تقرير اجتماع التقريب بين المذاهب الإسلامية في القاهرة
مشاركة الدكتور علي المؤمن
في اجتماع التقريب بين المذاهب الإسلامية في القاهرة ــ 2000(*)
حول مفهوم التقريب بين المذاهب الإسلامية وضروراته في الوقت الراهن؛ عقد اجتماع تداولي خاص في العاصمة المصرية القاهرة، بدعوة من شيخ الأزهر الأسبق المرحوم الدكتور محمد سيد طنطاوي، وذلك على هامش المؤتمر السنوي الثالث عشر للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية.
وقد حضرت الاجتماع إثنتا عشرة شخصية دينية وفكرية وثقافية في مصر وإيران ولبنان وعمان والعراق، ينتمون الى المذاهب السنية والشيعية والإباضية، وهم: الدكتور سيد طنطاوي شيخ الأزهر في مصر، الشيخ محمد على التسخيري رئيس منظمة الثقافة والعلاقات الإسلامية في إيران، الدكتور محمود حمدي زقزوق وزير الأوقاف المصري، الدكتور نصر فريد واصل مفتي الجمهورية المصرية، الشيخ محمد واعظ زاده الأمين العام للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية، الشيخ محمود فرحات مدير عام المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في لبنان، الدكتور أحمد عمر هاشم رئيس جامعة الأزهر في القاهرة، الدكتور عطاء الله مهاجراني وزير الثقافة الإيراني السابق، السيد هادي خسروشاهي رئيس مؤسسة البعثة في ايران، الشيخ أحمد بن مسعود السيابي الأمين العام لمكتب الإفتاء بسلطنة عمان وعلي المؤمن مدير المركز الإسلامي للدراسات المستقبلية.
الدكتور محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر في مصر:
وصف القرآن الكريم الأمة الإسلامية بأنها أمة واحدة في الآية الكريمة: «ان هذه امتكم امة واحدة وأنا ربكم فاعبدون»، وفي آية أخرى يقول جل شأنه: «انما المؤمنون إخوة».
أن التقارب بين مذاهب الأمة من الأمور الواقعة لأن الاختلاف ليس في ركن من أركان الإسلام ولا في أصل من أصوله، وإنما قد توجد خلافات حتى بين أصحاب المذاهب الواحد في أمور فرعية اجتهادية لكل انسان رأية فيها وهذا ثابت نراه في جميع المذاهب الإسلامية إلا أننا كمسلمين نشهد جميعا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ونؤمن بالقدر. من هنا فهذه اللقاءات لا تعني أن بيننا اختلافاً في الأصول وإنما قد يوجد اختلاف عند الاجتهاد، وذلك النوع من الاختلاف نراه بين الأنبياء والحكماء وبين أولي العلم. يقول الله تعالى: «داود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين»
وملخص أحداث الآية أن رجلا كان لديه زرع وآخر لديه غنم. ورعت الغنم في الزرع ليلاً فأفسدته فذهب صاحب الزرع إلى نبي الله داود يشكو ما حدث. فاجتهد داود اجتهادا حكم به في القضية وهو أن يأخذ صاحب الزرع الغنم، ولما جاء سيدنا سليمان اجتهد اجتهاداً آخر وهو أن يأخذ صاحب الأرض الغنم يستفيد بألبانها وصاحب الغنم الأرض يصلحها كما كانت ثم يرد لكل ذي حق حقه. من هنا فالاجتهاد في الأمور العقلية قصه علينا القرآن على ألسنة الأنبياء والصالحين ومادامت المقاصد في لقاءاتنا طيبة فلا بد أن نصل إلى نقطة التقاء إن شاء الله.
الدكتور محمود حمدي زقزوق وزير الأوقاف المصري:
إنني انطلق من ملاحظة قالها الأستاذ محمود مراد قبل ذلك و هي أننا لا نريد أن نهون من الأمر ونقول: إن كل شيء على ما يرام وأنه ليس هناك أي خلاف وأن لدينا آيات القرآن والأحاديث النبوية وكل شيء نرددها وندعو إليها، فيبدو الأمر كما لو أنه ليس هناك شيء على الإطلاق في حين أنه لابد أن نعترف ونكون صرحاء بأن هناك شيئاً ما بين المذاهب الإسلامية يباعد بينها وإلا لما اجتمعنا هنا الآن لنجلس ولنتحدث عن التقريب.
والقضية ليس قضية الخلاف بين المذاهب الفقهية، فالمذاهب الفقهية ليس بينها خلاف فحتي في الجانب السني هناك اربعة مذاهب فقهية لكل منها وجهة نظرة المختلفة. والتقليد أن مصر يتسع صدرها لكل الخلافات المذهبية بلا حرج والذي يزور مسجد السلطان حسن يجد هناك مدرسة تعد من المدارس التاريخية الأثرية وفيها مدرسة للمذاهب الأربعة الفقهية بجوار بعضها بعضا للشافعية والحنفية والحنبلية والمالكية فالقضية ليست قضية الخلاف بين المذاهب الفقهية لكن هناك شيئاً ما يباعد بين أبناء الدمة.
أمر آخر: هو أن الصراعات التي حدثت والتي تحدث عنها سماحة الشيخ محمد على التسخيري وأدت إلى حروب هي صراعات تاريخية ليس للأجيال الحالية أي دخل فيها على الإطلاق فإن كل فضل حدث في السابق ليس للأجيال الحالية فضل فيه وكل السلبيات التي تمت في السابق ليس للأجيال الحالية ذنب فيها، ولذلك ينبغي أن يكون هذا من مسئولية العلماء الذين يوضحون ذلك لأنه كما قال سماحة الشيخ محمد على التسخيري أيضا. أن العلماء ساعدوا في تعميق الخلافات وبالتالي تبعتهم جماهير الأمة فهذه الصراعات التاريخية ليس هناك مبرر معقول لها الآن.
إن العالم من حولنا يتجه إلى التكتلات في كل المجالات، وهذه التكتلات هي قوة للدول التي تقوم بها. أما العالم الإسلامي فهو فقط من بين قوى العالم الذي لا ينتبه ولا يريد أن يجمع قواه ليواجه الأخرىن، ولا اقول يحارب وإنما يواجه –حتى يستطيع أن يظل على قيد الحياة وربما أذكر هنا تعبيراً لطيفا وهو أيضا تعبير واقعي قاله الدكتور احمد كمال ابوالمجد أثناء مؤتمر المجلس الأعلى للشئون الإسلامية في الأيام الماضية وهو «إذ كانت هناك في التاريخ واقعة «كربلاء» التي كان لها تأثير كبير في هذا الانشقاق الذي حدث بين السنة والشيعة فأخشي أن تكون هناك الآن «كربلاء» أخرى ينتحر فيها المسلمون جميعاً سنة وشيعة»، فالقضية في منتهى الخطورة، فالعالم يتجمع ويتكتل، والمسلمون لا يزالون متفرقين ولا يدركون خطورة الموقف في العصر الحاضر عصرالعولمة.
فإذا كنا نقيم حواراً بين المسلمين و غير المسلمين والعام الحالي هو عام الحوار بين الحضارات والثقافات فمن باب أولى أن يكون هناك حوار إسلامي إسلامي، أي ترتيب البيت من الداخل أولا، وإلا إذا ذهبنا للتحاور مع الآخر ونحن فرق ومتفرقون فكيف يكون الأمر، فهذا شيء غريب أن نذهب لنتحاور مع الآخر، ونبحث عن قواسم مشتركة مع الآخر غير المسلم لنتعايش معا في هذا العالم ثم ننسي أن هناك ضرورة للحوار الاسلامي –الاسلامي، وإذا كنا نبحث عن قواسم مشتركة مع الآخر غير المسلم، فالقواسم المشتركة بين المسلمين ما أكثرها فإنه ليس هناك خلاف على الإطلاق في أركان الإسلام الخمسة وليس هناك خلاف على الإطلاق في أصول الايمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وليس هناك خلاف على أي شيء من الأصول القطعية في الإسلام بين السنة والشيعة، فلماذا الاستمرار في تعميق الخلافات؟
هناك عناصر لا تزال حتى يومنا هذا تؤجج الخلاف الفكري والنزاع التاريخي والصرعات السابقة، وتحاول أن تعيدها مرة أخرى وتحييها من جديد، لذلك لابد ألا تمر مثل هذه اللقاءات فقط بأن يقول كل منا كلاما يجامل به الآخر وينتهي الأمر.
ولعلي أقول إن مصر كانت سباقة –كما ذكرنا- في مجال التقريب بين المذاهب الإسلامية والسبب في هذا يرجع إلى أن هذا تراث تاريخي لدى مصر فهي لا تفرق بين مذهب ومذهب، والمصريون جميعا من أولهم إلى آخرهم، من أشد الناس حباً لآل البيت وهذه الحقيقة لا مراء فيها على الإطلاق، فإن أي مصري في أقصى الجنوب أو أقصى الشمال يتعلق قلبه بالحسين وبالسيدة زينب والسيدة نفيسة، وكل آل البيت، فالارض الخصبة للتقريب في مصر هي التي أوجدت منذ أكثر من 50 عاما «جمعية التقريب بين المذاهب الإسلامية» وكانت هناك جهود كافح من أجلها مشايخ الأزهر مثل الشيخ شلتوت والشيخ المراغي، وكذلك الشيخ عبدالعزيز عيسى و الشيخ محمد المدني وغيرهم، كما أن مجلة رسالة الإسلام لا تزال شاهد صدق على ذلك. واعدادها التي صدرت موجودة في 17 مجلدا. وهذا يعطي النموذج المصري في هذا الصدد وهو نموذج رائد ويمكن أن نصدره لكل البلاد الإسلامية لتكون هناك أيضاً جمعيات للتقريب بين المذاهب الإسلامية تؤتي ثمارها حتى يتحقق هذا التقارب وأنا مع سماحة الشيخ محمد علي التسخيري في أن التقارب ليس معناه تذويب المذاهب في بعضها وأيضا ليس معناه تغليب مذهب على آخر، فلكل وجهة نظره، والخلاف في وجهات النظر إثراء للفكر الاسلامي وليست القضية أن نتصور أن كل خلاف في وجهة نظر هو نزاع و شقاق… لا… فإن الخلاف في وجهات النظر مطلوب ولكن المطلوب بجواره هو التسامح يعني أن يعطي كل منا للآخر الفرصة لأن يقول رآية وأن نحترمه، وفي ذلك يقول الإمام الشافعي: «إن رأينا صواب يحتمل الخطأ.. ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب»، إذا فالقضية ليست في أن لي رأيا أفرضه على الآخر وأقول انه هو الحق المطلق الذي لا مراء فيه، فهذا أمر غير جائز على الاطلاق، والحق المطلق الذي لا مراء فيه هو فقط ما ورد في الكتاب والسنة وورد بدليل قطعي وما عدا ذلك فهو اجتهادات، وكل يخطئ ويصيب والذي يجتهد ويخطي له أجر، والذي يجتهد ويصيب له أجران.
ومن بين الأمور المثارة أيضاً مسئولية الحكومات في الخطاب الإسلامي والحقيقة أن التقريب ليس قضية سياسية تتولاها الحكومات و انما علماء الدين ومفكرو المسلمين الذي يؤثرون في الجماهير لأن جماهير الأمة تستفتي وتسأل علماء الدين وليس السياسيين في أي قضية دينية، وبالتالي على علماء الدين أن يقوموا بواجبهم في هذا الصدد من أجل تثقيف العقول وتنوير الأذهان و توضيح معالم الطريق وإقرار التسامح، فقيمة التسامح إذا سادت فسوف تؤدي إلى إزالة كل الرواسب التي نعرفها جميعا والتي لا تزال لها بعض الآثار حتى الآن.
إن القضية أن هناك ضرورة للحوار بين المذاهب الاسلامية للتقارب، وهذه الضرورة هي التي دعتنا في مؤتمر المجلس الأعلى للشئون الاسلامية الاخير لأن نضع بندا في المحور الثاني من المؤتمر تحت عنوان «التقريب بين المذاهب الاسلامية»، وهذه الضرورة أيضا هي التي دعتنا إلى أن نجلس الآن في هذه الندوة.
الشيخ نصر فريد واصل مفتي مصر:
أشير الجهود التي بذلها علماء المسلمين من قبل من أجل تحقيق التقريب بين المذاهب الإسلامية خاصة الشيخ محمود شلتوت شيخ الجامع الأزهر الأسبق من مصر وآية الله بروجردي من إيران، وقد تلاهما العديد من العلماء الذين واصلوا مسيرتهما العلمية والدعوية وتطبيق ذلك عمليا من خلال الموتمر الذي عقد قبل عدة أشهر في إيران ويسّر فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر كل الإمكانات لإنجاحه حيث أرسل وفدا باسم الأزهر الشريف للمشاركة فيه وهو ما كان له أثر كبير في النفوس.
إن ذلك المؤتمر الذي سبق عقده في ايران بمشاركة وفد الأزهر كان قد أذاب الثلوج التي تراكمت على مدي العصور السابقة كما كان له أثره في التأكيد على أننا بعقيدتنا الواحدة لا خلاف بيننا. بل إننا دائما نلتقي على هدف واحد، ولكن التفسير في مجال التطبيق العملي للمذاهب الفقهية قد يختلف تبعا لظروف الحال والمقام بما يناسب كل عصر ويحقق الهدف المنشود وهو تحقيق استمرار الأمة الاسلامية كأمة وسط.
إن التقريب من وجهة نظره ليس له محل الآن. ولكن التقريب بين أفكار الأمة الإسلامية وعلمائها من حيث المنهج حتى يتم التوصل إلى رفع النزاع والخلاف الذي فرقهم شيعاً وأحزابا حتى أصبح المسلمون يتشاحنون حول ما يخص دينهم وما يخص دنياهم.. ذلك أن اختلاف المذاهب الفقهية أو وجود مذاهب مختلفة في الفهم والادراك حقيقة تؤمن بها العقيدة الاسلامية وآمن بها الرسول (ص) وعلمها لأصحابه وأخذ بها الخلف عن السلف حتى جاء زمن الاستعمار الذي حاول استغلال اختلاف المذاهب ليجعله وكأنه اختلاف في العقيدة وتحول الخلاف في الاجتهاد وفي محاولة الوصول إلى الحقيقة الشرعية طبقا لدليلها الشرعي، إلى خلاف في مجال المذاهب الكلامية واختلط الأمر، وفي ظل هذا الاختلاط دخل أصحاب المصلحة وفرقوا بين المسلمين.
لذلك فالمطلوب هو البحث عن الأسباب التي أدت إلى اختلاف المسلمين في افكارهم حتى أصلّوا هذه المذاهب الفقهية وانتقلوا بها لما يشبه المذاهب الكلامية حتى أصبح أتباع هذه المذاهب من عامة الناس وانتقل الأمر للمجالين الثقافي والسياسي، ولذلك رأينا اثاراً سلبية سيئة فيما يتعلق بقتال المسلم لأخيه المسلم مثلما حدث بين العراق وإيران وبين العراق والكويت.
تقريب لا تذويب الانظار إلى أن المراد هو التقارب بين الأفكار وتفهم كل فكر للآخر وأن يستقي الفكر من منابعه إضافة إلى التأكيد على النقاط المشتركة وأن يعذر كل طرف الطرف الآخر فيما اختلفوا فيه.
الشيخ محمد علي التسخيري رئيس منظمة الثقافة والعلاقات الإسلامية في إيران:
التقريب لا يقصد تحقيق تذويب بين المذاهب على اعتبار أن المذاهب هي بمثابة اضافات عظيمة تمثل آفاقا واسعة. كما أنه لا يقصد تغليب مذهب على آخر. وانما التقريب من وجهة نظره يعني تحقيق تفهم أكبر، فالأمة الاسلامية أمة واحدة سواء من حيث تطبيق تعالىم الدين الاسلامي أو من حيث مواجهة عدوها.
ان الاسلام احتاط لتطورات الحياة فضع لما هو ثابت احكاماً ثابتة، وادرك حتمية تغيرات الزمان والمكان ومن ثم امتلك مرونة استيعاب هذه التغيرات و أن الاجتهاد يعد من أقوي مظاهر هذه المرونة. كما أن الاسلام حين دعا إلى الوحدة لم يكن يقصد بها وحدة الافكار وانما المقصود كان وحدة الموقف العملي مع اختلاف الافكار، وتشريع الاجتهاد في الاسلام هو اقوي ما يؤصل فكرنا مع اختلاف المذهب ومن هنا يأتي التجديد.
اسباب الدماء والدموع بين المسلمين عبر تاريخهم يرجع ذلك إلى عاملين:
أولهما: العلماء المجتهدون، وثانيهما: المسلمون خارج هذه الفئة ممن ابتلوا بضيق افق وتعصب غير مبرر وهو التعصب الذي استغله الحكام لمصالحهم فحولوا الاختلاف المذهبي الجميل إلى اختلاف طائفي قاتل، وهو ما ادي إلى اسالة دماء المسلمين أنهارا.
ان تحقيق التقريب بين المذاهب انما يأتي من خلال الحوار. فهو منهج قرآني على ان يتم في هدوء وليس في اجواء قلقة، والقرآن الكريم له منهج واضح في الحوار، وهذا المنهج هو الطريق الصحيح الذي يصل بنا إلى النتيجة التي نريدها.
الاهتمام بوحدة الامة
الشيخ واعظ زاده الخراساني الامين العام للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الاسلامية:
لابد من الاهتمام بوحدة الامة وجمع شملها تلبيبة لقول الحق سبحانه: «ان هذه امتكم امة واحدة وأنا ربكم فاعبدون» وقوله جل شأنه: «وان هذه امتكم امة واحدة وأنا ربكم فاتقون»، حيث ربط الله سبحانه وتعالى في هاتين الآيتين بين وحدة الامة ووحدة الربوبية، فالله واحد أحد وامتنا امة واحد، وحيث وحدة الامة هي سبيلها إلى العزة والمجد بين الامم اما اختلافها ففيه الخذلان والخسران.
وأشير إلى اهمية دار التقريب بين المذاهب الاسلامية ومكانتها العظيمة بفضل المشايخ العظام الذين كان لهم فضل السبق إلى اقامتها و منهم فضيلة الإمام الأكبر عبدالمجيد سليم، والشيخ محمود شلتوت، والشيخ عبدالعزيز عيسى، والعلامة الشيخ تقي القمي، هذا اضافة إلى صاحب الدور الذي لا ينكر آية الله البروجردي. وجدت –قبل نحو خمسين عاما- اجابات شافية. والتي كان الشيخ عبدالعزيز عيسى مديرها المسئول – عن كثير من التساؤلات التي دارت حول مغزى الوحدة والتقريب واصولهما وطرق الوصول اليهما.
وحول اسباب الفرقة بين ابناء الامة الاسلامية أضاف السيد واعظ زاده أنّ الخلط بين مفهومي الدين والمذهب هو السبب، فأتباع كل مذهب يحسبون مذهبهم فقط هو الدين الإسلامي وينظرون إلى أتباع المذاهب الأخرى وكأنهم أتباع دين آخر. بينما الحقيقة هي أن الدين واحد وهو عبارة عن الأصول الثابتة التي جاء بها الرسول (ص)، أما المذاهب فهي متعددة لأنها ثمرة الاجتهاد في الدين وهو أمر طبيعي مادام باب الاجتهاد مفتوحا أمام العلماء.
واقترح السيد اعظ زاده ان تكون الندوة ورقة عمل واستمراراً لندوات التقريب الأخرى وأن يتم احياء دار التقريب بين المذاهب الاسلامية على أن تسند الامور المتعلقة بها إلى فضيلة شيخ الازهر د.طنطاوي. كما كان من اقتراحه اعادة اصدار مجلة «رسالة الاسلام» من القاهرة على أن تكون لها مكاتب في الدول الاسلامية لايجاد علاقات مع كل علماأ الدول الاسلامية.
حرب فكرية
الشيخ محمود فرحات المدير العام للمجلس الاسلامي الشيعي الأعلى في لبنان:
ان بداية تجديد المذاهب الفقهية في القاهرة كانت في العصر المملوكي حيث حددت المذاهب الاسلامية بأربعة مذاهب.
واقترح فضيلته ان تنزع مصر الحد عن المذاهب بيحث تصبح المذاهب الاسلامية التي تعتمد الاصول نفسها والمعتقدات نفسها والخط الفقهي الاصولي نفسه، ضمن الدائرة الاسلامية.
وأشار الشيخ فرحات إلى ان بعض الحكومات قد لا توافق على توحيد الموقف لأن الخلاف المذهبي في الاسلام بدأ سياسياً واستغل واستثمر سياسيا حتى تضخم ووصل إلى درجة بتنا نشكو منها، ولذلك فالمسئولية هنا –في رآية- تقع لعي كل من الازهر في القاهرة من جهة والمركز الاسلامي في «قم» بايران من جهة أخرى. ولهما ان يتحملا وجهات النظر في تقريب الرؤي وليس في الاصول الفقهية لان الخلاف الفقهي في الادلة قائم وموجود عند المذاهب الاربعة.
الأستاذ علي المؤمن مدير المركز الاسلامي للدراسات المستقبلية:
ان التقريب ليس مجرد خطابات تحريضية أو شعارات تقليدية أو تمنيات، لكنه سلسلة من العمليات العميقة –علي حد وصفه- والآليات الاكثر عمقا والتفاعلات التي تتم بين مجموعة من الخطوط العامة لعملية التقريب وهي:
الخط النفسي: بالابتعاد عن أي لون من الوان الحساسية تجاه كل المسلمين، وخلق حالة من حسن الظن بالمذاهب الاسلامية الأخرى والحب لاتباعها والتعاطف مع قضاياهم والوعي بحقيقة المصير المشترك بشكل يهيمن على النفس وتملكها.
الخط الاعلامي: بناء استراتيجية اعلامية مشتركة تهدف إلى خلق ثقافة التقريب في الوسط الاجتماعي الاسلامي وخلق وعي وحدوي وتقريبي على شكل رأي عام اسلامي ضاغط.
الخط الاجتماعي: وتتجسد محاوره في التكافؤ والتكافل الاجتماعي بين المسلمين، فهذا التكافل والتعاون سيزيل الكثير من العقبات النظرية والعملية، وهنا لابد من عدم حصر لقاءات ودعوات التقريب بين علماء المسلمين وقيادات الامة بل الوصول بها إلى كل طبقات الامة على شكل برامج اجتماعية واضحة.
الخط السياسي: بممارسة التضامن في المجالات السياسية والدفاع عن جميع الشعوب المسلمة والوقوف صفاً واحدا في المحافل الدولية الرسمية والشعبية أمام اعداء المسلمين.
الخط العلمي: والذي تتمثل خطواته الرئيسية في اربع آليات هي:
الف. التعارف: ويعني به التعرف على حقائق المذاهب الأخرى ودراستها من مصادرها نفسها بتجرد وموضوعية، هنا لابد من التأكيد على العلوم الاسلامية المقارنة سواء الفه أو اصول الفقه أو التفسير أو غيرها.
فلابد من التعرف على حقائق المذاهب الأخرى دون الاعتماد على ما يقال من قبل المستشرقين أو من قبل اعداء الدين.
ب. الحوار: ويجب ان يكون حواراً علميا هادئا. يقف على اساس من التجرد والموضوعية ونبذ العنف والاحكام الجاهزة. كما يجب ان يكون لهذا الحوار آدابه وتقاليده شكلا ومضمونا.
ج. المراجعة الذاتية: اي مراجعة كل مذهب وفريق مبانيه العلمية من جديد، لا سيما في القضايا التي تتتسبب في حالات تتاحر بين المسلمين، لاعادة النظر في بعض القناعات الموروثة التي ساهمت في احداث الفرقة بين المسمين والحيلولة دون لقائهم.
د. التقارب: وهو هنا هدف تمهيدي أو مدخل اساسي لتحقيق الوحدة الاسلامية، متمثلاً في التدكيد على المساحات المشتركة ونقاط الالتقاء التي تفرزها عمليات التعارف والحوار والمراجعة الذاتية.
الشيخ احمد بن مسعود السيابي الامين العام لمكتب الافتاء بسلطنة عمان:
ان فكرة دار التقريب بدأت عام 1937م، وان مسألة الصراعات السياسية والتاريخية التي اشار اليها السيد محمد علي تسخيري وتم التعرض لها على انها تخص الاجيال السابقة، فإن آثارها منعكسة ايضا على الاجيال الحالية فاي نقاش الآن او تغطية انما تبني على تلك الافكار السابقة حتى وان كانت حديثا من اسلاف لنا جميعا الا اننا نسترجعها ونتواجه بها، وهذه حقيقة وعلي من يريد ان يشهد ذلك ان يقرأ التراشقات الكلامية التي تكتب ليجد انها اجترار لتلك الصراعات التاريخية، لذلك فالامر يحتاج إي قرار اسلامي عام. وهنا اتذكر قول الخليفة عمر بن عبد العزيز في قضية الفتنة : «تلك قضية سلمت منها سيوفنا، فلتسلم منها السنتنا»
المجتمع الاسلامي في حاجة إلى قرار من علماء الامة يبتر ويقطع هذه الصراعات فلا يعتبرها تأصيلا تاريخيا او اصلا خلافيا في الامة الاسلامية. ان اجهزة الاعلام هي التي تشكل الرأي العام في كل بلد وكثير من الشعوب تشكل الرأي العام في كل بلد وكثير من الشعوب تتشكل افكارها بناء على التجهات الاعلامية وإذا تبنت اجهزة الاعلام قضية التقريب فسوف تنعكس آثار ذلك على الشارع الاسلامي.
د. احمد عمر هاشم رئيس جامعة الأزهر:
ان الامة الاسلامية بحاجة إلى التقريب بين المذاهب –بين السنة والشيعة. خاصة في تلك المرحلة التي تمر بها امتنا و نحتاج خلالها إلى توحيد الصف عقائديا وفكريا وعمليا. وان مصادر التشريع واحدة ولا خلاف عليها بين اي من المسلمين ولا بين احد من اصحاب المذاهب، وإذا انتقلنا إلى التكاليف نفسها. عقيدة نؤمن بها بالله ربا وبالاسلام دينا و بسيدنا محمد (ص) نبيا ورسوال، وعقيدة نؤمن فيها بالله وكتبه ورسله وباليوم الآخر وبالقدر خيره وشره، حلوه ومره، فلا خلاف بيننا في ذلك. والعبادات التي نتقرب بها إلى الله تعالى والتي كلفنا بها من صلاة وزكاة وصيام وحج، ايضا لا خلاف فيها. ثم المعاملات والعلاقات بين الناس والاخلاق ايضا لن تجد فيها خلافا بيننا. اذن ما الذي بقي من امر خلافية بيننا؟
في تصوري ان الامر الخلافية تنقسم إلى قسمين:
الاول: امور في الاشياء الفرعية: وهو ما يقال عنه الاولي او خلاف الاولي.
فعندما كلف الخليفة الامام مالكا بأن يكتب كتابا، ألّف الامام مالك كتابه «الموطأ» ووافقه الناس عليه وأراد الخليفة ان يلزم الامة بأسرها بهذا الكتاب فرفضه الامام الجليل، مالك بن انس ان يلزم الناس برأي واحد، وقال: «لا يا امير المؤمنين»، فاصحاب رسول الله (ص) انتشروا في الامصار وعند بعضهم ما ليس عند الآخر فدع الناس وما يناسب عصرهم وزمانهم ومكانهم ماداموا لم يصادموا نصا من كتاب الله تعالى ولا حديثاً صحيحا من احاديث رسوله (ص).
ثم قال الامام مالك بالحرف الواحد: «ان اختلاف العلماء رحمة الله بهذه الامة»، وهكذا فكل يرى ما صح عنده، وكل على هدى، وكل يريد وجه الله، ومادام لا صدام في اصل وتشريعات او نص من كتاب الله أو سنة رسوله فلا خلاف.
ثانيا: وهو الاهم والذي قد يحدث فيه او يظن ان فيه خلافا. وهي الامور الاصلية وهذه الامور من الممكن التقريب فيها، بمعنى: اننا حين نتلاقي ويطرح كل منا ما لديه من اسانيد وما لديه من ادلة ونصوص، فقد نقترب بمعنى ان يقتنع احدنا برأي الآخر حين يري الحق في جانبه.
ان التقريب يحتاج إلى نوايا حسنة وإلي ظن حسن والي عدم جمود او تعصب وكل هذا موجود بحمد الله، لذا اتصور ان المسألة ستكون ميسرة خاصة والمرحلة التي تمر بها امتنا وعالمنا الاسلامي بل والفكرالاسلامي ملئ بالتحديات التي تستوجب علينا التوحد، فأعداؤنا يتوحدون ويعيشون عصر التكتلات الكبري، واولي بنا –كمسلمين- ان نكون على قلب رجل واحد وان كانت هناك بعض الامور الخلافية، فمن الممكن ان نتجاوزها إلى حين حتى يتم هذا التقريب الذي فيه صلاح الامة وسعادتها.
الدكتور الطنطاوي:
كتبت من قبل كتابا موضوعه: ادب الحوار في الاسلام وذكر فيه ان الله سبحانه وتعالى فتح باب الحوار حتى لابليس، ونجد هذا في كثير من السور القرآنية حيث بين القرآن الكريم في آيات متعددة ان الله سبحانه سأل ابليس: «لم لم تسجد؟» فقال: «انا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين، قال فاخرج منها فانك رجيم، وان عليك لعنتي إلى يوم الدين، قال رب فانظرني إلى يوم يبعثون، قال فانك من المنظرين» ، نجد هذا في سورة الاعراف و في سورتي الحجر وص و غير ذلك من السور نجد الحوار بين الخالق عزوجل وملائكته: قال الله تعالى :«اني جاعل في الارض خليفة قالوا اتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال اني اعلم ما لا تعلمون»
وهناك الحوار مع الرسل الكرام في كثير من السور القرآنية، فمع سيدنا نوح: «ونادي نوح ربه فقال رب ان ابني من اهلي وان وعدك الحق وانت احكم الحاكمين، قال يانوح انه ليس من اهلك انه عمل غير صالح فلا تسألن ما ليس لك به علم اني اعظك ان تكون من الجاهلين»
وهناك حوار سيدنا عيسي: «أ أنت قلت للناس اتخذوني و امي الهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي ان اقول ما ليس لي بحق ان كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا اعلم ما في نفسك انك انت علام الغيوب، ما قلت لهم الا ما امرتني به ان اعبدوا الله ربي وربكم وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت انت الرقيب عليهم وانت على كل شيء شهيد»
عندما راجعت مادة «القول» وما اشتق منها (قل، قال، يقولون، قلنا) وجدتها تكررت في القرآن الكريم اكثر من الف وخمسمائة مرة، فعل الأمر «قل أي شي اكبر شهادة قل الله شهيد بيني و بينكم واوحي إلى هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ ائنكم لتشهدون ان مع الله آلهة أخرى قل لا اشهد قل انما هو اله واحد و انني بريء مما تشركون».
وهكذا … اربع مرات «قل» في آية واحة وهكذا نجد ان الحوار مرحب به. وأنا شخصيا –أؤمن بالحوار- ومناقشة الامور مناقشة علمية هادئة حكيمة، ومثل هذا الحوار لابد اللقاءات فبها سيحدث التقارب وبها يتم التواصل والتعاون والاخاء لوجه الله وبنشر هذه الفضائل في المجتمع عن طريق خطيب المسجد والداعية والمدرس ووسائل الاعلام لابد أن يحثل التقارب، فالتقارب هو الأصل.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) تم نشر محضر هذا الاجتماع الخاص، في جريدة الأهرام (القاهرية)، 2000، كما نشر كتاباً مستقلاً في سلسلة كتب القراءة للجميع في القاهرة.
latest video
news via inbox
Nulla turp dis cursus. Integer liberos euismod pretium faucibua