دوافع القراءة العلمية للمشكلة العراقية

Last Updated: 2024/04/14By

دوافع القراءة العلمية للمشكلة العراقية

د. علي المؤمن

قبل الدخول إلى بوابة الحلول الصعبة لأزمات العراق المستعصية؛ لابد من تشخيص طبيعة هذه الأزمات وعمقها وامتداداتها؛ فالعلاج الحقيقي الفاعل لا يُعطى للمريض إلّا بعد اكتشاف طبيعة المرض أو الأمراض، ومراحلها ومستويات استفحالها وتجذرها في جسد المريض. وقد يكتفي الطبيب بالمسكنات أو العلاج بالعقاقير أحياناً، ولكنه قد يقرر إجراء العمليات الجراحية الخطيرة أحياناً أخرى، وصولاً إلى عمليات الاستئصال المؤلمة أحياناً ثالثة، من أجل إنقاذ حياة المريض.

ابتداءً؛ ينبغي أن نؤمن بأن من الخطأ حصر أسباب الفساد والفشل والأزمات في العراق بطبيعة نظام ما بعد العام 2003، والحكومات التي أفرزته، بدءاً بإدارة الاحتلال بقيادة غارنر، وانتهاءً بحكومة السيد محمد شياع السوداني. ومن الخطأ أيضاً الاعتقاد بأن العلمانيين إذا حكموا العراق وتنحى الإسلاميون عن الحكم، أو أمسك التكنوقراط بالوزارات وابتعد السياسيون والحزبيون، أو تخلى الشيعة عن المشاركة في الحكم وعاد السنة للامساك به دون شريك، أو إذا ظهر قائد قوي؛ فإن أزمات العراق ستنتهي، كلا بالتأكيد، لأن أزمات العراق ليست طارئة أو مفتعلة، أو ناتجة عن احتلال وحروب وسوء إدارة؛ إنما هي أزمات متوارثة متراكمة مزمنة، لها علاقة بتاريخ بعيد وماض قريب وحاضر قائم، ويستحيل التخلص منها بالقوة القاهرة أو المعالجات الترقيعية أو المصالحات السطحية وصفقات الترضية بين الفرقاء، أو بالشعارات الرنانة والمهرجانات الخطابية التي تصرخ بالوطن والوطنية.

المعضلة الأساس التي يعاني منها العراق، هي معضلة الوعي العلمي الدقيق بما كان وما هو كائن وما ينبغي أن يكون، وبالتالي؛ وجود خلل عميق في فهم نوعية العراق الجديد الذي يجب أن يقوم، على قاعدة الاتفاق الواقعي الموضوعي بين المكونات القومية والطائفية، وأحزابها وتياراتها ومؤسساتها السياسية والاجتماعية والدينية. وكان ينبغي الاتفاق على هذا الأساس منذ مداولات الجمعية الوطنية وبواكير تداول إنشاء الدستور، وجزء منه الاتفاق على القيم الحاكمة على الدستور وقبلياته، أي القواعد الأساسية التي تقف عليها الدولة ومنظومتها السياسية والاجتماعية، لأن الخلل في تثبيت القبليات، ثم تقنينها في الدستور وفي منظومة الدولة؛ جعل كل قومية وطائفة وتيار وجماعة، بل وكل وحدة إدارية، تحس بالغبن، وبعدم حصولها على استحقاقاتها في السلطة والثروة؛ الأمر الذي جعل حالة تفجير الأوضاع في أية منطقة في العراق من أسهل الأمور. وهكذا ظلت الموروثات التاريخية الخلافية تتفجر بكل أشكالها واتجاهاتها، وأصبح بعض الفرقاء يعيش هاجس العودة الثقيلة الى الماضي، والآخر يعيش هاجس العبور السريع الى المستقبل.

وفضلاً عن المعالجات السطحية والترقيعية لكثير من الأزمات الكبيرة التي تفجرت أو تكونت بعد العام 2003؛ فإن أزمات وإشكاليات أُخر تم تجاوزها اعتباطاً، خوفاً من إثارتها أحياناً، أو عدم الالتفات الى خطورتها أحياناً أخرى، ولهذا بقي وسيبقى كل شيء على ما هو عليه، طالما بقيت الإشكاليات غير مفككة موضوعياً وعلمياً، وبقيت الأزمات غير مدروسة دراسة اركولوجية معمقة، تهدف الى معرفة بنيتها، من أجل اقتلاع جذورها.

ولعل من البساطة أن يحصر بعضهم – كما ذكرنا – أسباب الأزمات وعدم الاستقرار في العراق، منذ العام 2003 وحتى الآن، الى آثار الاحتلال وسقوط سلطة البعث، أو الأداء الحكومي ومناسيب الفساد ونقص الخدمات، أو الإرهاب؛ فهذه العوامل بعضها مظاهر، وليست كلها أسباب.

 

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment