ثوابت المرجعية الدينية الشيعية

Last Updated: 2024/04/13By

ثوابت المرجعية الدينية الشيعية

د. علي المؤمن

المرجعية الدينية في مدرسة أهل البيت، تمثل امتداداً موضوعياً للإمامة في عصر غيبة المعصوم، وما يترتب على ذلك من مسؤوليات وحقوق وواجبات علمية ودينية واجتماعية ومالية تقع على عاتق المرجع الديني. وعلى أساسها تكون للمرجع الديني بصفته النوعية، ولاية حصـرية على جملة من شؤون المجتمع الشيعي، كالولاية على إصدار الفتاوى والأحكام الشـرعية، والولاية على الحقوق والأموال الشرعية، جباية وتوزيعاً، كالخمس والزكاة والصدقات ومال مجهول المالك وغيرها، والولاية على القضاء والتحكيم بين أفراد المجتمع، والولاية على الأُمور الحسبية والنظام الاجتماعي العام. ويتوسع بعض الفقهاء في إعطاء مساحة أوسع للفقيه؛ لتشمل الولاية على الحكم والدولة. ومردّ الخلاف بين الفقهاء بشأن ولاية الفقيه هي هذه المساحة فقط.

وبالتالي؛ فإنّ المرجعية الدينية وولاية الفقيه مصطلحان مرادفان؛ فكل مرجع هو ولي فقيه أيضاً، بناء على إجماع الفقهاء، ولكن هناك ولي فقيه ذو مساحة مقيدة تقتصر على الفتوى والأموال والقضاء والحسبة، ولا تشمل الحكم، وهناك ولي فقيه ذو مساحة عامة تشمل ولاية الحكم أيضاً. وهذه الشمولية لا يختارها الفقيه بناء على رغبته الشخصية أو رؤيته السياسية؛ بل هي قضية علمية فقهية، يتوصل إليها الفقيه عبر الاستدلال والاستنباط العلمي الفقهي. وخلال هذا الجهد العلمي قد يتوصل الفقيه إلى شمول ولاية الفقيه على الحكم أو لا يتوصل. وحينها يحدد موقفه الواقعي حول نوعية تصدّيه للشأن العام؛ أي بناء على قناعته العلمية الفقهية.

وبصرف النظر عن القول بالعموم والخصوص؛ فإنّ المرجعية الدينية الشيعية ظلت ما يقرب من (1200) عام، أي منذ غيبة الإمام محمد بن الحسن المهدي المنتظر، تقف على رأس النظام الاجتماعي الديني الشيعي، وهي التي أوجدت هيكلية هذا النظام بالتدريج وبلورته، وحفظت من خلاله الشيعة من الضربات المتوالية والانهيار. وتشكل الحوزة العلمية الشيعية ـ منذ تأسست ـ مركز هذا النظام؛ فهي ليست جامعة لتدريس العلوم الإسلامية وتخريج علماء الدين وحسب؛ بل هي مركز النظام الاجتماعي الديني الشيعي. ولذلك يقف المرجع الأعلى على رأس الحوزة العلمية والنظام الاجتماعي الديني الشيعي، ويقودهما على كل الصعد.

إنّ النظرة إلى المرجعية الدينية تتجاوز القناعات الفكرية والاجتماعية والسياسية، لتندك بالواقع ومتطلباته. وأهم قواعد هذا الواقع:

1ـ إنّ المرجعية الدينية العليا ليست مرجعية علمية فقهية وحسب؛ بل هي منظومة دينية اجتماعية، تقف على رأس النظام الاجتماعي الديني للطائفة الشيعية الإمامية في العالم. ولهذه المنظومة معادلات ثابتة وسياقات عمل ونظم فرعية وتقاليد، أهمها الموضوع العلمي الديني المرتبط بالفتوى، والموضوع الاجتماعي الديني المرتبط بإدارة الشأن العام الشيعي وحفظ النظام العام. ويترشح عن هذه القاعدة ثلاث قواعد فرعية:

  • إنّ المرجعية وحوزتها العلمية هما الوجود الأصيل والثابت والجوهري الوحيد في النظام الاجتماعي الديني الشيعي منذ بداية عصـر الغيبة وحتى الآن.
  • إنّ الوجودات والكيانات الشيعية الأُخر، سواء كانت سياسية أو علمية أو اجتماعية أو علاقاتية، مهما بلغ شأنها، هي وجودات عارضة متغيرة، ولا يمكن أن تتساوي مع المرجعية الدينية في مساحة القيادة والصلاحيات الدينية والاجتماعية والمعنوية.
  • إنّ الإطار الذي ينبغي أن يضم جميع الكيانات الشيعية الفرعية العرضية، هو إطار النظام الاجتماعي الديني الشيعي الذي تقوده المرجعية العليا. وفي داخل هذا الإطار تكون علاقة الكيانات الشيعية بالمرجعية الدينية هي علاقة المتغير بالثابت، والفرع بالأصل، والتابع بالمتبوع.

2ـ إنّ منظومة المرجعية الدينية بطبيعتها هي منظومة تقليدية في بناها وأساليب عملها وحركتها. أمّا المحاولات الإصلاحية في الحوزة فلم تلامس ثوابت هذه المنظومة يوماً، ولن تستطيع ملامستها؛ بل تلامس التفاصيل والمتغيرات. وما حركات المراجع المصلحين المعاصرين في الحوزتين النجفية والقمية وغيرهما؛ إلّا موجات وتيارات تأتي وتؤسس، ثم يبقى منها ما يتوافق مع ثوابت المنظومة المرجعية التقليدية. وهو ما ينطبق على المشاريع الإصلاحية التأسيسية المعاصرة في حوزة النجف في عهد مرجعية السيد محسن الحكيم، وكذا ما أنجزه الشيخ محمد رضا المظفر، والسيد محمد باقر الصدر.

وحتى منظومة ولاية الفقيه؛ بالرغم من قوتها المعنوية والمادية، وكونها أكبر مرجعية دينية في إيران؛ فإنّ تدخلها في منظومة الحوزة ظل مقتصـراً على التوجيه ومأسسة النظم الفرعية العامة، ولم تتدخل في الثوابت التقليدية لمنظومة المرجعية ونظمها الخاصة؛ فبقيت المنظومة تقليديةً في ثوابتها، ومنظمةً ومؤسَسِية في متغيراتها، ومستقلةً في شأنها الإداري والمالي.

3ـ إنّ المرجعية تمثل دائماً الأبوّة لكل الوجودات الثقافية والسياسية والاجتماعية الشيعية، وإن كان بعضها ناقداً للمرجعية أو متمرداً على جزء من ثوابتها ومتغيراتها، أو كانت المرجعية لا تتوافق منهجياً مع هذه الوجودات المتغيرة العارضة. وبالتالي؛ فإنّ المرجعية العليا هي (أم الولَد) التي تستوعب أبناءها وتحتضنهم وتخشى عليهم الضرر، وتعمل على الحؤول دون انكفائهم خارج النظام الاجتماعي الديني الشيعي، حتى وإن أخطأوا بحقها أو بحق الواقع الشيعي.

 

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment