من خلال رسالته التي حملها تلميذه السيد عبد الكريم القزويني إلى قيادة الحزب خلال تواجدهم في مكة المكرمة في موسم الحج في العام 1979.

و لم يحصل خلاف فكري أو منهجي أو سياسي أساس بين السيد الصدر وحزب الدعوة أو قيادته طيلة حياته. أما الحالات التي أدت إلى خلافات في الرأي والتوجه الميداني، فكان ذلك يدل على التلاحم بين الطرفين وعلى تدخل السيد الصدر المباشر في شؤون الحزب، وهو خلاف طبيعي يحصل في كل الأحزاب والتيارات والتنظيمات. فقد كانت الخلافات النظرية الميدانية والمزاجية بين أعضاء قيادة حزب الدعوة أنفسهم أكبر بكثير من أي خلاف مع السيد الصدر. صحيح أن السيد الصدر كان يبدي انزعاجه من تصرفات بعض قياديي «الدعوة» في الخارج وتصريحاتهم وكتاباتهم؛ ولكنها عموماً كانت تباينات لا تتجاوز الخلاف بين أبناء البيت الواحد؛ باستثناء رأيه بالشيخ علي الكوراني، الذي كان رأياً حازماً وعميقاً.

8 – كان السيد الصدر بعد العام 1974، وعلى إثر الضربتين الموجعتين اللتين وجهتهما دولة حزب البعث لحزب الدعوة؛ يجتمع مباشرة بالدعاة العسكريين والقائمين على التنظيم العسكري، ويدعوهم إلى تقوية التنظيم العسكري؛ لأنه الوحيد – في ظل القمع الشديد والإعدامات المتوالية – القادر على كبح جماح السلطة. وكان أحياناً يبدي عدم رضاه على حجم هذا التنظيم ويدفعه باتجاه الفاعلية الأكبر كماً ونوعاً. وبدأ من ذلك التاريخ يخصص للتنظيم العسكري أموالاً مما يصله من حقوق شرعية وحتى استشهاده.

9 – كان السيد محمد باقر الصدر حتى تاريخ استشهاده يدعو من يجتمع به من قيادة حزب الدعوة في الداخل ووكلائه ومعتمديه الدعاة في المدن العراقية بضرورة النهوض بعملية ضم الشباب المتدين إلى حزب الدعوة. وقد نقل لي عدد من وكلائه ومعتمديه؛ كالسيد حسن شبر والشيخ عبد الحليم الزهيري؛ بأن السيد الصدر في اجتماعاته الخاصة بهم في أواسط العام 1979 كان يؤكد ضرورة توسيع التنظيم وضم شباب جدد إليه. كما كان يجتمع بقيادة حزب الدعوة في الداخل مباشرة ويوجههم ويتابع عملهم، ولم تكن قيادة الداخل تخطو أية خطوة استراتيجية دون الرجوع إليه. ومن بين من كان يجتمع بهم من القياديين بانتظام: السيد حسن شبر ومهدي عبد مهدي والشيخ حسين معن وجواد الزبيدي.

10 – ظل السيد الصدر خلال العامين 1979 و1980 يكرر توصيته إلى مقربيه بالاهتمام بحزب الدعوة وبشبابه. وقد سَمع مقولاته المتواترة المشهورة ((أوصيكم بالدعوة خيراً فإنها أمل الأمة)) و((أوصيكم بشباب الدعوة فإنهم أملي)) كثير من تلامذته ومقربيه، ومنهم السيد محمود الهاشمي والسيد محمد باقر الحكيم والسيد حسن شبر والشيخ محمد رضا النعماني، ونقلوها عنه مباشرة.

11 – رفض السيد الصدر رفضاً قاطعاً طلب صدام حسين المتكرر إصدار فتوى بحرمة الانتماء لحزب الدعوة مقابل إيقاف قرار إعدامه. ولكنه فضّل الموت على ذلك. ولذلك كان حكم إعدامه طبقاً للقرار 461 الصادر في 31 آذار/مارس من العام 1980، على وفق المادة 156 عقوبات، والقاضي بإعدام كل من ينتمي إلى حزب الدعوة ويروج أفكاره ويعمل على تحقيق أهدافه.

وهناك قرائن ثانوية تشير جميعها إلى أن السيد محمد باقر الصدر كان أبرز مؤسسي حزب الدعوة؛ بل إن مسيرة التأسيس وسنوات الحزب الأولى أفرزته القيادي الأكثر تاثيراً؛ رغم أنه كان أحد الأعضاء الأصغر سناً بين المؤسسين العشرة؛ إذ كان السيد محمد باقر الحكيم الوحيد الذي يصغره سناً، أما السيد مهدي الحكيم فكان بعمره، أما المؤسسون السبعة الآخرون فكانوا أكبر منه سناً.

وفي السنوات اللاحقة؛ أي بعد انسحاب السيد الصدر من التنظيم في العام 1961؛ إثر طلب المرجع الأعلى السيد محسن الحكيم منه أن يبقى مرشداً للحزب؛ ولكن من خارج الحزب؛ فإن علاقته بـ«الدعوة» ظلت تلاحمية وقريبة جداً؛ إذ ظل يتابع شؤون الحزب ويتدخل لحل ما يعترضه من مشاكل وخلافات داخلية، ويشارك في التنظير والتخطيط له. وكانت أهم قضية تمكن من حسمها هو منع انهيار حزب الدعوة في العامين 1963 و1964؛ إثر حدوث خلاف عميق بين قيادة الحزب في بغداد ممثلة بالثنائي محمد هادي السبيتي وعبد الصاحب دخيل، ولجنة النجف ممثلة بالشيخ عبد الهادي الفضلي، وصدور بيانين انشقاقيين داخليين من الطرفين يفصل كل منهما الآخر من الحزب. فكان تدخل السيد الصدر حازماً في إنهاء الأزمة. بيد أن شوائب تعرضت لها العلاقة مع قيادة الحزب في عقد السبعينات من القرن الماضي، إلى مستوى التعارض في بعض القرارات، ولاسيما الفترة من العام 1972 وحتى مطلع العام 1979، حيث كانت العلاقة جدلية، وهي المرحلة التي كان فيها محمد هادي السبيتي القيادي الأول في الحزب. أي أن طبيعة العلاقة بين السيد الصدر وقيادة «الدعوة» ظلت ترتبط بنوعية حراك السيد الصدر في مواجهة النظام، ورؤية القياديين النافذين في «الدعوة» لهذه المواجهة. ففي الوقت الذي بادرت قيادة حزب الدعوة في الداخل إلى مبايعة السيد محمد باقر الصدر في العام 1979 على السمع والطاعة؛ فإن بعض أعضاء القيادة في الخارج كانوا يرون التريث في المواجهة لحين استكمال أدوات المعركة مع النظام العراقي.

 

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment