جذور أزمات العراقية ومظاهرها

Last Updated: 2024/04/13By

جذور أزمات العراقية ومظاهرها

د. علي المؤمن

الأسباب الحقيقية المتعاضدة لأزمات العراق ومشاكله المستعصية؛ تعود الى ثلاث مجموعات من الأسباب:

    1-الأسباب البنيوية:

وتتمثل بأربعة أسباب رئيسة، وأخرى من الأسباب الثانوية:

  • التركيبة الجغرافية الاعتباطية الخاطئة للعراق، على أساس معاهدة سايكس ـــ بيكو بين بريطانيا وفرنسا، وفي مقدمة أخطاء التركيبة أنها قامت على أساس توحيد ثلاث ولايات عثمانية، بكل تفاصيلها ومكوناتها ومشاكلها، هي بغداد والموصل والبصرة.
  • إرث المشروع البريطاني، المتمثل بتأسيس الدولة العراقية الجديدة بعد العام 1921، بوصفها دولةً ملكية، تحكمها أسرة سنية غير عراقية، مرتبطة بالمشروع البريطاني في المنطقة، وكذلك حكومات مرتهنة للمشروع البريطاني، ومنظومة ايديولوجية طائفية عنصرية، تقوم على أساس إمساك النخبة التي تنتمي الى 16% من سكان العراق (السنة العرب) بسلطات الدولة وعقيدتها وثقافتها ورمزياتها.
  • الايديولوجية الطائفية العنصرية للدولة العراقية، وهي ايديولوجيا مترسخة موروثة في مفاصلها، وفي نظامها الطائفي الحاكم منذ مئات السنين، والذي أورثه العثمانيون الى دولة العهد الملكي، ومنها الى الدولة الجمهورية، وصولاً الى دولة البعث، وقد بقيت راسخة في أغلب مفاصل الدولة العراقية، حتى بعد سقوط دولة البعث.
  • فقدان الدولة العراقية للناظم الجامع (المذهبي القومي) الذي يوحد هوية العراق الوطنية المتمثلة بالهوية المذهبية القومية للأغلبية السكانية (شيعة/ عرب)؛ فشعارات الوطن الواحد والدين الواحد لايكفيان ناظماً، لأن ناظم (الوطنية) لوحده، هو ناظم فضفاض ينظر اليه كل مكون بطريقته وتعريفه في داخله وليس في تصريحاته، وهذا الناظم هو عبارة عن الهوية المذهبية القومية للعراق، أسوة بكل دول العالم المتحضرة.

وبكلمة أخرى؛ فإنّ أزمات العراق المعاصرة لصيقة بتكوينه بعد معاهدة سايكس ـــ بيكو، التي أورثت العراق كل موبقات السلطنة العثمانية، ثم قيام الدولة العراقية في العام 1921 وما ترشح عنها من مركب سلطة طائفية عنصرية، تحمل الإرث العثماني في مضمونها، ولون الاحتلال والاستعمار في شكلها، ويحكمها ملوك مستوردون من الخارج، وبإفرازات ما عرف بأفكار الثورة العربية، ثم ظهور أفكار الجماعات العنصرية؛ وأبرزها حزب البعث.

    2- موروث نظام البعث:

وهو موروث تدميري للعراق، على كل المستويات: السياسية والقانونية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمعيشية والنفسية، وصولاً الى البنى التحتية المدمّرة التي ورثها العراق الجديد بعد العام 2003. وقد كانت أزمات العراق قد تبلورت بأبشع صورها؛ بتأسيس نظام حزب البعث العراقي في العام 1968، واستدعائه لكل مفاسد الموروث الطائفي العنصري؛ فنتج عن كل ذلك ثقافة مجتمعية مأزومة، وثقافة سلطوية قمعية، ونظم سياسية وقانونية مولِّدة للأزمات، ومراكمة لها، ومفككة لبنية المجتمع، ومدمرة لوحدة الدولة، ومثيرة للحروب والصراعات الداخلية بين مكونات الشعب العراقي.

وكان نظام البعث بارعاً في قمع أعراض هذه الثقافات المأزومة والمناخات النفسية المعقدة التي أنتجها الموروث التاريخي العراقي وأنتجها فكره وممارساته، ويغطي على بؤر النيران والأزمات، بكل أنواع القسوة والطغيان والجبروت؛ فكان يقضي على أعراضها بعلاجات تفاقم الأمراض وتجذّرها، لأنه كان يعتاش على هذه الأمراض ويتغذى بها، بل هي سبب استمراره في السلطة. وبذلك بقيت تلك الثقافات والأمراض المزمنة والصراعات المتجذرة ناراً تحت الرماد؛ حتى سقطت سلطة القمع في العام 2003؛ لتنطلق هذه الثقافات والصراعات بقوة إلى العلن.

    3- إفرازات نظام العراق الجديد:

وهي إفرازات خطيرة لنظام مابعد العام 2003، لكن أغلبها يمثل امتداداً لأزمات بنيوية أو مظهراً جديداً لمشكلة قديمة، وأهمها ما يلي:

  • تفاعل الأزمات الموروثة؛ فبعد انهيار دولة البعث في العام 2003؛ بفعل مشروع الاحتلال الذي كان معنياً بمصالحه فقط، وليس معنياً بحل أزمات العراق؛ فإن تلك الثقافات والأزمات النفسية وتبعات الموروثات التاريخية والبيئة النفسية الحاضنة لكل أنواع الأزمات؛ تحررت فجاة، وانطلقت بقوة تدميرية هائلة؛ لتملأ الواقع العراقي بالتناقضات والتعارضات والصراعات، حتى أصبح الشغل الشاغل للحكومات المتوالية؛ حل التناقضات بين الفرقاء السياسيين، وتفكيك العقد بين مكونات الشعب العراقي، ومقاربة إشكاليات النظام السياسي، وتنظيم صلاحيات الحكومة المركزية وحكومات الإقليم والمحافظات، فضلاً عن المهمة اليومية الروتينية المتمثلة بمكافحة الإرهاب وأسبابه المتراكمة. وجميعها مشاغل متشعبة جدلية؛ تجد جذورها بالكامل في ممارسات الأنظمة العراقية السابقة وأعرافها وأفكارها وسلوكياتها، وترافقها أزمات متفجرة أخرى تتعلق بالخدمات والبنية التحتية، وهي أزمات موروثة أيضاً؛ لأن نظام البعث ظل طيلة 35 عاماً يقوم بحلول ترقيعية لهذه الأزمات؛ للحيلولة دون ظهورها إلى العلن.
  • مشروع الاحتلال الأمريكي، واستمراره في الفاعلية، على مستوى النفوذ السياسي الكبير، والتواجد العسكري، والعمل الأمني، والنشاط الثقافي والإعلامي والاجتماعي التخريبي.
  • التدخل السافر للدول الاخرى في الشأن الداخلي العراقي، عبر الإعلام والنفوذ السياسي والأموال ودعم الجماعات الإرهابية، وبما يمس أمن العراق واستقراره.
  • النظام السياسي الديمقراطي الليبرالي التوازني المنفلت، بعد عقود من الدكتاتورية والانغلاق التام والمركزية الشديدة وحكم الحزب الواحد والطائفة الواحدة والرجل الواحد والثقافة الشمولية الواحدة، وانعكاسات هذه المفارقة سياسياً وقانونياً واجتماعياً ونفسياً على الدولة والمجتمع والفرد.
  • كثرة الأحزاب الشيعية المتساوية في القوة والشعبية، وضعف الخبرة التراكمية للشيعة في الحكم، وعدم امتلاك أحزابهم السياسية والمؤسسة الدينية والمؤسسات الاجتماعية (عشائر وغيرها) مشروعاً متكاملاً متفق عليه لإعادة بناء العراق، وتأسيس الدولة العراقية الجديدة.
  • السلوك السياسي لأحزاب المكونين السني والكردي، والذي يعيق غالباً عملية الاستقرار والنماء.
  • ظواهر الفساد الإداري والمالي والفشل التنموي، في أغلب مؤسسات الدولة، بسبب مساربها التي تنتجها التركيبة المحاصصاتية للمسؤوليات في الدولة، وسياقات الترضية والصفقات السياسية، وضعف المركزية والرقابة.
  • الضرب المستدام للاستقرار الأمني والسياسي والاجتماعي، عبر التفجيرات والاغتيالات والتخريب والعمل المسلح للجماعات الإرهابية التكفيرية والطائفية وبقايا النظام البعثي.

 

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment