دور التخندق الطائفي العربي ــ الإقليمي في احتلال الموصل

Last Updated: 2024/04/14By

دور التخندق الطائفي العربي ــ الإقليمي في احتلال الموصل

د. علي المؤمن

التخندق الطائفي العربي ــ الإقليمي ضد العراق بعد العام 2011، والذي كانت تتصدره أنظمة تركيا والسعودية وقطر والأردن، وبدعم أمريكي وبريطاني مباشر؛ أفضى الى نتائج مهمة خلال العامين 2012 و2013، كان أبرزها دفع تنظيم (داعش) الوهابي للتحرك بقوة في المحافظات غرب العراق الثلاث، إضافة الى محافظتي ديالى وكركوك، بالتزامن مع تصاعد الخطاب الطائفي في منصات الاعتصام في المناطق السنية، وبذل كل الجهود للسيطرة على الموصل في أوائل العام 2014، تسبقها وتتزامن معها عمليات تكتيكية لدخول سامراء وبعقوبة وتكريت وبيجي وجولاء؛ لدفع الحكومة العراقية لسحب احتياطيها العسكري وقواتها من بغداد نحو المنطقة الغربية والموصل؛ ليكون تلويح داعش بضرب بغداد ودخولها واقعياً، وكذلك التهديد بتدمير مراقد الأئمة في سامراء والكاظمية وكربلاء والنجف.

ولكن يبقى إن الموصل هي الهدف الإستراتيجي؛ للإبقاء عليها خارج سيطرة الحكومة المركزية، وتحولها الى خاصرة ضعيفة؛ تنطلق منها حرب الاستنزاف ضد الدولة وضد الشيعة؛ وصولاً الى تأسيس الدولة السنية في محافظات نينوى والأنبار وصلاح الدين وأجزاء من محافظات كركوك وديالى وبغداد (مناطق العرب السنة).

وهكذا تم استنفار الحواضن المسلحة داخل الموصل، والاتفاق بشكل مباشر وغير مباشر مع بعض المسؤولين والقيادات المحلية في الموصل على العملية، وإشاعة قرب الخلاص مما يسمى بـ (حكم الشيعة) بين الأهالي. وحصل تنظيم داعش على فتاوى من مشايخ الوهابيين في السعودية بوجوب ما يسمى بـ ((تحرير أراضي المسلمين في بغداد ونينوى والأنبار وديالى وصلاح الدين من سيطرة الروافض الكفرة)). وحينها اكتملت خيوط المؤامرة الطائفية على النحو التالي:

1- قيام حوالي أربعة آلاف مقاتل من تنظيم داعش، وألفين مقاتل من الجيش الإسلامي وكتائب ثورة العشرين وجيش النقشبندية وبعض المجموعات العشائرية، باقتحام الموصل من خارجها في شباط/ فبراير 2014، وهم مسلحون بكل أنواع الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والثقيلة والآليات.

2- انضمام ما يقرب من عشرة آلاف مسلح مدني وعسكري من داخل الموصل؛ من عناصر النظام البعثي السابق (مخابرات وأمن وحرس جمهوري وفدائيو صدام وحزبيين) ومن عناصر الجماعات والمؤسسات الإسلامية وعناصر عشائرية محلية.

3- تواطؤ رسمي من داخل الموصل من قبل قياديين ومسؤولين محليين مدنيين وعسكريين؛ بينهم ضباط كبار في الجيش والشرطة والمخابرات؛ مهّدوا عبر المعلومات والإشاعات والأوامر لدخول المقاتلين الى المدينة.

4- تحضير آلاف الأهالي المنتشرين في أحياء الموصل؛ لاستقبال مقاتلي داعش والترحيب بهم. وهم يمثلون حواضن اجتماعية محلية؛ مثّلت الدعم المعنوي واللوجستي الأهم للمؤامرة.

وهكذا دخل المسلحون الوهابيون الى الموصل بكل سهولة ودون مقاومة، وسيطروا خلال يومين تقريباً على مركز المدينة ومعظم ضواحيها وعلى المؤسسات الحكومية. وأعقب ذلك تمدد تنظيم داعش نحو مدن محافظة نينوى الأُخر، فضلاً عن مدن محافظتي صلاح الدين والأنبار، واستمر ذلك خلال العامين 2014 و2015.

وعلى الجبهة العراقية المقابلة؛ كانت الأمور تتفاعل باتجاه معاكس لقيام دولة داعش والمد الطائفي الكبير في الموصل والمناطق السنية في غرب العراق، وكان من مخرجاتها:

1- إعلان المرجعية الدينية النجفية العليا عن موقفها من الأحداث والخطر المحدق بالبلاد، ولاسيما فتوى الإمام السيستاني بالجهاد الكفائي، التي أعادت الى الأذهان فتاوى الجهاد التي أصدرتها المرجعية الشيعية خلال المئة سنة الماضية. وكان تقدم المرجعية العليا صفوف الجبهة العراقية الوطنية عبر فتوى الجهاد؛ يدلّ دائماً على نوعية الخطر الذي يواجه الدين والمذهب والشعب والوطن والدولة؛ إذ أن إعلان الجهاد لا يتم إلّا في الحالات المصيرية الحرجة جداً. وقد أدى ذلك الى إعلان الفرقاء السياسيين الشيعة؛ ولاسيما الإسلاميين؛ وأيضا الحكومة؛ عن مواقف الطاعة والتبيعة للمرجعية العليا المتمثلة بالإمام السيستاني.

2- التقارب المجتمعي بين شرائح المجتمع العراقي، السني والشيعي، بعد أن أدركت إنها مستهدفة في المؤامرة؛ ولاسيما بعد القرارات التشريعية والتعليمات التكفيرية التي أصدرتها قيادة داعش والمجلس العسكري ومجلس الإفتاء في الموصل. وكذلك بعد سيطرة قوات البيشمركة الكردية على مدينة كركوك ومعظم مدن وأراضي المحافظة.

3- شعور المواطن العراقي السني بأن داعش والبعث والجماعات المسلحة يعششون في مناطقه فقط، ويتسببون في تدمير بناها التحتية واقتصادها وعمرانها، وفي قطع أرزاق الناس، وإشاعة الفوضى والتخريب وعدم الاستقرار، والتأثير على مستقبل أولاده ودراستهم وعيشهم الهادئ.

4- انكشاف حقائق الشركاء السياسيين ومواقفهم وأهدافهم، ولاسيما بعض الشركاء السنة الذين وقفوا سراً أو علانية مع المؤامرة في الموصل ومع مخطط تقسيم العراق، بينما وقف آخرون على الحياد.

5- استشعار أمريكا الخطر الكبير الذي يتهدد مصالحهم في المنطقة من الجماعات التكفيرية، وتحديداً داعش، التي سبق أن أسسوها ومولوها، وأصبح خطاب الغرب يتجه نحو تدمير مسارب القوة لدى الجماعات التكفيرية وتجفيف كثير من منابعها، ومنها الفتاوى التكفيرية التي تصدر من المؤسسة الدينية الرسمية السعودية ومشايخها الوهابيين، وكبح جماح المخططات التركية القطرية والسعودية الإماراتية، الرامية الى الاستفادة التكتيكية والإستراتيجية من الجماعات التكفيرية المسلحة وتحريكها باتجاه مصالحها السياسية الطائفية.

 

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment