تجارب مشاركة الشيعة المعاصرة في السلطة السياسية

Last Updated: 2024/04/13By

تجارب مشاركة الشيعة المعاصرة في السلطة السياسية

د. علي المؤمن

تشكل مشاركة الشيعة، كقوة محلية منظمة، في قيادة الدول والحكومات، إلى جانب السنة؛ ظاهرة جديدة، باستثناء التجارب الإيرانية التقليدية، ويمكن الإشارة هنا الى تجارب المشاركة الأساسية هذه في عدد من الدول العربية والإسلامية، وتحديداً لبنان وآذربيجان وأفغانستان والعراق وسوريا واليمن:

    1- لبنان:

مثّل لبنان نقطة التحول الأُولى في مسار مشاركة الشيعة الفاعلة في السلطة، وتحديداً بعد العام 1980. صحيح أنّ مشاركة الشيعة في مؤسسات الدولة اللبنانية، بعنوانهم الطائفي، يعود إلى ثلاثينات القرن الماضي، وذلك في إطار النظام السياسي اللبناني الطائفي ومحاصصاته، إلّا أنّها كانت مشاركة فردية أو عائلية، وتحت عناوين الأحزاب المسيحية أو السنية غالباً، وليس في إطار مشروع شيعي، ولكن دخول حركة أمل وحزب الله المعترك الحكومي حوّل عنوان هذه المشاركة إلى المشـروع الشيعي الحقيقي المنظم ذي الطابع المذهبي الإسلامي، أسوة بباقي الطوائف اللبنانية التي تمارس العمل الحكومي بمشاريعها الطائفية وأحزابها السياسية. وبالتدريج تحوّل الشيعة في لبنان من طائفة مهمشة ضعيفة متفرقة، يهيمن عليها الإقطاع الاجتماعي والسياسي والمالي الشيعي العائلي، إلى القوة السياسية والاقتصادية والاجتماعية الأُولى في لبنان منذ مطلع الألفية الثالثة، ومن ورائهم الدعم الإيراني المباشر. وتعود جذور هذا الصعود إلى ثلاثة مشاريع رئيسة: المشروع التأسيسي التنموي الشامل للسيد موسى الصدر، والمشروع التغييري الخاص لحزب الدعوة الإسلامية، ومشروع حزب الله بعد العام 1982.

    2- آذربيجان:

في آذربيجان، برزت بدايات هذه المشاركة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي واستقلال آذربيجان في العام 1992، وتحول التيار الإسلامي الشيعي، في غضون سنة واحدة، إلى القوة الثانية بعد التيار الشيوعي الذي أعاد بناء نفسه على أفكار جديدة، قومية ليبرالية علمانية، كما أعاد سيطرته على الدولة ولا يزال. ورغم أنّ العناصر البشرية للتيار العلماني الحاكم في آذربيجان هم من الشيعة (وراثياً)، إلّا أنّهم لا يرتبطون بالمذهب بأي رابط وجداني أو اجتماعي أو ثقافي أو ديني، على العكس من التيار الإسلامي الذي يطمح إلى استعادة آذربيجان الشيعية استحقاقها من الحضور الديني المذهبي الطبيعي. ورغم التدخل التركي القوي في الشأن الآذربيجاني بذريعة القرابة القومية، وهي قرابة غير واقعية؛ لأنّ القومية الآذرية ليست قومية تركية، بل هي جزء من العرقية الميدية الآرية، إلّا أنّ حقيقة النفوذ التركي تقوم على قاعدة حماية النظام العلماني ودعم الأقلية السنية الآذربيجانية، للحيلولة دون عودة آذربيجان دولة إسلامية شيعية، كما كانت قبل اقتطاع روسيا لها من إيران في الأعوام 1821 ـ 1828. وهو الهدف الإسرائيلي نفسه؛ إذ يعمل النفوذ الإسرائيلي القوي في آذربيجان على تحويل البلد إلى قاعدة ضد الجارة الجنوبية إيران، والحيلولة دون استثمار إيران نفوذها الإيديولوجي الطبيعي في آذربيجان. وبالتالي؛ فإنّ التحالف الثلاثي بين النظام الآذربيجاني وتركيا وإسرائيل، هدفه منع النهوض الإيديولوجي الشيعي في البلاد، والذي يمثل أكثريته السكانية (75 % من عدد السكان).

    3- أفغانستان:

اندفع شيعة أفغانستان نحو المشاركة في الحكومة ومؤسسات الدولة، بصورة منظمة، وكقوة سياسية إسلامية متميزة، بعد سقوط الحكم الشيوعي في العام 1992، عقب نضال طويل متواصل ضد مثلث القهر والتهميش، والتي تتمثل أضلاعه بالأنظمة الطائفية الملكية، ثم النظام الشيوعي والاحتلال السوفيتي، ثم مرحلة سيطرة الجماعات الوهابية التكفيرية. ومن خلال نفوذها في أفغانستان، فرضت إيران على حلفائها السنة أن يكون للشيعة حضوراً ثابتاً وحقيقياً في سلطات الدولة، تتناسب ونسبتهم السكانية؛ إذ احتفظ الشيعة بعد العام 2001 بمنصب نائب رئيس الجمهورية وعدد من الوزراء وأعضاء مجلس النواب والقضاة، رغم المعارضة الشديدة للسعودية وباكستان والقوى الوهابية والطائفية المحلية. وبذلك حقق شيعة أفغانستان المهمّشون، ما كان بالنسبة لهم مجرد أحلام ممنوعة قبل ذلك التاريخ.

    4- العراق:

مثلت مشاركة شيعة العراق في قيادة الدولة والحكومة، بعد العام 2003، منعطفاً كبيراً في تاريخ الشيعة في العالم والمنطقة العربية والعراق، بل صدمة تاريخية متفردة، بالنظر لما يمثله العراق من أهمية استراتيجية على كل المستويات؛ إذ ظل شيعة العراق طوال القرون السابقة، وتحديداً منذ سقوط الدولة الصفوية في إيران، محكومون من نظام سياسي تقوده الأقلية السنية العربية التي لا تزيد نسبتها على 16 % من عدد سكان العراق، رغم كون الشيعة يمثلون الأكثرية السكانية في البلاد (حوالي 65 % من عدد سكان العراق وفق إحصاءات العام 1990). في حين احتفظ الشيعة بعد العام 2003 بأهم مناصب الدولة، بما يتناسب ونسبتهم السكانية، في إطار نظام سياسي ديمقراطي تعددي، خلف النظام العراقي الطائفي العتيد. ولم تكن مشاركة الشيعة هذه شبيهة بالمشاركات الفردية لبعض الشيعة في مناصب الدولة أو في إطار الأحزاب السنية قبل ذلك التاريخ، بل بصفتهم المذهبية السياسية، وفي إطار قواهم الإسلامية السياسية المنظمة، كحزب الدعوة الإسلامية والمجلس الأعلى الإسلامي العراقي والتيار الصدري وغيرها. ورغم ما يعتري هذه المشاركة من إشكاليات واتهامات وشبهات؛ إلّا أنّ ما نتحدث عنه هو أصل المشاركة وتشريعاتها، وليس الأداء؛ إذ إنّ الأداء والتنظيمات والأشخاص يتغيرون بمرور الزمن، ولكن يبقى أصل مبدأ المشاركة، الذي ترى القوى الشيعية الإسلامية العراقية في المحافظة عليه واجباً مصيرياً ووجودياً. وقد مارست إيران ومرجعية النجف دوراً أساسياً في التأسيس لهذه المشاركة ودعمها والمحافظة عليها.

وترى النخبة الشيعية بأن فرصة السلطة بالنسبة لشيعة العراق ولعموم الشيعة العرب، هي فرصة تاريخية استثنائية، ينبغي الإمساك بها بكل قوة، وتثقيف المجتمع العراقي على ذلك، الى جانب التقويم والإصلاح والتصحيح على يد عناصر قوية أمينة من داخل النظام الاجتماعي الديني والسياسي الشيعي، وليس من خارجه، وليست متعارضة معه. وتراهن هذه النخبة على ظهور جيل جديد في العقود القادمة، يحقق الغايات والأهداف التي انتظرها شيعة العراق طوال (1350) عاماً، كما يحقق للعراق أمنه السياسي والمجتمعي، وتقدمه، ورفاه شعبه، بكل مكوناته، لأن نجاح التجربة الشيعية العراقية سينعكس إيجاباً على الشيعة في مختلف البلدان العربية.

    4-سورية:

في سورية حدث انقلاب في موازين القوى الإقليمية والمحلية بعد شن الحرب على النظام السوري بعد العام 2011 من القوى الطائفية الإقليمية، ودخول سورية رسمياً في المحور الإيراني، أي انتقال العلاقة من حالة التحالف بين البلدين إلى حالة التبني الإيراني للنظام السوري، ومنع إيران سقوطه بكل الوسائل. وقد سمح هذا الواقع بتحول شيعة سورية إلى قوة سياسية وقتالية مؤثرة إلى جانب علويي سورية الحاكمين، الأمر الذي خلق واقعاً مذهبياً جديداً في النظام السياسي، دفع بعض شيعة سورية إلى مواقع متقدمة في القوات المسلحة والحكومة والمؤسسة الدينية.

    5- اليمن:

مثلما كان المنعطف العراقي بعد العام 2003 صادماً للتاريخ وللأنظمة والجماعات الطائفية؛ فإنّ ما حدث في اليمن من تحول سياسي كبير بعد العام 2015 من خلال سيطرة جماعة أنصار الله (الحوثيون) على العاصمة صنعاء والسلطة في اليمن؛ شكل منعطفاً صادماً هو الآخر. صحيح أنّ جماعة أنصار الله هي جماعة شيعية زيدية وليست اثنا عشـرية بالأساس؛ إلّا أنّ عوامل مختلفة، بينها التبني الإيراني للجماعة، وتصاعد نفوذ اليمنيين الشيعة الاثني عشرية داخل الجماعة، إضافة إلى العامل التاريخي الأساسي المتمثل بطائفية النظام السياسي في اليمن ودعمه للجماعات الوهابية ضد الشيعة الزيدية، وتدخل النظام السعودي المباشر لدعم تحركات النظام والقبائل والجماعات الوهابية المسلحة للقضاء على حراك الزيديين؛ دفع القادة الزيديين للتحالف مع الاثني عشرية وإيران وبعض القوى الشيعية العراقية واللبنانية؛ مما أعطى دفعاً قوياً للواقع الشيعي في اليمن ومشاركة عناصره في مراكز القرار السياسي والعسكري.

هذه التجارب الست المهمة للقوى السياسية الشيعية، في لبنان وآذربيجان وأفغانستان والعراق وسورية واليمن، والتي أخرجت أنظمة هذه البلدان من معسكر الأنظمة الطائفية الموغلة في تهميش الشيعة وقمعهم، إلى معسكر الأنظمة السياسية المحايدة مذهبياً؛ قلبت موازين المعادلة الطائفية السياسية في منطقة الشرق الأوسط، وتحولت إلى مصدر رئيس لقوة النظام الاجتماعي الديني الشيعي. هذا الانقلاب في المعادلة الطائفية السياسية؛ دفع الأنظمة الطائفية في المنطقة والجماعات الطائفية المحلية، إلى شن حروب شاملة ضد تجارب المشاركة الشيعية هذه، وضد القوى السياسية الشيعية التي تتصدرها، وضد إيران الداعمة لها، بمختلف الذرائع الطائفية والسياسية والدعائية، وصولاً إلى دفع الجماعات التكفيرية والقومية المسلحة للقيام بأعمال العنف والتفجير المروعة، فضلاً عن التخريب السياسي والتشويه الإعلامي.

 

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment