حدود الحرية المعارضة لثوابت الإسلام

Last Updated: 2024/04/14By

حدود الحرية المعارضة لثوابت الإسلام

د. علي المؤمن

لا تعني حرية التعبير عن الفكر والمعتقد؛ أن يمارس الإنسان حريته في الترويج والدعوة لفكره بالوسائل والأساليب التي يحلو له استخدامها، دون الأخذ بالاعتبار تأثيراتها في سلب حرية الأفراد الآخرين والمجتمع. ففي إطار الدعوة والتبشير؛ يمنح الإسلام الديانات التي يعترف بها؛ حرية الدعوة لفكرها الديني، لتركيز إيمان أتباعها، وتعريف أتباع الديانات الأخرى بأفكارها، وليس لكسب المسلمين لهذه الأديان، أي أن حرية التعبير الدينية لأتباع الديانات الأخرى مكفولة بالكامل في الرؤية الإسلامية، لطالما أنها لا تساهم في زعزعة الأمن العقدي والديني في مجتمع المسلمين، ولا تبشر بأفكارها في أوساط المسلمين بهدف كسبهم، وتحويلهم الى خصوم للإسلام.

أما الأفكار الدينية غير السماوية، وفق توصيفاتها الفقهية، وكذا الأفكار الوضعية الأخرى على اختلافها، فإن أساليبها وسلوكياتها في الدعوة تخضع للثوابت نفسها الخاصة بالديانات السماوية، إضافة إلى ثوابت سلوكية أخرى، أهمها: عدم الدعوة للإلحاد واللا دين، وعدم التسبب في ضرر نفسي وأمني ومادي للأفراد والمجتمع والنظام العام، أي أن حرية التعبير عن الأفكار والوسائل والسلوكيات مقيّدة بعدم إلحاق الضرر بالآخرين، وحياتهم وأمنهم المعيشي والاجتماعي والعقدي. وهذه القاعدة تعتمدها جميع النظريات والأفكار التي تدعو لحرية التعبير عن الفكر؛ فقد جاء في إحدى مواد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بأن «التمتع بالحريات لا يحده إلا الحدود التي يضعها القانون لتأمين حريات الآخرين والاعتراف بها، وبالتالي رعاية المقتضيات الأخلاقية الصحيحة، والنظام العام، والرفاه الاجتماعي الشامل».

وبالتالي؛ فإن حدود حرية التعبير تقف عند حدود انتهاك حريات الآخرين، فإذا قارب التعبير مستويات الاعتداء على حريات الآخرين؛ فإنه سيكون تجاوزاً وعدواناً، وليس حرية تعبير، وهو ما ينطبق على الحراكات العامة التي تنادي بالحقوق والحريات، لكنها في الوقت نفسه؛ تمارس انتهاكاً لحقوق الآخرين وحرياتهم، وتخريباً وعدواناً على الدين ومشاعر الآخرين وكرامتهم وأرواحهم وممتلكاتهم ووسائل عيشهم وأمنهم الأخلاقي والمجتمعي، أي أن المطالبة بالحقوق والحريات لا يمكن أن تكون ذريعة لضرب حريات الآخرين وحقوقهم؛ وهو ما ترفضه جميع الشرائع الأرضية والسماوية وتقف بوجهه وتردعه بكل الوسائل المشروعة، بما فيها أكثر النظريات والنظم تطرفاً في الدعوة لمنح الحريات والحقوق، ومنها الليبرالية، وقد وضعت لمنع ذلك قوانين ونظماً كابحة ورادعة قوية.

ولا يقتصر موضوع كوابح الحرية في الرؤية الإسلامية على المجالات الدينية والفكرية والأخلاقية والسياسية، بل تستوعب كل نواحي الحياة، ومنها ــ مثلاً ـــ الجانب الاقتصادي؛ إذ يضع التشريع الإسلامي حداً فاصلاً حاسماً بين حرية الكسب المالي والادخار والاستثمار، على قاعدة ((الناس مسلطون على أموالهم))، وبين الأمن المعيشي والصحي والأخلاقي والديني للناس، على قاعدة ((لا ضرر ولا ضرار)). أي أن التشريع الإسلامي يمنع التكسب الحرام والاحتكار واستثمار الأموال فيما يضر بدين الناس وأخلاقهم وصحتهم وحركة سيرهم، فضلاً عن هضم حقوق الأجراء والعمال. وهكذا الأمر بالنسبة للجانب الأخلاقي، وصولاً الى ما يأكله الناس ويلبسونه. وفي كل ذلك يضع التشريع الإسلامي مقاصد الدين العليا، وفي مقدمتها حفظ الدين والنظام والأرواح والأموال، كمعايير لحدود الحقوق والحريات.

وتدخل في هذا المجال؛ وسائل ردع من ينتهك حقوق الآخرين وحرياتهم، بذريعة المطالبة بالحقوق والحريات، ومنها «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» باليد واللسان، ففي هذا المجال يتدخل الفرد والمجتمع والدولة لردع الأفكار والسلوكيات التي تنتهك حقوق الآخرين وحرياتهم، بذريعة حرية الفكر وحرية السلوك، كون هذه الذريعة تعبير عن المنكر الذي يجب النهي عنه. وتربط الشريعة الإسلامية حركة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وغيرها من القواعد التي تقيد حرية الفكر الآخر، بموضوع المصلحة الإسلامية العليا أحياناً، وأمن المجتمع المسلم أحياناً أخرى؛ إذ أن تعيين الحكم الشرعي في مجال تنظيم عمل حرية الأفكار والسلوكيات؛ يعتمد – في جانب كبير منه – على طبيعة المصالح والمفاسد المترتبة على ذلك، وتدخل في ذلك مجموعة من القواعد الفقهية والأصولية.

وبناءً على ذلك؛ ستتقسم أحكام تقييد حرية الفكر الآخر في التعبير عن نفسه والترويج له، على النحو التالي:

  • سيكون تقييد حرية الفكر الآخر في التعبير والترويج؛ حرام بالعنوان الأوّلي، إذا لم يؤد إلى أية مفسدة، وكان في وجوده قوة للفكر الإسلامي.
  • سيكون تقييده جائزاً بأحد العنوانين الأولي والثانوي، بوجود مصلحة يحددها الحاكم الشرعي.
  • سيكون منعه واجباً بالعنوان الأولي، إذا أدّى إلى مفاسد أساسية، أبرزها:
  • تهديد النظام العام أو محاولة إسقاط الحكم الإسلامي.
  • حرف المجتمع الإسلامي فكرياً أو سلوكياً.
  • تركيز ظواهر الانحراف والضلال في المجتمع.

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment