حاجة النظام السعودي إلى المؤسسة الوهابية

Last Updated: 2024/04/13By

حاجة النظام السعودي إلى المؤسسة الوهابية

د. علي المؤمن

تحولت النظام السعودي الى محور مركزي طائفي ثاني الى جانب الدولة العثمانية، بوصفها المحور الأساس الأول، منذ تحالف محمد بن عبد الوهاب والأمير سعود، وهو يمثل الأُموية المعاصرة في جانبها الثيوقراطي، وقد بدأ حراكه الطائفي التكفيري المسلح ضد المسلمين السنة والشيعة في العام نفسه، ثم ضد الشيعة في العراق منذ العام 1800، ثم تفرد النظام السعودي الوهابي بمحورية المنظومة الطائفية منذ سقوط الدولة العثمانية وحتى حكم البعث. وبعد قيام حكم البعث أصبحا المحورين الطائفيين الأبرز. وبعد سقوط نظام البعث، برز الحكم التركي محوراً ثانياً. ولذلك؛ فإن الاستراتيجيا الطائفية السعودية بعد العام 2003، بات المعوق الداخلي أمام استقرار الواقع الإسلامي وأمن المسلمين وتقاربهم وتعايشهم ووحدتهم، ولا تقل أهمية تأثيره عن المعوق الخارجي المتمثل في المثلث الأمريكي ــ البريطاني ــ الإسرائيلي.

ويختلف المحور السعودي الوهابي عن المحورين العثماني والبعثي، في تلبسه الكامل بعقيدة ابن تيمية وفقهه، واستناده الى المؤسسة الدينية في اكتساب شرعيته، أي أن طائفيتها دينية سياسية تكفيرية ثابتة، لا علاقة لها بتغيير الملك والحكومة، بينما كانت الدولة العثمانية تستند الى العقيدة الأشعرية والفقه الحنفي، أي أنّ طائفيتها كانت دينية سياسية أيضاً، لكنها لم تكن تكفيرية، بل تستخدم التكفير وفق الحاجة، كما كان سلوكها الطائفي مختلفاً من سلطان لآخر ورئيس وزراء وآخر. أما النظام البعثي العراقي؛ فكان يعادي الدين عموماً، ولا علاقة لطائفيته بالمذهبية، بل كانت طائفيته سياسية ثابتة، وتمثل استمراراً مبالغاً به لطائفية الدولة العراقية.

وإذا كانت الطائفية الدينية السياسية التكفيرية للكيان السعودي الوهابي تستهدف، في تكفيرها وإقصائها، كل التيارات العقدية والفقهية الأخرى للمسلمين، بما فيها السنّية الأشعرية والمعتزلية والحنفية والمالكية والشافعية والظاهرية؛ فإن استهدافها للشيعة والتشيع هو استهداف مركب، لأن تكفير الوهابيين للسنّة أو اتهامهم بالانحراف والارتداد، يعود الى بعض المسائل العقدية والفقهية التي يختلف فيها ابن تيمية وغيره من متكلمي وفقهاء السلفية، عن الأشعرية والمعتزلة وفقهاء المذاهب السنية، كاختلاف رواة ومتكلمي وفقهاء العقيدة الأموية مع متكلمي وفقهاء السنة آنذاك (مدرسة الخلافة)،  أما تكفير الوهابية للشيعة فهو عميق، ويعود الى طعن الوهابية في أصل إسلام الشيعة، وكونهم كفار بالأساس، وحلفاء اليهود، وليسوا مسلمين أصحاب عقيدة منحرفة. ويمتد اتهام العقيدة التيمية الوهابية بالانحراف لأهل البيت أنفسهم، بمن فيهم الإمام علي، ويمكن الوقوف على ذلك بسهولة في آراء ابن تيمية من خلال كتابه “منهاج السنة”، الذي يعد الدستور العقدي للدولة السعودية. وإذا كان العقيدة التيمية تتهم الإمام علي وتبغضه؛ فكيف بأتباعه وشيعته!.

ويتعبّد الكيان الوهابي السعودي بعقيدة أحمد بن تيمية، سواء عن إيمان حقيقي بآرائه أو إرضاءً للمؤسسة الوهابية الدينية؛ فقد بنى محمد بن عبد الوهاب مذهبه الوهابي على العقيدة التكفيرية الإرهابية لابن تيمية بالكامل، وكان تحالفه مع الأمير سعود (مؤسس ما يسمى بالدولة السعودية الثانية) يقوم على اشتراط أن تكون العقيدة التيمية الوهابية هي العقيدة الرسمية للكيان السعودي، وأن يقوم هذا الكيان على سلطتين متكافئتين متخادمتين: السلطة السياسية، وهي من حصة آل سعود، أي ذرية الأمير سعود الذكور، والسلطة الدينية، وهي حصة آل الشيخ، أي ذرية الشيخ محمد بن عبد الوهاب، ولا يمكن لأية سلطة أن تحكم لوحدها أو تجمع بين السلطتين.

ولذلك؛ فإن إمكانية تخلي إحدى السلطتين عن الأخرى، أو إمكانية تخلص آل سعود من المؤسسة الدينية الوهابية التكفيرية؛ هو ضرب من الخيال، لأن المؤسسة الدينية الوهابية هي مرآة الحكم السعودي، وركيزته الأولى والأخيرة. صحيح أن الحكم السعودي يحاول التخفيف الظاهري من تدخل المؤسسة الدينية الوهابية في شؤون الدولة وفي ممارسة مطاوعتها لما يسمونه واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لكنه سيبقى محافظاً على وجود هذه المؤسسة وحضورها وفاعليتها بقوة؛ لأن القضاء على المؤسسة الوهابية سينهي شرعية حكم آل سعود، ويقضي على دعم مئات الآلاف من مشايخ الوهابية في داخل السعودية وفي كل أنحاء العالم؛ على اعتبار أن الفقه السياسي الوهابي هو الذي يمنح آل سعود شرعية حكم البلاد، وأن مشايخ الوهابية هم الذين يفتون بتكفير وقطع رأس كل من يعارض الحكم السعودي، وهم الذين يقنعون الجمهور الوهابي في داخل السعودية وخارجها بأن الملك السعودي هو خادم الحرمين وحامي الإسلام وسيف رسول الله وخليفته، وهم الذين يفتون للملايين من أتباع المذهب الوهابي بوجوب القبول بممارسات الحكم السعودي، وإطاعته شرعاً وحرمة الخروج عليه، حتى لو ارتكب هذا الحكم كل أنواع الموبقات والرذائل والجرائم، ومارس أبشع أنواع الاستبداد والقمع بحق الناس واستعبدهم، ونهب كل ثروات البلاد، وتحالف مع الشيطان.

أما سماح الحكم السعودي للسفور وفتح صالات القمار وغناء النساء والرقص وحانات الخمور وبلاجات السباحة المختلطة وبيوت الدعارة وغيرها، بعد العام 2021، وكذلك التطبيع مع إسرائيل والتحالف الأمني والسياسي والإعلامي معها؛ إنما هي تعديلات شكلية؛ لإرضاء أمريكا والغرب، وتلميع صورة التخلف الديني، والاستبداد الاجتماعي والدكتاتورية السياسية، وإلّا فإن غياب المؤسسة الدينية الوهابية التكفيرية وضعفها؛ سيفقد الحكم السعودي الركيزة التي تسوغ كل هذه الأفعال وتمنحه الشرعية الدينية، كما ذكرنا.

وليس هناك أدنى شك؛ أن المؤسسة الدينية الوهابية لاتزال وستبقى هي الحاكمة على المسارات الدينية للدولة السعودية، وستبقى مدارسها وجامعاتها ومناهجها ودروسها التعبوية قائمة بكل قوة، كما ستبقى عقيدة تكفير الشيعة، وتكفير من لا يقول بعدالة معاوية ويزيد، وتكفير من لا يتبع عقيدة ابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب، وفي المقدمة العداء لآل البيت وأتباعهم؛ سيبقى كله كما هو، ولم ولن يتغير أي شيء في هذا الجانب إطلاقاً.

وبالإمكان التأكد من هذه الحقائق بكل سهولة، وذلك بمجرد إلقاء نظرة على المناهج الدراسية الرسمية، ولا سيما التاريخ والتربية الإسلامية والتفسير والحديث والعقيدة، والاطلاع على مدونات فتاوى هيئة كبار العلماء (مؤسسة الإفتاء الوهابي الرسمية)، وعلى أسماء الشوارع والمدارس، وعلى الإعلام الديني، وخطب مشايخ الوهابية، والتبليغ الديني السعودي في أفريقيا وشبه القارة الهندية وشرق آسيا، وعلى واقع شيعة المملكة، وعلى مراقد أئمة آل البيت في البقيع؛ إذ أن الانفتاح السعودي الجديد؛ أحلّ إعمار صالات القمار والخمور والغناء والرقص وبيوت الدعارة والبلاجات المختلطة؛ لكنه يحرم إعمار مراقد آل بيت النبوة.

 

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment