حوار المستقبَلات الإنسانية

Last Updated: 2024/04/14By

حوار المستقبَلات الإنسانية

د. علي المؤمن

ليس المستقبل الإسلامي المنشود رهين سقوط المستقبَلات الأُخر، فالمسلمون لا يشيدون دعائم مستقبلهم على حساب الآخرين، ولو كانوا الأضداد النوعيين، كما فعل ويفعل هؤلاء الأضداد، حين بنوا مدنياتهم على حساب الشعوب الأُخر التي قدر لها أن تتراجع عن ركب الحضارة في ظروف معقدة يطول شرحها، فاستعمروها واستغلوها، ونهبوا خيراتها وثرواتها، واستدرجوها باتجاه التبعية السياسية والاقتصادية والثقافية لهم، ثم قننوا (علمياً!) لهذه الفجوة الحضارية من خلال العلوم الاجتماعية والسلوكية الغربية، كالإنثروبولوجيا والإثنولوجية، وأظهروا شعوب الجنوب أجناساً من الدرجة الثانية والثالثة والرابعة.. هوامش وأطراف وعبيد، تبعاً لمعايير التطور المادي وأساليب التفكير والعيش والجنس واللون والموقع الجغرافي.

في حين ينظر الإسلام للناس كافة نظرة واحدة متكاملة، فيساوي بينهم (كأسنان المشط)، وذلك لما ورد عن النبي قوله: ((المؤمنون كأسنان المشط يتساوون في الحقوق بينهم))، ويقرر إنّهم إمّا إخوة في الدين أو نظير في الخلق، كما في عهد الإمام علي إلى مالك الأشتر لما ولّاه مصر وفقاً لمعاييره الإنسانية التي أثبتتها العقيدة الإسلامية {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ}.

من هنا، فإنّ بناء الحضارة الإسلامية المستقبلية بناء مستقبل على أرضها وقيمها وتراثها وفكرها، وليس على أنقاض الحضارات الأُخر وقيمها وأفكارها ومدنياتها. وقد تكون الحضارات الأُخر في طريقها للانهيار، ولكن الحضارة الإسلامية المستقبلية لن تنتظر هذا الانهيار لتبني صروحها. وقد يضطر المسلمون للتدافع مع الحضارات الأُخر وممارسة هجوم مضاد، خلال دفاعهم عن أنفسهم إزاء هجمات الآخرين الشاملة {وَلَوْلَا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ}.

ولكنّ الأصل هو أننا نتحاور مع هذه الحضارات والمدنيات ما دامت لا تستل سيف البغي ضدنا؛ لأننا لا يمكن أن ننكفئ على أنفسنا في بناء مستقبلنا، ولا يمكن أن نكون بمعزل عن دائرة التأثير والتأثر؛ ولأنّ خطابنا الإسلامي هو خطاب عالمي للناس كافة؛ ولأن المسلمين يعملون في إطار حمل الأمانة والتكليف والمسؤولية الشرعية والأخلاقية تجاه الآخرين {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}. وعلى هذا الأساس، يسعى الإسلام لبناء المستقبل الأفضل للإنسانية جمعاء {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا}، الأمر الذي يجعل مستقبلات الآخرين رهن المستقبل الذي ينشده الإسلام.

إنّ المستقبل الإسلامي هو مستقبل الإنسانية جمعاء.. المستقبل الذي يبشر العالم بحياة العدل والحق والخير والجمال والحرية، وهو رسالة الله التي أمر نبيه بتبليغها للناس كافة؛ ليحقق الإنسان من خلالها أهداف الاستخلاف والإعمار. و(المستقبلية الإسلامية) هي خطاب الإسلام المستقبلي للبشر على مختلف انتماءاتهم ومشاربهم.. إنّها تحاور مستقبلات الآخرين، وتدعو خلاله لعرض النموذج الإسلامي الحضاري الإنساني المشرق الذي يفيض بخيره على كل الناس. ويجتذب عقولهم وضمائرهم نحو سعادة الدارين (الدنيا والآخرة).

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment