جماعات المقاومة أحد عناصر قوة النظام الاجتماعي الديني الشيعي

Last Updated: 2024/04/13By

جماعات المقاومة أحد عناصر قوة النظام الاجتماعي الديني الشيعي

علي المؤمن

 

ظهرت الفصائل الإسلامية الشيعية الثورية المسلحة في التاريخ الحديث والمعاصر، بالتزامن مع موجات الاحتلال الغربي للبلدان الإسلامية، وانطلاق الحركات التحررية المضادة له، وكانت بداياتها في الهند خلال القرن التاسع عشر الميلادي ضد الاحتلال البريطاني، ثم في إيران ضد النفوذ البريطاني والروسي وضد الاستبداد الشاهنشاهي في مطلع القرن العشـرين الميلادي، وكان الفصيلان الأبرز «نهضة الغابات» بقيادة الشيخ ميرزا كوجك خان في شمال إيران، وحركة رئيس علي دلواري في جنوب إيران، فضلاً عن الجماعات المسلحة التي ظهرت خلال ثورة المشروطة وما بعدها([1]).

وفي الفترة ذاتها كانت هناك حركات مسلحة تستهدف الاحتلال التركي العثماني في العراق، ثم الاحتلال البريطاني، وأهمها الفصيل الذي قاده السيد محمد سعيد الحبوبي في العام 1914، وأعقبه تأسيس حزب النجف السـري، والجمعية الإسلامية في كربلاء، وحركة النهضة الإسلامية في النجف، التي مهدت لثورة النجف ثم ثورة العشرين الجماهيرية المسلحة. وكانت عشائر العراق الشيعية ـ هي الأُخرى ـ عبارة عن فصائل مسلحة تأتمر بفتاوى المرجعية الدينية وتوجيهاتها في التحرك الثوري المسلح ضد الاحتلال التركي ثم البريطاني([2]).

كما ظهرت في العقود الثلاثة الأُولى من القرن الماضي فصائل شيعية مسلحة ضد الاحتلال الروسي ثم السوفيتي في آذربيجان وبعض مناطق القوقاز. وكذلك ضد الاحتلال الفرنسي في لبنان وسورية في أربعينات القرن العشرين.

وشهد عقد الخمسينات والستينات من القرن العشـرين ظهور عدد من الجماعات الشيعية المسلحة في كشمير ضد الاحتلال الهندي، وكذا في إيران ضد الاستبداد الشاهنشاهي، وكان أهمها «منظمة فدائيان إسلام»، والجناح العسكري في «حزب ملل إسلامي». وأعقبها بعد عقدين تقريباً ظهور «أفواج المقاومة اللبنانية» (أمل) في العام 1975. وكان خلالها حزب الدعوة الإسلامية يعمل على إنشاء وتنمية أجنحته العسكرية في لبنان والعراق. ثم ظهرت مجموعات مسلحة كثيرة في إيران بالتزامن مع اندلاع الثورة الإسلامية، كان أهمها المجموعات السبع التي توحدت فيما بعد تحت اسم «منظمة مجاهدي الثورة الإسلامية».

وشهدت مرحلة ما بعد العام 1979 منعطفاً تاريخياً في مسار العمل الإسلامي الشيعي المسلح، بالتزامن مع سبعة أحداث كبيرة، هي:

  • تأسيس الجمهورية الإسلامية في إيران وإجراءات حمايتها.
  • القمع الشديد الذي تصاعد ضد الحالة الدينية في العراق من قبل النظام البعثي.
  • الاجتياح العسكري السوفيتي لأفغانستان.
  • الحرب العراقية الإيرانية.
  • الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان وصولاً إلى اجتياحه.
  • نشاط الجماعات الوهابية التكفيرية ضد شيعة باكستان والهند.
  • الحراك الجماهيري والمسلح الجديد ضد الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين.

هذه الانعطافات السبع عجّلت في ظهور المزيد من الفصائل المسلحة التي تهدف إلى الدفاع عن بلدان الحضور الشيعي وحماية شيعة هذه البلدان من حملات القمع والاجتثاث. وكان أبرز هذه الفصائل التي ظهرت في هذه الفترة: «حرس الثورة الإسلامية» في إيران في العام 1979، وعدد من الفصائل العراقية في العام نفسه، أهمها: «قوات الشهيد الصدر» التابعة لحزب الدعوة والجناح العسكري لمنظمة العمل الإسلامي، و«حركة المجاهدين العراقيين»، ثم «قوات بدر» في العام 1985.

كما تأسس عدد من المنظمات المسلحة في أفغانستان في العام 1980، أبرزها: «منظمة نصر» و«حراس الجهاد الإسلامي» والجناحان العسكريان للحركة الإسلامية (آصف محسني) وحزب الدعوة، ثم توحدت جميعها في الجناح العسكري لحزب الوحدة الإسلامية في العام 1989.

وكذلك لعبت «قوات الإمام علي» في باكستان في ثمانينات القرن الميلادي الماضي دوراً في حماية الشيعة من الهجمات الإرهابية المتكررة للجماعات الوهابية المسلحة.

وفي لبنان، تأسست «قوات الصف» التابعة لحزب الدعوة في لبنان في العام 1976 والجناح العسكري لحزب الله في لبنان في العام 1982، وقد حلّت «قوات الصف» نفسها بعد حل تنظيم حزب الدعوة اللبناني نفسه، واندمجت في الجناح العسكري لحزب الله، وبات هذا الجناح مع الجناح العسكري لحركة أمل القوتان العسكريتان الإيديولوجيتان الشيعيتان الوحيدتان في لبنان.

كما ظهرت في فلسطين «حركة الجهاد الإسلامي»، وهي تنظيم إيديولوجي مسلح يضم خليطاً مذهبياً سنياً شيعياً، وقد أسسها الدكتور فتحي الشقاقي في العام 1981.

وفي آذربيجان أيضاً، ظهرت فصائل شيعية مسلحة حاربت إلى جانب الجيش الآذربيجاني في العام 1992 لانتزاع المناطق الآذربيجانية المحتلة من أرمينيا، أبرزها الجناح العسكري للحزب الإسلامي.

وشهدت الموجة الثالثة التي تزامنت مع الاحتلال الأمريكي للعراق وسقوط النظام البعثي في العام 2003، وتصاعد حدة استهداف الشيعة في العراق من الجماعات الوهابية التكفيرية، وخاصة تنظيم القاعدة وتنظيم داعش، ثم الحرب الداخلية والإقليمية ضد النظام السوري؛ ظهور عدد كبير من الفصائل الشيعية المسلحة، أهمها في العراق: «جيش المهدي» و«سرايا السلام» التابعين للتيار الصدري و«عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«حركة النجباء» و«سرايا عاشوراء» و«كتائب جند الإمام» و«فرقة العباس» و«فرقة الإمام علي»، والتي توحّد أغلبها في هيئة الحشد الشعبي، وهي هيئة حكومية رسمية، لعبت دوراً رئيساً في مواجهة تنظيم داعش الوهابي، وتحرير الأراضي العراقية التي احتلها بعد العام 2013.

أمّا في اليمن، فقد نهض الشيعة الزيدية والاثنا عشـرية منذ العام 2004 بعمل جماهيري مسلح كبير، دفاعاً عن وجودهم واسترجاعاً لحقوقهم، وقد حمل هذه العمل اسم «حركة الشباب المؤمن» ثم «حركة أنصار الله» فيما بعد، وتمکّن جيش الحركة بعد العام 2014 من القيام بثورة أطاحت بالنظام والسيطرة على العاصمة وإقامة نظام تشاركي جديد.

وفي سورية، تأسست ـ خلال الحرب الداخلية والإقليمية ضد نظامها في العام 2011 ـ «قوات الدفاع الوطني» السورية، وهي قوات رسمية وطنية مكونة من الشيعة السوريين فقط. وقاتلت إلى جانبها قوات «زينبيون» الباكستانية وقوات «فاطميون» الأفغانستانية، فضلاً عن بعض الفصائل العراقية واللبنانية، وقد حققت ـ إلى جانب بعضها ـ انجازات عسكرية كبيرة على الأرض ضد الجماعات الطائفية والتكفيرية، وكانت أحد أهم الأسباب التي حالت دون سقوط العاصمة دمشق بيدها.

كما ظهرت في فلسطين «حركة الصابرين» بوصفها فصيلاً شيعياً إيديولوجياً مقاوماً في العام 2014 بعد انشقاقها من حركة الجهاد الإسلامي، وبات لها وجود ثقافي وعسكري ملحوظ.

ويمكن القول: إنّ أهم خمس قوات مسلحة منتمية إلى الواقع الإسلامي الشيعي في الحال الحاضر، هي:

1 ـ «قوات حرس الثورة الإسلامية» في إيران، وهي قوات مسلحة حكومية رسمية، يصل عديدها إلى حوالي (550) ألف عسكري، إضافة إلى قوات المتطوعين (البسيج) البالغ عددهم (15) مليون شخص. وتشكل «قوات القدس» المعنية بالشأن الخارجي جزءاً أساسياً من تشكيلات قوات حرس الثورة.

2 ـ قوات «الحشد الشعبي» في العراق، وهو جزء رسمي من القوات المسلحة العراقية، ويبلغ عديدها الرسمي حوالي (130) ألف عسكري، إضافة إلى قوات الاحتياط والمتطوعين الذين يقارب عددهم (500) ألف شخص. ورغم وجود فصائل سنية ومسيحية عاملة في إطار الحشد الشعبي؛ إلّا أنّ البنية العقدية للحشد وكتلته البشرية الأساسية تنتميان إلى الاجتماع الديني الشيعي.

3 ـ «قوات الدفاع الوطني» في سورية، وتتكون من متطوعين شيعة سوريين، يقارب عددهم (25) ألف عسكري، وتعمل بشكل رسمي إلى جانب القوات المسلحة الحكومية.

4 ـ الجناح العسكري لحزب الله في لبنان، وهو حزب مشارك في الحكومة، ويبلغ عدد قواته حوالي (30) ألف مسلح، إضافة إلى (50) ألف احتياط.

5 ـ الجناح العسكري لحزب الوحدة في أفغانستان، وهو حزب مشارك في الحكومة، ويبلغ عدد قواته الرسمية والاحتياط حوالي (50) ألف مسلح.

6 ـ القوات المسلحة لأنصار الله في اليمن، وهي خليط مذهبي شيعي (زيدي ـ اثنا عشري)، يقدر عدده (400) ألف مسلح.

وتحظى أغلب الفصائل التي ظهرت خلال الموجتين الثانية والثالثة، بدعم «فيلق القدس» الذي كان يقوده الجنرال الإيراني قاسم سليماني، قبل اغتياله على يد القوات الأمريكية في مطلع العام 2020، وهي قوات تابعة لحرس الثورة الإسلامية في إيران.

ويظهر من خلال دوافع تأسيس الفصائل المسلحة الإسلامية الشيعية المذكورة، ومسارات حراكها وأدائها؛ أنّها حركات دفاعية تقاوم محتلاً خارجياً أو مستبداً قمعياً داخلياً، وليست جماعات طائفية مهاجمة، تحمل السلاح لتصفية حسابات داخلية أو لحسم خصومات سياسية. وبما أنّ سلاح هذه الفصائل يلعب دوراً أساسياً في حماية بلدان الحضور الشيعي والمجتمعات الشيعية، من التهديدات المتواصلة للخصوم، سواء كانوا دول احتلال أو أنظمة قمعية أو جماعات سياسية طائفية، ويحافظ على منجزات الشيعة السياسية التاريخية التي حققوها خلال العقود الأربعة الأخيرة؛ فإنّ الدعوات من هؤلاء الخصوم ظلت تتصاعد باطراد، لضرب هذه الفصائل وحلها ونزع سلاحها، تحت مختلف الذرائع، وفي مقدمتها الإرهاب، من أجل القضاء على أحد أهم عناصر قوة الردع والدفاع عن النظام الاجتماعي الديني الشيعي وحماية قواعده البشرية، وإعادة الشيعة إلى عصور الاجتثاث والقمع والتشريد والمقابر الجماعية. والحال، أنّ هذه الفصائل وحواضنها الاجتماعية هي خط المواجهة الأول ضد مصادر الإرهاب، سواء المتمثل بإرهاب الاحتلال والاستكبار أو إرهاب الدولة أو إرهاب الجماعات العنصرية والتكفيرية.

 

([1]) د. جلال الدين مدني، «تاريخ إيران السياسي المعاصر»، ج1، ص183 ـ 223. ود. آمل السبكي، «تاريخ إيران بين ثورتين»، ص58 ـ 76.

([2]) علي المؤمن، «سنوات الجمر»، ص15 ـ 28.

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment