خطأ استخدام مصطلح الإسلام السياسي

Last Updated: 2024/04/14By

خطأ استخدام مصطلح “الإسلام السياسي”

د. علي المؤمن

المصطلحات الغربية الخاصة بتوصيف الإسلام والواقع الإسلامي، كــ “الأصولية الإسلامية” (Islamic Fundamentalism) و”الإسلام الأصولي (Fundamentalist  Islam)  و”الإسلام التقدمي ( Progressive Islam )   “و”الإسلام المعتدل” أو “الحداثوي” ( moderate Islam )  و”الإسلام الليبرالي” (liberal Islam) و”الإسلاموية  (Islamism)، وآخرها “الديانة الإبراهيمية” (Abrahamic religion)، ليست مصطلحات منهجية علمية محايدة، كمصطلحات الطب والهندسة والرياضيات وغيرها من العلوم التجريبية والتطبيقية والبحتة، أو كثير من مصطلحات العلوم الإنسانية والاجتماعية الأخرى؛ بل هي مصطلحات مسيسة ومؤدلجة، ومفصلة على مقاسات الفهم الغربي المركب (العلماني المسيحي اليهودي)، بل هي ــ غالباً ــ أسلحة موجّهة ضد الإسلام والمسلمين، بغطاء محاربة الحركات الإسلامية المتطرفة.

وإذا كان من الطبيعي أن يستخدم الباحث الغربي أو غير المسلم هذه المصطلحات، انسجاماً مع منظومته الفكرية المنهجية (الدينية ــ العلمانية)، أو يتلقفها العلماني الشيوعي والقومي والليبرالي في منطقتنا العربية والإسلامية؛ ليحارب بها الحركات الإسلامية؛ لكن المفارقة أن يستخدمها الكاتب والمدون والمثقف والأكاديمي المسلم المتدين، عن معرفة ودراية بمضامينها الآيديولوجية والدينية والسياسية. بل نرى أن بعض المثقفين الإسلاميين أو ذوي الأصول الإسلامية يصر على استخدام هذه المصطلحات، أما جهلاً بمداليلها السياسية والدينية والايديولوجية، ليظهر نفسه بمظهر “الإسلامي المعتدل” و”المثقف التقدمي” و”الليبرالي الصاعد”، عبر إضفاء ديكورات تقدمية على كتاباته والتشدق بنقد فكر الحركات الإسلامية بقسوة وبأسلوب تخريبي، وهي حالة نفسية تجسد لوناً من الإحساس بالدونية والانتقام من ماضيه الإسلامي.

وهكذا؛ تظل ساحتنا الفكرية مختبراً لتجارب واختراعات المفكرين الغربيين، ولعبة تحركها منظومة الفكر الغربي العلماني ــ الديني، ومصطلحاتها ومفاهيمها، ويكون بعض مثقفينا مجرد صدى لما يصطنعه المفكرون الغربيون ويصيغوه من توصيفات لواقعنا.

والملفت أن الغربيين لايخفون أهدافهم ولا يخجلون من إعلانها، لأنهم يعتقدون أن المسلمين لن يلتفتوا الى الأهداف والمضامين الايديولوجية والسياسية لهذا المصطلح وغيره، بل سيتلقفونه بسرعة ويترجمونه، ويقومون بترديده بكل فخر وتبختر، وهو ما يحصل دائماً.

“الإسلام السياسي” هو الترجمة العربية لمصطلح(Political Islam) ، الذي اخترعه الباحث الأمريكي “غودرون كارمر” في العام 2004، في دراسته المنشورة في موسوعة In Encyclopedia of Islam and the Muslim World  (تحرير ريشارد مارتن، العدد 6،  نيويورك، 2004). وهذا المصطلح يعني وجود إسلامات متنوعة ومختلفة: إسلام سياسي وإسلام اقتصادي وإسلام ديني وإسلام فني وإسلام رياضي وإسلام عسكري وإسلام ثقافي. وهو خطأ منهجي وعلمي واصطلاحي، لأن الإسلام دين متكامل في أصوله وفروعه.. لاتتجزأ فيه العبادة عن السياسية، ولا العقود عن الاقتصاد، ولا المعاملات عن الأخلاق، ولا العقيدة عن السلوك .

فلا وجود لشيء اسمه “الإسلام السياسي”، ولاتصح نسبة الموضوعات والاختصاصات للإسلام، بل تصح النسبة للمسلمين وجماعاتهم؛ فيمكن القول أن هؤلاء فقهاء مسلمون أو مسلمون متخصصون في الإقتصاد الإسلامي أو مسلمون مجاهدون، وهذه حركة إسلامية سياسية أو حركة مقاومة إسلامية أو جماعة إسلامية حقوقية أو جمعية اسلامية ثقافية أو جمعية إسلامية خيرية أو مجمع علمي إسلامي أو جامعة اسلامية أكاديمية أو مركز إسلامي بحثي أو مصرف إسلامي أو مؤسسة إسلامية تبليغية.

أما اختراع المطابخ الفكرية الغربية لمصطلح “الإسلام السياسي” أو حركات الإسلام السياسي (Political Islam movements)؛ فإنه جاء لأهداف منهجية وفكرية وسياسية ومخابراتية، في مقدمتها تفكيك فروع المنظومة الإسلامية العقدية الفقهية الواحدة، وعزل الفروع العبادية عن السياسية والاقتصادية والجهادية، والقول بأن الإسلام دين عبادة واخلاق فقط، وأن الحركات الإسلامية التي تمارس العمل السياسي، إنما هي إسلام آخر لاعلاقة له بالإسلام العبادي، وبالتالي؛ فهي حركات غير شرعية؛ لأنها تجتزئ السياسة من الإسلام، وتعمل بهذه الجزئية، وهو توصيف لايمت بأية صلة للإسلام وللحركات الإسلامية التي يعنونها. فضلاً عن هدف خلط الحابل بالنابل والمساواة بين الارهابي والمجاهد، والعادل والظالم، والقول بأن جميع الجماعات الاسلامية هي تعبير عن الإسلام السياسي، أيا كان مذهبها وأيا كانت غاياتها ووسائلها.

وكانت الحكومة النمساوية بزعامة رئيس الوزراء “سيباستيان كورز”، أول من استثمر عملية الخلط المفاهيمي الذي انطوى عليه المدلول الغربي لمصطلح “الإسلام السياسي”، وذلك حين أعلنت رسمياً أن “الإسلام السياسي” يشكّل جريمة ضمن إطار قانون مكافحة الإرهاب.

 

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment