تجديد تعريف الداعية

Last Updated: 2024/04/13By

تجديد تعريف “الداعية”

د. علي المؤمن

“الداعية” بالمعنى الخاص هو المؤمن المنتمي الى حزب الدعوة الإسلامية تنظيماً وفكرياً ومنهجياً وسلوكياً، أو الذي خرج من التنظيم؛ لكنه ظل منتمياً الى نظرية “الدعوة” وفكرها ومنهجها وسلوكها. وهذا الانتماء الفكري والسلوكي يستدعي أن يكون عضو الحزب داعيةً إسلامياً على مستوى تدينه الفردي وسلوكه الشخصي، وعلى مستوى أداء واجباته الدعوية؛ كالتبليغ الديني، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ودعوة الناس الى تطبيق أحكام الإسلام، والى مكارم الأخلاق، وتقديم الخدمة العامة، والعمل على توفير الظروف الموضوعية لإقامة الدولة الإسلامية. وهنا لا بد من التذكير بأن مفهوم “الداعية” منتزع من مفردة “الدعوة” وليس من مفردة الحزب، أي أنه يشير الى انتماء “الداعية” الى “الدعوة” بمفهومها العقدي، وليس الإنتماء الى الحزب بمفهومه السياسي. وبكلمة أخرى؛ فإن توصيف “الداعية” يكشف عن الإنتماء العقدي التبليغي لعضو حزب الدعوة الإسلامية، وليس انتماؤه التنظيمي.

وبالتالي؛ فإن مصطلح “الداعية” ينطوي على أعباء عقدية تبليغية ثقيلة، وتبعات سلوكية شمولية؛ فهو ((“دعوةٌ” تمشي على قديمين)) أو ((تجسيد لأهداف “الدعوة” وكيانها)) في نظرته الى نفسه، وفي علاقته بربه، وحركته في أسرته ومجتمعه وتنظيمه ودائرة عمله وأصدقائه ومعارفه، وفي نشاطه الاجتماعي والسياسي والثقافي والمهني. وهو ما ظلت أدبيات حزب الدعوة الإسلامية وخطابه ينظِّر له ويشدد عليه، منذ مرحلة التأسيس. وإذا كان هذا التوصيف متطابقاً الى حد كبير مع واقع الدعاة في المرحلة التغييرية، أي منذ العام 1957 وحتى العام 1979؛ فإنه بات نسبياً خلال المرحلة السياسية؛ أي بعد العام 1980، وضعف بعد العام 2003؛ أي في مرحلة السلطة.

مستويات “الدعاة”

هناك ثلاثة مستويات من الدعاة والعاملين للإسلام، بينها فروق جوهرية وشكلية:

المستوى الأول: “الداعية” بالمعنى الإسلامي العام، وهو المسلم المثقف الملتزم بالمعتقدات والأحكام الشرعية في فكره وسلوكه، المعبأ بالثقافة الإسلامية التراثية والعصرية، المتعلم، الناشط، الناقد للواقع. وتتلخص مهمته في الدعوة الى الإسلام وشريعته، وتغييرالواقع، والتأثير في المجتمع، والتبليغ بالثقافة الاسلامية، ونشر الأحكام الدينية، والتبشير بالمشروع الإسلامي في أبعاده المختلفة، الفكرية والسياسية. أي أنه نموذج النخبوي الإسلامي الذي سخّر حياته لنشر الدين ومشروعه وخدمة الخلق. ولا يمكن أن يكون الداعية سياسياً أو عسكرياً أو أكاديمياً أو أديباً محترفاً، أو مجرد رجل أعمال وتاجر ومهني؛ بل أنه يمارس السياسة والعمل العسكري والنشاط الأكاديمي والأدبي والمالي لأهداف دينية دعوية، أي أنه داعية ومبلغ مثقف متفقه منتج، قبل أن يكون سياسياً أو عسكرياُ أو مهندساً أو فلاحاً أو موظفاً. وإذا لم يكن الداعية بهذه المواصفات المتكاملة؛ سقطت عنه صفة الداعية بمعناها الإصطلاحي، ولن يستطيع تحمل أهداف العمل للإسلام وأعبائه.

المستوى الثاني: “الداعية” بالمعنى الإسلامي الخاص، وهو “الداعية” العضو في حزب الدعوة الإسلامية، والذي تنطبق عليه جميع مواصفات وشروط وإلزامات الداعية الإسلامي بالمعنى العام، والمذكورة في المستوى الأول، مضافاً إليها أعباء دعوية جديدة خاصة، لا تقل ثقلاً نوعياً وكمياً عن المواصفات العامة، وعي الأعباء التي ترتبط بمشروع حزب الدعوة الإسلامية الخاص، بعقائديته والتزاماته التنظيمية والسلوكية والسياسية والاجتماعية.

المستوى الثالث: “الداعية” بالمعنى السياسي الحزبي، وهو العضو في حزب الدعوة الإسلامية، والذي يمارس عملاً حزبياً وسياسياً في إطار المشروع التنظيمي والسياسي لحزب الدعوة الإسلامية، ولا يلتزم بالمشروع الديني الدعوي والتبليغي للحزب. أي أنه يرى في حزب الدعوة الإسلامية حزباً سياسياً، أو قناة توصله الى الوظيفة أو المنصب السياسي، وليس حزباً له أطر دينية عقدية وفقهية و فكرية، وأنه تأسس على أساس مشروع دعوي وتبليغي إسلامي. وبناء عليه؛ فإن هذا الشخص يحمل عنوان “الداعية” مجازاً؛ لأنه ليس داعية بالمعنى الإصطلاحي الإسلامي العام والخاص؛ فلا يمارس العمل الدعوي والتبليغي الإسلامي، ولا يتمسك بالضوابط السلوكية للداعية الإسلامي، وليس مثقفاً إسلامياً منتجاً مغيراً؛ بل هو مجرد عضو منتظم في حزب الدعوة الإسلامية. وليس بالضروة أن يكون هذا العضو قد انتمى الى الحزب بعد العام 2003؛ بل لعله من الدعاة القدامى، ولكن حصلت لديه استحالة فكرية بمرور الزمن، وتحول من داعية إسلامي، الى رجل سياسة، يتبنى الفكر الليبرالي أو غيره من النزعات الاجتماعية السياسية التي تتعارض مع نظرية “الدعوة”، لكنه بقي مستمراً في عضوية الحزب.

توصيف “الداعية” في العراق الجديد

يرى كثير من “الدعاة”، أن اعتماد توصيف حزب الدعوة الإسلامية لأعضائه، بوصفهم دعاة للإسلام، لم يعد ينطبق على واقع الحزب بعد العام 2003؛ فقد يكون هذا التوصيف مجدياً فيما لو أبقى حزب الدعوة الإسلامية على تعريفه لنفسه كما كان في مرحلة التأسيس ثم خلال عقود الستينات والسبعينات والثمانينات من القرن الماضي، بغاياته وأهدافه الإسلامية التغييرية الكبرى، وعقائديته وعالميته، ومشروعه في إقامة الدولة الاسلامية الفكرية، وتطبيق أحكام الشريعة في المجتمع.

وفيما لو بقيت “الدعوة” متمسكة بماهيتها الأصلية؛ فإن المنتمي إليها سيكون “داعية” إسلامياً وليس عضواً في حزب سياسي، أما إذا قبل حزب الدعوة الإسلامية بالاستحالة والتغيير الماهوي، حتى الجزئي منه؛ فإن ذلك يستتبع تغييراً حتمياً في تعريف الداعية، ووضع قواعد ومعايير جديدة لوصف عضو حزب الدعوة الإسلامية. وعلى أساس ذلك سيتم تقرير نوعية ثقافة هذا العضو وميزانها وحجمها، ومناهج تثقيفه وتدريبه، وطبيعة سلوكياته الخاصة والعامة، كي يكون التقرير هنا لكائن واقعي قائم، وليس مفهوم ذهني مجرد.

إن التعريف المتحول لـ “الداعية” وتوصيفه الايديولوجي والوظيفي الحزبي؛ سيدخل دائرة إعادة النظر تلقائياً في إطار عملية إعادة بناء نظرية حزب الدعوة الإسلامية ومشروعه الفكري والسياسي، وسيتبين حينها التعريف الجوهري والشكلي لأعضاء الحزب، فيما لو كانوا دعاةً للإسلام، بكل ما يعنيه هذا المصطلح، أو أنهم أعضاء في حزب سياسي، أو أنهم يجمعون التوصيفين معاً. وربما سيكون الجمع هو الأكثر التصاقاً بنظرية “الدعوة” وبواقع الحزب والتغيير في العراق بعد العام 2003.

 

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment