تقنيات تقنين الفقه السياسي الإسلامي

Last Updated: 2024/04/13By

تقنيات التقنين الدستوري للفقه السياسي الإسلامي

د. علي المؤمن

إنّ تقنين أحكام الشريعة الإسلامية وفقهها السياسي وتحويلها إلى مواد قانونية دستورية ليس عملاً تجزيئياً منفصلاً عن النظرية العامة للإسلام، بل إنّ كل مادة قانونية دستورية تنتسب في مضمونها ومقاصدها إلى النظرية العامة للإسلام ومقاصد الشريعة برمتها؛ فالمواد القانونية الدستورية الإسلامية متكاملة فنياً من جهة، وتشير إلى هدف واحد؛ يتمثل في غايات الإسلام وأهدافه ومقاصد شريعته من جهة أُخرى.

ولذلك فإنّ عملية تقنين أحكام الفقه السياسي الإسلامي، وتحويلها إلى مواد دستورية وضعية في جانبها الفني، كما يمكن استنباطها من تجربة التقنين الفقهي للدستور في الجمهورية الإسلامية الإيرانية؛ فقد تمت على مراحل، وكل مرحلة هي امتداد للمرحلة التي تسبقها، وقاعدة للمرحلة التي تليها. وهذا التمرحل المتسلسل المترابط هو عمل منهجي فني؛ لأنّه ينتهي بالصياغة المادية للقانون، وهو ما يمكن أن نسميه بتقنية تقنين الفقه. وهذه المراحل على النحو التالي:

1 ـ استخراج النظرية العامة للإسلام ونظرته التوحيدية الكونية Islamic) monotheistic worldview)؛ من غايات الإسلام وأهدافه؛ كما هو مثبت في المصدرين الإسلاميين المقدسين: القرآن الكريم، والسنة النبوية الشريفة. ويضاف إلى السنة النبوية سنة الأئمة الاثني عشر عند (مدرسة الإمامة) الشيعية. ومن المفترض أن تكون المساحة الأكبر لهذه النظرية هي مساحة العقيدة والأُصول؛ أي الثوابت العقدية للإسلام، وليس المتغيرات الفقهية.

2 ـ استخراج النظرية العامة للشريعة الإسلامية، ومقاصدها؛ بالمضمون الذي تفرزه النظرية العامة للإسلام. وتجمع نظرية الشريعة بين الثوابت العقيدية والفقهية.

3 ـ استخراج نظرية الدولة الإسلامية وغاياتها وأهدافها ووظائفها ومنظومتها الفقهية؛ أي فقه الدولة الإسلامية؛ كما تفرزها نظرية الشريعة الإسلامية. ويتم في هذه المرحلة توظيف منهجية الاجتهاد الإسلامي لملء مساحة التفويض التشريعي، وهي مساحة تركها الشارع المقدس لذوي الاختصاص (الفقهاء) من البشر لملئها.

ونقصد بمساحة (التفويض التشريعي)؛ المساحة التي فوّضت الشريعة الإنسان بها، ليتحرك فيها بحرية نسبية، ويوجهها توجيهاً شرعياً ـ فقهياً؛ من خلال عملية الاجتهاد المستمر، وهي دائرة متغيرات، ومعظم موضوعاتها تستجد أو تتغير عبر الزمان والمكان. وفضلاً عن أحكامها الجديدة؛ فربما تتطلب أساليب وقواعد ورؤى جديدة في الاجتهاد؛ تستطيع الاستجابة لتحديات الواقع المتجدد. وهذه المساحات التفويضية تعبّر بمجموعها عن مرونة الشريعة الإسلامية، وقدرتها على استيعاب جميع المستجدات، ووضع الإنسان أمام مسؤوليته في بذل كل الجهود من أجل تطويع مساحات التفويض التشريعي للانسجام مع الشريعة وروحها وغاياتها.

4 ـ استخراج النظرية السياسية في الإسلام، ومنظومة الفقه السياسي الإسلامي وأحكامه المترشحة عن نظرية الدولة الإسلامية ومنظومتها الفقهية، ومضمون نظامها السياسي وشكله، كما يفرزه الفقه السياسي الإسلامي. وفي هذه المرحلة أيضاً تأخذ منهجية الاجتهاد الإسلامي دوراً أساسياً أكبر؛ لأنّ المساحة الأكبر في منظومة الفقه السياسي الإسلامي ونظامها السياسي هي مساحة متغيرات.

5 ـ تحويل أحكام منظومة الفقه السياسي الإسلامي إلى منظومة قانونية دستورية وضعية عامة تضم أُصول الدستور الإسلامي، وهو ما نسميه بلغة القانون: (القانون الدستوري الإسلامي)، وهو مادة مهمة ينبغي استحداثها في فرع القانون الدستوري، وتتميز بمضمونها العقدي الايديولوجي.

6 ـ استخراج حقائق الزمان والمكان، أي الخصوصيات والقبليات الإدارية والسياسية والاجتماعية والمذهبية للكيان الإداري ـ السياسي للبلد المتشكل جغرافياً وتاريخياً وفق أحكام القانون الدولي، والمراد تطبيق الدستور الإسلامي فيه.

7 ـ استخراج منظومة القانون الدستوري الإسلامي الخاص ببلد إسلامي محدد؛ من خلال الجمع والتوليف بين أربع منظومات:

أ ـ منظومة القانون الدستوري الإسلامي العام.

ب ـ خصوصيات الكيان الإداري ـ السياسي (البلد) الذي يراد تطبيق الدستور الإسلامي فيه.

ت ـ أحكام القانون الدولي؛ ولا سيما ما يتعلق بسيادة الدولة الحديثة وحدودها الإدارية ـ السياسية، وحقوقها وواجباتها تجاه النظام القانوني الدولي.

ث ـ قواعد القانون الدستوري الحديث في جانبيه المفهومي والفني (المادي)، وما يرتبط بحقائق الدولة الحديثة وأركانها ونظامها السياسي وسلطاتها الدستورية. وتمثل هذه المرحلة البعد الواقعي للدستور الإسلامي الذي يراعي متطلبات الزمان والمكان، ولا يكون خارجها. وهي أهم مرحلة من مراحل التقنين الدستوري للفقه السياسي الإسلامي.

وتحتاج هذه المرحلة (السابعة) إلى فريق متعاضد واحد يضم الاختصاصات التالية:

أولاً: مختصون في الشريعة الإسلامية (فقهاء).

ثانياً: مختصون في القانون الدستوري والنظم السياسية.

ثالثاً: مختصون في القانون الدولي.

رابعاً: مختصون في العلوم السياسية.

خامساً: مختصون في الاجتماع السياسي.

8 ـ تحويل منظومة القانون الدستوري الإسلامي الخاص ببلد محدد إلى مواد دستورية مدوّنة بشكل دستور إسلامي محلي. وهذه المرحلة هي مرحلة قانونية غالباً؛ لأنّ فيها تتم مناقشة مسوّدة الدستور المقترح وإقرار مواده؛ من خلال لجنة أو مؤتمر وطني أو جمعية تأسيسية أو مجلس خبراء.

وفي هذه العملية التقنينية الصعبة والمركّبة والطويلة؛ يكمن الفرق الجوهري بين الدستور الإسلامي المحلي (دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية مثالاً)، والصيغ الدستورية الإسلامية النظرية العامة التي لا تراعي متطلبات قواعد القانون الدستوري، وأحكام القانون الدولي، ولا تنظر إلى الخصوصيات المحلية لكل بلد إسلامي؛ لأنّها صيغ خارج الزمان والمكان، ويعدّها أصحابها أُصولاً دستورية إسلامية عامة أو صيغاً دستورية إسلامية عامة؛ يمكن لأي بلد أن يقوم بتوليفها مع خصوصياته المحلية.

وتقنين المواد الدستورية من الفقه السياسي الإسلامي يكون على ثلاثة أشكال:

1 ـ المواد العامة وبعض المواد التنظيمية ذات الصبغة العامة، والتي تتضمن غايات الدولة الإسلامية وأهدافها وأُطرها العامة، وتبدأ من القاعدة الشرعية وتنتهي بصياغة مادة دستورية؛ أي من الأعلى إلى الأدنى.

2 ـ المواد التنظيمية العامة التي تتضمن هيكل النظام السياسي وتوزيع السلطات وطرق انتخابها وتعيينها؛ فهي تبدأ من قاعدة دستورية؛ ثم يتم الاستدلال عليها من القواعد الشرعية. أي تبدأ من الأدنى إلى الأعلى. وهي مساحات تقنينية في إطار دائرة التفويض التشريعي.

3 ـ المواد التنظيمية التفصيلية (التقنيات) التي لا تتضمن موقفاً شرعياً؛ فهي لا تستند إلى قاعدة شرعية، وليست بحاجة للاستدلال عليها من قاعدة شرعية؛ بل تدخل في دائرة المباحات. وهي أيضاً جزء من دائرة التفويض التشريعي. وشرطها ألّا تتعارض مع قاعدة شرعية، وتكتفي بالانسجام مع الأهداف العامة للشريعة الإسلامية.

 

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment