دعوة لتكريم التسخيري..الظاهرة

Last Updated: 2024/04/14By

دعوة لتكريم التسخيري..الظاهرة

د. علي المؤمن

(جريدة نداء الرافدين، دمشق، 1999 م)

تحرص الدول المسلمة علی إظهار مؤتمراتها الإسلامية العالمية كتظاهرة عابرة للحدود؛ الأمر الذي تدل علیه ـ غالباً ـ نوعیة الشخصیات الضیفة التي تقدم من عشرات البلدان الإسلامیة، للتواجد تحت سقف واحد بشكل ملفت للنظر. وفي المؤتمرات التي يحضرها العلّامة الشيخ محمد علي التسخيري في عدد كبير من الدول، وأحضرها أيضاً، تظل شخصیته تجتذب الأضواء والعقول، بل تجتذب العشاق أیضاً؛ فلطالما سمعتهم یتهامسون بإعجاب وإجلال: هذا هو الشیخ محمد علي التسخیري؛ إذ إنّ شهرته كمفكر وشخصیة قيادية إسلامیة عالمیة؛ تسبقه إلى حضور هذه المؤتمرات؛ فيظل یشد العیون والقلوب إليه حین یدخل القاعة لیحیّي المؤتمرین، ولا تفارقه حتی یجلس في مقعده. لم یكن التسخیري كأي من المشاركين؛ بل ظاهرة إسلامیة عالمية تمشي علی قدمین..

منذ ثمانينات القرن العشرين وهو یتبلور ويتألق.. ظاهرة إسلامیة عالمیة أصيلة متفردة، في الفكر، والرؤیة والعمل، تجدّ وتجتهد لتحقيق هدف عالمیة الإسلام وعالمیة التجربة الإسلامیة المعاصرة، حتى بات لزاماً إطلاق مصطلح (الظاهرة التسخيرية) عليه.

لم یكن التسخیري یوماً مواطناً محلیاً أو إقلیمیاً؛ إذ ظل انتماؤه الحقیقي للحركة الإسلامية في العراق وللجمهورية الإسلامیة الإيرانية، بما تمثلانه من أهداف إسلامیة، ولقیادة الأُمّة بما تمثله من مظلة إسلامیة شرعیة عالمیة وحركة منفتحة علی كل الواقع الإسلامي. كما ظل العلّامة التسخیري في كل المناصب التي تسنّمها وفیاً لشخصیته الإسلامیة العالمیة، ابتدا من مسؤولیة مؤتمرات الفكر الإسلامي، إلى مسؤولیة المجمع العالمي لأهل البیت، ومسؤولية المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية، ومستشار آية الله الخامنئي، وعضویة مجمع الفقه الإسلامي، ورئاسة منظمة الثقافة والعلاقات الإسلامیة، وانتهاءً بعضویة مجلس الخبراء في الجمهوریة الإسلامیة وغیرها. صحیح أنّها مواقع تتمیز ـ بالأساس ـ ببعدها العالمي؛ إلّا أنّ شخصية التسخیري ركزت فیها هذا البعد وكرسته في حركتها شكلاً ومضموناً.

هذه الجهود التي نجح التسخيري في تحويلها إلى نظریة في الفكر ومنهجية العمل؛ لم تمر عبر طریق مفروش بالزهور، بل عبر ميادين واسعة من العقبات والأشواك والكدح المضني، ليس أصعبها زنزانات الموت في نظام البعث العراقي، ولا ملاحقات رجال (السافاك) الإيراني، ولا شظف العيش ومسؤولية الأُسرة الكبيرة، والجمع بينها وبين المسؤوليات التنظيمية في الحركة الإسلامية والدراسة الحوزوية والدراسة في كلية الفقه. كل هذه الأعباء لم تغير في طباعه الكريمة وروحه المرحة وشاعريته الرقيقة. لذلك؛ ظل عشاقه كثر دائماً؛ فهو صاحب القلب الكبیر الذي یكظم ویعفو، ویحنو علی الجمیع، وهو المربي والأُستاذ الذي تظل مشاعره تلاحق تلامیذه في مواقع التفكیر والحركة، فلا یبخل علیهم بالتوجیه والإرشاد والتسدید.

ولم تكن النوبات المرضیة التي تصیب آیة الله التسخیري بمنأی عن تأثیر هموم العمل وحجمه، وعن نوعیة حركته، وأُسلوبه في التخطیط والإدارة، فشعوره العمیق بمسؤولیة الهدف والوسیلة، یجعله یفكر بكل صغیرة وكبیرة، ویحمل همومها معه أینما حل ورحل. فتراه یفكر بذهنیة الحكیم العبقري، ویتحرك بنشاط الشاب المتوقد، حتى إنّ من یراه ـ لأول مرة ـ بكریمته البیضاء كالثلج، وقسمات وجهه التي تحكي تعب السنین؛ لا یصدق أنّ التسخیري لم يجاوز بعد الثامنة والخمسین من عمره. إنّها خلاصة قصة الكدح التي بدأها بفصل الجهاد والحركة في أوائل الستینات، ثم محنة الاضطهاد والاعتقال والتعذیب الرهیب في السجون، والمطاردة والهجرات المتواصلة، ثم المسؤوليات القيادية الكبيرة في الحركة الإسلامية العراقية، والإدارية في الجمهورية الإسلامية الإيرانية.

الجلطات الدماغیة التي داهمته مؤخراً، وطرحته فراش المستشفی؛ كان وجعها أكبر لعشاقه. فترى الألم والمرارة باديين علی وجوههم.. والدموع، والدعاء لشفائه. وبالتالي؛ فهي دعوات المؤمنین والمحبین التي عبرت بأبي إحسان فوق مرحلة الخطر؛ كي یدیر ظهره للمستشفی دون رجعة إليها إن شاء الله.

وبعودة الشیخ الأسد إلى عرینه؛ تعود الظاهرة التسخيرية إلى خنادقها؛ لیبقی قلبه الكبیر ینبض في كل زاویة من زوایا حضوره، ویبقی لسانه الفصیح صادحاً بالفكر، ویده البیضاء ترسم خطوط الإبداع، هذه الید التي سطّرت كلمات خمسین كتاباً ومئات الدراسات والمقالات.

 

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment