حزب الدعوة الإسلامية في لبنان من التأسيس الى الانحلال

Last Updated: 2024/04/14By

حزب الدعوة الإسلامية في لبنان: من التأسيس الى الانحلال

د. علي المؤمن

قبل مبادرة السيد موسى الصدر إلى تأسيس حركة المحرومين في العام 1974 وجناحها المقاوم حركة «أمل» في العام 1975؛ كان حزب الدعوة هو العنوان الإسلامي الشيعي السياسي الوحيد في لبنان. وبقي على قوته ونموه المطرد حتى في ظل حركة السيد موسى الصدر ومؤسساته التي اكتسحت الساحة الشيعية اللبنانية. وكان السيد الصدر لا يرى في حزب الدعوة منافساً لحركته؛ بل مكملاً فكرياً وداعماً عقائدياً لها؛ لاسيما وأن كثيراً من الكوادر العقائدية في حركة أمل كانوا أعضاء في حزب الدعوة، كما كان بعض مسؤولي المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى هم كوادر وقياديين في حزب الدعوة، ولاسيما نائب رئيس المجلس الشيخ محمد مهدي شمس الدين. وكان ذلك يعضد الخط المؤمن العقائدي في الحركة والمجلس، وهو ما كان يطمح إليه السيد موسى الصدر؛ على اعتبار أن الحزب والحركة يستوعبان جميع أبناء الطائفة الشيعية على مختلف اتجاهاتهم ومشاربهم وأفكارهم وسلوكياتهم.

وقد كان السيد موسى الصدر في أجواء التحضير لتأسيس حزب الدعوة منذ اليوم الأول، وقد طلب منه ابن عمه السيد محمد باقر الصدر في العام 1957 أن ينضم إلى جهود تأسيس الحزب؛ إلّا أنه فضّل – وهو في طريق استقراره في لبنان – أن يمارس عملاً تنموياً عاماً مفتوحاً ينسجم مع ظروف الحرمان الشديد الذي تعاني منه الطائفة الشيعية في لبنان بسبب التمييز الطائفي والفقر الاقتصادي والإقطاع السياسي. ويقدم السيد محمد حسين فضل الله شهادته في هذا المجال: ((كان السيد محمد باقر الصدر يعيش في هذا الجو، وأسس للحركة الإسلامية، والسيد موسى الصدر كان يعيش عمق الحركة الإسلامية تفاعلاً وتجاوباً وإيماناً، ولكنه كان لا يجد مصلحة في طرح هذه الحركة الإسلامية في لبنان؛ باعتبار أنه كان يجد أن الوقت مبكراً في لبنان لطرحها)).

ولذلك لم يكن ير السيد موسى الصدر في حركة ابن عمه السيد محمد باقر الصدر وأصدقائه السيد محمد مهدي الحكيم والشيخ محمد مهدي شمس الدين والسيد محمد حسين فضل الله سوى مكمل لحركته وداعم لها. ولذلك كان يعلم بتفاصيل عمل حزب الدعوة في لبنان، وبوجود الدعاة في داخل حركة المحرومين وحركة أمل والمجلس الإسلامي الشيعي. صحيح أن بعض قياديي حزب الدعوة وفي مقدمهم السيد محمد حسين فضل الله اعتذروا للسيد موسى الصدر بعدم الانضمام للمجلس الشيعي الأعلى الذي أسسه السيد موسى الصدر؛ إلّا أن ذلك لم يؤثر على طبيعة العلاقة والتنسيق بين الطرفين.

وقد كان تنظيم حزب الدعوة في لبنان ثاني أهم تنظيم دعوي بعد العراق؛ فقد كان الدعاة اللبنانيون؛ بحكم تميّزهم العددي والنوعي؛ هم الأكثر تأثيراً في عمل الحزب بعد الدعاة العراقيين؛ بل تجاوز تأثيرهم الدعاة العراقيين في الفترة من العام 1971 إلى العام 1979؛ حين أصبح القيادي اللبناني محمد هادي السبيتي هو الرجل الأول في قيادة الحزب. وفي هذا الصدد يقول الوزير اللبناني الدكتور طراد حمادة: ((بعد استشهاد السيد محمد باقر الصدر فكرت بالانتماء لحزب الدعوة. لقد كان حزب الدعوة في تلك الفترة قبلة الشباب الإسلامي الشيعي اللبناني)).

وحين قررت أجهزة الجمهورية الإسلامية الإيرانية احتضان الإسلاميين اللبنانيين الذي كانوا يتوافدون عليها منذ العام 1979 بهدف المبايعة والتنسيق وطلب الدعم؛ وكان كثير منهم من الدعاة؛ فإن هذا التنسيق انتهى في العام 1981 إلى قرار تأسيس حزب إسلامي جماهيري علني مقاوم يؤمن بولاية الفقيه ومصداقها فكراً وعملاً؛ أطلق عليه اسم ((حزب الله))؛ فكان تنظيم حزب الدعوة هو العمود الفقري لهذا الحزب الناشئ في العام 1982.

وقد بدأ حراك تشكيل حزب الله في لبنان في أواخر العام 1981 بمساعدة أجهزة الجمهورية الإسلامية الإيرانية ودعمها المباشر، وتطور بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان مباشرة في 4 حزيران/يونيو من العام 1982؛ إذ تشكلت هيئة تأسيسية لحزب الله من تسع شخصيات من قيادات وكوادر حزب الدعوة اللبناني، هم: الشيخ صبحي الطفيلي (الأمين العام الأول للحزب)، السيد عباس الموسوي (الأمين العام الثاني)، السيد حسن نصرالله (الأمين العام الحالي)، الشيخ محمد يزبك (عضو شورى الحزب حاليا)، السيد إبراهيم أمين السيد (رئيس المجلس السياسي للحزب حالياً)، الشيخ نعيم قاسم (نائب الأمين العام الحالي)، محمد رعد (رئيس كتلة حزب الله في مجلس النواب اللبناني)، الشيخ راغب حرب والشيخ زهير كنج. وقد عرفت بمجموعة التسعة. واجتمعت في 20 حزيران/يونيو من العام 1982؛ أي بعد الاجتياح الإسرائيلي بأسبوعين، ووضعت الهيئة التأسيسية الأفكار الأساسية للحراك الجديد؛ الذي يقف على خمس دعامات: المقاومة المسلحة ضد إسرائيل، مقاومة الجماعات المتعاونة مع إسرائيل والمهادِنة لها في لبنان، توحيد جهد الفصائل الإسلامية الشيعية اللبنانية، الارتباط المباشر بمنظومة ولاية الفقيه في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، والانفتاح أُفقياً على جميع شيعة لبنان؛ لتشكيل حاضنة اجتماعية شعبية شاملة تعرف بـ «أمة حزب الله».

وكان هذا الاجتماع بمثابة انفصال رسمي عن القيادة العامة لحزب الدعوة، وانحلال رسمي لحزب الدعوة اللبناني. واستمر هذا الحراك يعمل تحت عنوان المقاومة الإسلامية في لبنان حتى أيار/ مايو من العام 1984؛ حين تم إطلاق اعتماد تسمية ثابتة للحزب: «حزب الله: الثورة الإسلامية في لبنان»، ثم استبدلت كلمة «الثورة» بـ «المقاومة». وكان الراعي اللبناني الأهم لحزب الله هو السيد محمد حسين فضل الله؛ أحد القيادات التاريخية لحزب الدعوة الإسلامية؛ لأن القيادات والكوادر الدعوية التي أسست حزب الله كانوا فيما سبق مرتبطون فكرياً وحركياً وميدانياً بالسيد فضل الله؛ حتى ظل المراقبون الأجانب يتصورون – حتى أوائل تسعينات القرن الماضي – أن القائد الحقيقي أو الروحي لحزب الله هو السيد فضل الله.

وبالنتيجة؛ فقد كان معظم مؤسسي حزب الله قياديين في إقليم حزب الدعوة اللبناني، كما أن جميع الأمناء العامين الذين تعاقبوا على قيادة الحزب: الشيخ صبحي الطفيلي، السيد عباس الموسوي والسيد حسن نصر الله؛ كانوا من أعضاء حزب الدعوة الإسلامية؛ فضلاً عن رئيس شورى حزب الله الشيح محمد يزبك، ونائب الأمين العام الشيخ نعيم قاسم، والقائد العسكري لحزب الله عماد مغنية، ومعاونه السيد مصطفى بدر الدين، ورئيس المجلس السياسي السيد إبراهيم أمين السيد، ورئيس كتلة حزب الله في البرلمان محمد رعد، ومعظم وزراء الحزب الذين دخلوا الوزارات المتعاقبة، وكثير من أعضاء المجلس السياسي وأعضاء البرلمان، وكثير من القادة الأمنيين والعسكريين. بل إن الشيخ صبحي الطفيلي – أول أمين لحزب الله – كان عضواً في القيادة العامة لحزب الدعوة ومشرفاً على الخطوط العراقية لحزب الدعوة في سوريا، والمسؤول المباشر لنوري المالكي بعد هجرته إلى سوريا في نهايات العام 1979.

وبعيداً عن حزب الله؛ فإن كثيراً من قيادات حركة أمل اللبنانية (قبل تشكيل حزب الله) كانوا أعضاء في الدعوة. أما الشخصيتان الدينيتان والفكريتان الأبرز بعد السيد موسى الصدر؛ فكانا – قبل اعتزالهما التنظيم – من قيادات حزب الدعوة؛ وهما: رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ محمد مهدي شمس الدين والسيد محمد حسين فضل الله؛ بالرغم من أنهما متعارضان في مجمل المواقف داخل الساحة اللبنانية، وانتهت علاقتهما بالقطيعة الكاملة منذ أواخر الثمانينات. بل حتى الشخصيات المعارضة التي برزت ضد ما يعرف بـ (الثنائية الشيعية) التي حكمت الواقع الشيعي اللبناني، ويقصد بها ثنائية حركة امل وحزب الله الحاكمة؛ فقد كانوا أعضاء في الدعوة؛ كالشيخ صبحي الطفيلي والسيد علي الأمين وغيرهما.

وكان حزب الدعوة في لبنان قد أسس جناحاً عسكرياً تحت اسم «قوات الصف المجاهدة» في نهاية سبعينات القرن الماضي؛ لحماية شيعة لبنان، وكان من أبرز قادته عماد مغنية؛ الذي كان ينشط مع حركة فتح الفلسطينية في الوقت نفسه. وطلب ممثلون عن قيادة حزب الدعوة في لبنان وجناحه العسكري من القيادة العامة لحزب الدعوة في العام 1980 تمويل هذه القوات وتسليحها؛ ولكن القيادة لم تكن تمتلك المال ولا السلاح لكي تعطيهما لتنظيمها في لبنان؛ سوى خمسة آلاف دولار فقط؛ قالت القيادة إنها تستطيع تقديمها له؛ فكانت تلك من المسوغات الواقعية لتوجه قيادة حزب الدعوة اللبناني إلى الإيرانيين لطلب دعمهم ومساعدتهم؛ وصولاً إلى حل الحزب في لبنان؛ وتأسيس «حزب الله» بديلاً عنه.

وأبرز الجيل الأول من الدعاة اللبنانيين: السيد محمد حسين فضل الله والشيخ محمد مهدي شمس الدين ومحمد هادي السبيتي والشيخ مفيد الفقيه والشيخ حسن ملك والشيخ عبد المنعم المهنا والسيد علي الأمين ومهدي السبيتي وحسن شري والشيخ علي الكوراني والشيخ صبحي الطفيلي والشيخ حسين الكوراني والشيخ محمد يزبك والشيخ حسن عبد الساتر وغيرهم. وهم جيل الدعاة الرواد الذين انتموا إلى الحزب في الفترة من العام 1958 وحتى العام 1965. وهذا يعني أن حزب الدعوة دخل لبنان في وقت مبكر، ربما لا يتجاوز السنة الأولى من عمر الحزب.

أما الجيل الثاني فأبرز دعاته: السيد عباس الموسوي والشيخ نعيم قاسم ومحمد رعد وعماد مغنية ومحمود الخنسة ومحمد فنيش ومحمود قماطي وهاني قاسم وحسن حدرج وغيرهم. وهو الجيل الذي انتمى إلى الدعوة في نهايات عقد الستينات وإلى منتصف عقد السبعينات من القرن الماضي.

ويضم الجيل الثالث مئات الدعاة اللبنانيين؛ لعل الأبرز منهم: الشيخ محمد كوثراني والدكتور علي فياض والسيد حسن نصر الله والسيد مصطفى بدر الدين وغيرهم. وهو الجيل الذي التحق بالدعوة بعد العام 1979.

 

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment