توظيف العناصر الفنية في الأدب الإسلامي

Last Updated: 2024/04/13By

توظيف العناصر الفنية في الأدب الإسلامي

د. علي المؤمن

يرتبط الأدب بمشاعر الإنسان ووجدانه وكوامنه النفسية، ومن الصعب إخضاعه للعلم والمنطق ولمناهجهما وتفاسيرهما وضوابطهما، ولكن في الوقت نفسه، يخضع الأدب لرادع أحكام الشريعة وضابطها، دون أن يتقاطع ذلك مع كون الأدب مرتبطاً بمشاعر الإنسان ولحظاته الإبداعية؛ فعقائدية الأدب الإسلامي لا تلغي اهتماماته بالعناصر الفنية، فهي مهمة جداً في الأدب عموماً ولكن الأهم منها المضمون والهدف. فالتخيّل والتغزّل والتشبيب والخمريات، كعناصر فنية مستخدمة في المدارس الأدبية الوضعية، لا يمكن للأديب الإسلامي أن يطلق العنان لقريحته في استخدامها، بل يوَظفها لخدمة أدبه، في الحدود والضرورات التي تمليها نظرية الأدب الإسلامي، ومن ذلك التوقف عند تصوير مشاهد الحب مع الجنس الآخر – مثلاً – وتصوير المرأة ومفاتنها والعلاقة بها، أو تصوير النشوة وحالة السكر وغيرها.

وقد يعتقد بعضهم أن من غير الممكن صنع الصورة الأدبية العذبة دون المبالغة في استخدام عناصر فنية كالخيال والعاطفة وغيرهما، والتي قد تصل إلى أنواع من الكذب والتهمة والقذف والنفاق والمجون، وكل ما يؤدي إلى الإثارة العاطفية المحرّمة، ولكن نظرية الأدب الإسلامي لا تسمح بما يؤدي إلى الاصطدام بالشريعة فيما هو غير مشروع من الصور؛ لأن الأدب – كما تقدم – غير مستقلّ عن العقيدة والشريعة كما سبق. وعلى العكس من تلك المضامين والصور غير المشروعة التي تسمح المدارس الأدبية الأخرى بصنعها، والتي تفسد الذهن والنفس والروح؛ فإن الأدب الإسلامي يهدف إلى إصلاحها وتهذيبها، وإلى المساهمة في توجيه الحياة الوجهة الصحيحة، وبنائها على الأسس الإنسانية والشرعية، في حين أن الحياة – كما هي – هي التي توجِّه المدارس الأخرى وتبنيها.

والأدب – كغيره من ألوان الإبداع – تكمن قيمته في تحقيق هدف وجود الإنسان على الأرض، وهي الغاية النهائية للأدب الإسلامي؛ فهو إبداع لهدف وليس إبداعاً للإبداع؛ لأنه يحمل الرسالة إلى كل بني الإنسان. وقيمة الأدب في الإسلام في هدفه وتأثيره، وليس في مقدار الإبداع الذي يحتويه، وتُقاس قيمته بمعيار التأثير، وليس بمعيار الإبداع المجرّد؛ فبهذا التجريد يفقد الأدب قيمته الحقيقية، ولا يبقى سوى عبارات خاوية أو خطوط صماء. وكما يعطي الإسلام قيمة لحياة الإنسان؛ فإنه يعطي الأدب قيمة أيضاً.

ويمكن بسهولة استنباط الموقف الإسلامي الأصيل حيال الأدب، من خلال تعامل أهل البيت(ع) معه، ومنه – مثلاً – الشعر المنسوب للإمام علي ولأهل البيت(ع) وعموم خطبهم وكلماتهم المجموعة في نهج البلاغة والصحيفة السجادية وغيرهما؛ إذ إنهم تعاملوا مع الأدب كوسيلة تبليغية، لخدمة الأهداف العقائدية، فشكّل أدبهم أرفع أدب إسلامي.

وهذا لا يعني أن الأدب الإسلامي هو أدب الخطاب المباشر، والوعظ والإرشاد فقط، أو الذي يستخدم الأساليب والألفاظ والتعبيرات العقائدية والفكرية، إلى المستوى الذي يدفع بعض النقاد للادعاء بأنه يستمع لخطبة وعظية أو درس عقائدي أو أنه في جلسة ذكر، وأن الأدب الإسلامي هو أدب المباشرة والوعظ والصورة المقولبة والذوق المحنَط. وهذا الاتهام في الواقع فيه الكثير من عدم الموضوعية؛ لأن نظرية الأدب الإسلامي في الوقت الذي تدعو فيه إلى الالتزام والهدف والرسالية، فإنها تترك للأديب حرية استخدام جميع العناصر الفنية، وتدعوه للإبداع في الصورة واللفظ والأداء.

بالطبع، لا يتطلب الأدب الإسلامي ذلك دائماً، بل إنه يعتمد الخطاب غير المباشر أيضاً، والتوجيه الذي يستبطن مفهوماً قرآنياً أو حديثاً. وعموماً فإن تحديد الأسلوب الفني، المباشر وغير المباشر، يخضع لطبيعة مخاطب الأديب أو الحالة التي يريد الأديب التعبير عنها أو الواقع الاجتماعي الذي يعيشه. كما إن الإسلام من الأديب أن يكون مفكراً أو فيلسوفاً أو صوفياً، ولا يريد إخراجه من عفويته، وحرمانه متعة اللحظة الإبداعية، وقولبة إبداعه، وتعقيد فكره ولفظه وأدائه، واضطهاد أحاسيسه، وتحنيط ذوقه الفني، كما قد يقول بعضهم، بل على العكس، ففي الوقت الذي تؤمّن نظرية الأدب الإسلامي للأديب استخدام جميع العناصر الفنية المباحة، فإنها تعطي لأدبه قيمة معنوية، وتضعه أمام مسؤوليته الربانية ورسالته الإنسانية، وتجعل لفنه رسالة وهدفاً، كما نتركه لفطرته السليمة وعفويته ولحظاته الإبداعية ووجدانه الواعي وضميره الحي وفكره المنفتح وأدائه الرفيع ولفظه الجميل وأحاسيسه الجياشة وذوقه الفني.

ويكرس الإسلام ما تفرزه هذه الفطرة السليمة، ويطلب من الأديب – عبرها – أن يتعفف في لفظه وفي دلالات نتاجه الأدبي: ألّا يكذب، لا يقذف، لا يتهم، لا يعبث وأن يتوازن في عواطفه. وفيما لو أصرّ الأديب على التيه والضياع والعبث؛ فسيكون – حينها – أمام مفترق طرق: إما أن يحتفظ بأدبه لنفسه، وحينها يفقد دوره الحقيقي، أو يصرّ على العبث وإضلال الآخرين، وحينها سيقف أمام مسؤوليته الاجتماعية والإنسانية، وفي النهاية أمام مسؤوليته الشرعية؛ لأن المسؤولية بكل أنواعها لا تعرف الحرية المطلقة.

ومما سبق يمكن الوقوف على أهم خصائص نظرية الأدب الإسلامي؛ فهو عقدي المصب والهدف والمسؤولية، ومنتمٍ في مضامينه وأساليبه المنسجمة بعضها مع بعض، إنساني وعالمي في نوعية الخطاب ومساحته، وفي الوقت نفسه، يولي العناصر الجمالية الفنية اهتماماً بالغاً.

وتبقى بلورة نظرية الأدب الإسلامي بصيغة متكاملة، همّاً إسلامياً يتحسسه جميع المعنيين، ولا سيما الأدباء الإسلاميون، وهي مهمة كبيرة وشاقة يفترض أن يشترك فيها الفقهاء والمفكرون والأدباء والمثقفون معاً. ولعل عقد مؤتمر عالمي للأدب الإسلامي، للحوار في هذا الموضوع، هو أمر مهم جداً. حينها يمكن أدراج موضوع الأدب الإسلامي أو النظرية الأدبية الإسلامية في كتب الأدب، سواء المدرسية أو العامة، إلى جانب المذاهب الأدبية الأخرى المعروفة عالمياً.

 

 

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment