حركة التاريخ وصناعة المستقبل

Last Updated: 2024/04/14By

حركة التاريخ وصناعة المستقبل

د. علي المؤمن

صناعة المستقبل هي صناعة الزمن القادم، وهذا الزمن هو جزء من التاريخ وحركته التي تشد الأبعاد الثلاثة للزمن ببعضها: الماضي والحاضر والمستقبل. فحركة التاريخ ممتدة عبر الأزمنة الثلاثة، وكل منها يؤثر بالآخر ويتفاعل معه ويتكئ عليه بصورة من الصور.

والتاريخ ـ مهما اختلفت الرؤى بشأنه ـ فهو كائن حي يؤثر ويتأثر، وحياته تشتمل على أجزائه الثلاثة. وإذا كان الماضي والحاضر هما جزءاه المنظوران المحسوسان من خلال النقل أو المعايشة، فإنّ المستقبل هو الجزء غير المرئي، ولكنه موجود وحيّ بكل المعايير.

والتقدير الإلهي هو الإطار الذي يستوعب في داخله كل حركة المستقبل بأدق تفاصيلها، وإن كانت مغيبة عن عين الإنسان، ولكنه يستطيع أن يتحسسها ويستشعر آثارها. ومن خلال هذا التحسس والاستشعار يتدخل الإنسان بإرادته للتأثير في حركة المستقبل، بالمقدار المتروك له من الحرية، والتي تتسع لكل قابليات الإنسان وقدراته، وتدور مدار التقدير والوعود والسنن الإلهية.

ومن هنا، فإنّ المستقبل يُصنع أيضاً ويُحرَّك، والإنسان محور هذه الحركة، كما هو محور كل حركة التاريخ، بيد أنّ الإنسان ليس الفاعل الأول والوحيد في حركة التاريخ، أي أنّه ليس العلة التامة فيها، فهناك عناصر أُخر ـ أرضية ـ تشترك في تحريك التاريخ وصناعته. وبما أنّ (المستقبلية الإسلامية) نظريةً ومشروعاً؛ معنية بموضوع صناعة المستقبل وبنائه، فإنّها معنية أيضاً بالإجابة عن التساؤل التالي: من يصنع التاريخ ويحركه؟ ومن يتحكم بالمستقبل ويبنيه؟

الحقيقة أنّ الاتجاه الذي تتبناه (المستقبلية الإسلامية) في هذا المجال، أو تسعى إلى بلورته، هو أحد المداخل النظرية للمستقبلية الإسلامية، إذ يضاف هذا المدخل إلى مبادئ النظرية ومنهجيتها وأُسسها؛ لتشكل بمجموعها المدخل النظري لها.

هناك العديد من المدارس الدينية والفكرية والفلسفية التي أجابت عن ذلك السؤال.. وفقاً لمبادئها وأُصولها النظرية وتجربتها التاريخية. ودخلت هذه الأجوبة ضمن حقول معرفية متنوعة، أبرزها: المسألة الحضارية وقضايا النهضة، وعلم الاجتماع، وعلم النفس الاجتماعي، وفلسفة التاريخ والسنن الإلهية، والفكر السياسي والدراسات المستقبلية. أي أنّ هذا الموضوع شغل ـ طويلاً ـ علماء الحضارة والاجتماع وفلاسفة التاريخ وعلماء الدين والمؤرخين والباحثين المستقبليين والمفكرين السياسيين، ولا يزال يشغلهم، وفي تطور آخر، اختلفت معايير تقسيم هذه المدارس، بالنظر لتشعبها وتداخلها، ولاختلاف زوايا النظر إليها.

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment