حاكمية الشريعة في القانون الدستوري للجمهورية الإسلامية الإيرانية

Last Updated: 2024/04/13By

حاكمية الشريعة في القانون الدستوري للجمهورية الإسلامية الإيرانية

د. علي المؤمن

تتدخّل الشريعة الإسلامية في كل جوانب حركة النظام السياسي للجمهورية الإسلامية، وفي صياغة مضامينه وشكله ومؤسساته، وفي شروط من يمارس السلطة وصلاحياته. وتتجسد حاكمية الدين أو الشريعة الإسلامية في الجمهورية الإسلامية الإيرانية في إسلامية مضمون الدولة، ووجود الفقيه على رأس الدولة، وتشريعات الدولة:

  • مضمون الدولة: الإسلامية:

يتصف النظام السياسي بالإسلامية عبر التزامه بأحكام الشريعة الإسلامية وتطبيقها في الواقع بكل تفاصيله؛ سواء تمثلت بأحكام شرعية أو قوانين أو نظم وأداء وسلوكيات عامة وخاصة. وتتمثّل المنظومة القانونية في نظام الجمهورية الإسلامية في دستوره الإسلامي والأحكام الشرعية الولائية والقوانين والقرارات المطابقة لقواعد الشريعة الإسلامية، والتي تصدرها الأجهزة المختصة، وأبرزها مجلس الشورى الإسلامي (البرلمان).

وقد ذكر الإمام الخميني في محاضراته الفقهية المجموعة في كتاب «الحكومة الإسلامية»: إنّ قانونية الحكومة الإسلامية تعني ((التقيد بمجموعة الشروط والقواعد المبينة في القرآن الكريم والسنة الشريفة، والمتمثلة بوجوب تطبيق أحكام الإسلام وقوانينه… الحكومة الإسلامية هي حكومة القانون الإلهي))؛ ((فلا مجال للآراء والأهواء في حكومة الإسلام، وإنّما النبي والأئمة والناس؛ يتبعون إرادة الله وشريعته)).

ويختلف دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية عن دساتير الأنظمة السياسية في بلدان المسلمين الأُخر التي اكتفت بالنص على أنّ ((الإسلام دين الدولة))؛ فقد أكد دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية أنّ قواعد الشريعة الإسلامية هو المصدر الوحيد للدستور وللقوانين كافة. وحدد لهذا الغرض سياقات وآليات حازمة؛ تمنع صدور أيّ قانون وقرار ولائحة ونظام وحكم لا يتطابق وقواعد الشريعة الإسلامية. كما حدد آليات صارمة لتطبيق هذه القوانين وتحويلها إلى واقع قائم في جميع مجالات حركة الدولة والشعب.

  • رئيس الدولة: الولي الفقيه:

تحدد الشريعة الإسلامية لرئيس الدولة (الفقيه الحاكم) موقعه ومواصفاته وصلاحياته، وتتدخل إرادة المتخصصين من نواب الشعب في استنباط مواصفات هذا الموقع وصلاحياته من الأُصول الإسلامية؛ ثم تقنينه دستورياً؛ وصولاً إلى اكتشاف الشخص الذي تنطبق عليه المواصفات. ويشدد الإمام الخميني في محاضراته «الحكومة الإسلامية» على لزام أن يكون ((حاكم المسلمين عالماً بالقانون؛ كما ورد ذلك في الحديث، وكل من يشغل منصباً أو يقوم بوظيفة معينة؛ فأنّه يجب عليه أن يعلم في حدود اختصاصه وبمقدار حاجته، والحاكم أعلم من كل من عداه)).

ويقصد الإمام الخميني بالقانون هنا: قوانين الشريعة الإسلامية حصراً. ولذلك كان لزاماً على حاكم المسلمين أن يكون عالماً بالشريعة الإسلامية؛ أي مجتهداً فقيهاً؛ لأنّ أهم وظيفة لحاكم المسلمين هي تشخيص تطابق قوانين الدولة مع قواعد الشريعة الإسلامية، والإشراف على تطبيقها، وأن يكون معياراً في تحديد المصالح والمفاسد الشرعية. وعليه لا يستطيع من يقوم بهذه الوظيفة إلّا أن يكون عالِماً متبحراً في الشريعة الإسلامية؛ بكل علومها ومناهجها الشرعية والعقلية.

وبما أنّ الولي الفقيه الحاكم يعبر عن موقف الشريعة الإسلامية إزاء تشريعات الدولة؛ كان لزاماً على الدولة توحيد موقفها الشرعي مقابل تعدد اجتهادات الفقهاء، وتعارضها أحياناً؛ بالنظر لوجود أكثر من مرجع ديني وعشرات الفقهاء، على مستوى المذهب، ولذلك كان قرار الدولة يتمثل في اعتماد فتاوى وأحكام الولي الفقيه الحاكم؛ المبايَع من الشعب عبر البيعة المباشرة؛ كما هو الحال مع الإمام الخميني، أو عبر الانتخاب كما هو الحال مع آية الله الخامنئي.

وقد اعتمدت أجهزة الدولة في فترات الفراغ التقنيني؛ سواء في بداية تأسيس الجمهورية الإسلامية أو بعدها؛ كتابي «تحرير الوسيلة» باللغة العربية و«توضيح المسائل» باللغة الفارسية؛ اللذين يحتويان على فتاوى الإمام الخميني، ويسميان (الرسالة العملية) في العرف الحوزوي الشيعي؛ لسد الفراغ القانوني.

وكان (مجلس صيانة الدستور) قد أعلن في كتابه الصادر في 20 تشرين الثاني/ اكتوبر من العام 1982 أنّ أيّ تشريع تصدره الجهات المختصة؛ بمن فيها مجلس الشورى الإسلامي؛ يتعارض مع فتاوى الإمام الخميني المثبتة في كتابي «تحرير الوسيلة» و«توضيح المسائل» سيتم نقضه، وهو الأمر نفسه مع قرارات وأحكام السلطة القضائية، وعليها ـ في حالات الفراغ التقنيني ـ استحصال فتاوى مباشرة من الإمام الخميني.

  • التشريعات:

تستمد الدولة الإسلامية وسلطاتها شرعيتها الدينية من الأُصول الإسلامية وتفاصيلها الاجتهادية، وفق قواعد النظرية السياسية الإسلامية. وقد قنن دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية هذا المبدأ العقدي الفقهي، وحوّله إلى مواد دستورية؛ أكد فيها على أنّ جميع تشريعات الدولة يجب أن تستند إلى الشريعة الإسلامية بالكامل؛ بالشروط التي وضعها الدستور على سلطة التقنين (التشريع) وجميع سلطات الدولة.

وكان الإمام الخميني يقرن قانونية الدولة الإسلامية وسيادة القانون فيها بتمسكها بالشريعة الإسلامية وأحكامها.. تشريعاً وتطبيقاً؛ إذ يقول: ((إنّ القائمين بالأمر يتقيدون بمجموعة من الضوابط والقواعد المبيّنة في القرآن الكريم وسنة الرسول الأكرم(ص). وتتمثل هذه الضوابط والقواعد في مجموعة الأحكام والقوانين التي وضعها الإسلام والتي يجب مراعاتها وتطبيقها. ومن هنا كانت الحكومة الإسلامية حكومة القانون الإلهي على الشعب)). وأهم أداة قننها دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية لضمان تطابق تشريعات مجلس الشورى الإسلامي مع أحكام الشريعة الإسلامية وغاياتها، هو (مجلس صيانة الدستور)؛ كما مرَّ تفصيله في موضوع الرقابة الدستورية.

 

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment