تأصيل مبدأ ولاية الفقيه

Last Updated: 2024/04/13By

تأصيل مبدأ ولاية الفقيه

د. علي المؤمن

لقد بحث المحدثون والفقهاء هذا الموضوع في كتب الحديث والفقه منذ عصر الشيخ المفيد، الذي أشار إلى مبدأ ولاية الفقيه في كتابه «المقنعة» قبل نحو (1050) عاماً. وتبلور مفهوم ولاية الفقيه النائب عن الإمام المهدي بمرور الزمن، بعد أن أخذ نصيبه من التأصيل. إلّا أنّ البحوث الفقهية الاستدلالية للشيخ محمد بن مكي الجزيني العاملي المعروف بالشهيد الأول (ت  786 ه‍/ 1384 م)، كانت علامة فارقة في هذا المجال، ولا سيما كتابه «اللمعة الدمشقية»، حتى إنّ بعض الفقهاء المعاصرين يعدّه أول من طبّق هذا المبدأ بصورته الشاملة. يقول الشيخ عبد الهادي الفضلي في معرض تحليله لأسباب إعدام الشيخ العاملي: «أمّا الإدانة ـ حقيقة ـ فكانت لأنّه كان يقول بمبدأ ولاية الفقيه، وكوّن له تحت مظلتها مرجعية كبيرة في ربوع الشام… وبدفع قوي من هذه المرجعية تحرك في ربوع الشام لتجميع فلول الشيعة، وجمع أمرهم، وإقامة سلطة سياسية شرعية لهم، فجبى الأموال وأعدّ الرجال، واتصل بحكومات الشيعة في وقته سراً وعلانية».

ثم جاء الشيخ علي الكركي العاملي (ت 940 ه‍/1533 م) ليكمل صياغة مفهوم «نيابة الإمام» ويضعه إطاراً وركيزة أساسية للفقه السياسي لمدرسة الإمامة في عصر الغيبة، ويحوّله إلى واقع عملي، حيث «سار الشيخ الكركي في مرجعيته العامة وزعامته للطائفة؛ سيرة الشهيد الأول؛ فقد كان يقول بولاية الفقيه، وأدار في هديها وبحكم نيابته عن الإمام المهدي، شؤون الدولة الصفوية. وكان شاهات الدولة الصفوية عموماً يظهرون ولاءهم للولي الفقيه، ويعتبرون أنّ الملك له في الأساس، وهم مفوّضون عنه».

ونشير هنا إلى وثيقة كتبها الشيخ جعفر الجناجي النجفي المعروف بكاشف الغطاء (ت 1228 ه‍/ 1813 م)، وتُعدّ من وثائق التحوّل الذي شهده تطبيق مبدأ «ولاية الفقيه». هذه الوثيقة عبارة عن تفويض منحه الشيخ جعفر كاشف الغطـاء إلى السلطان فتح علي شـاه القاجـاري، تُمَكِّن الأخير من التصـرف في الشأن السياسي العام والخراج والزكاة، جاء فيها: «أذِنتُ للسلطان فتح علي شاه في أخذ ما يتوقف عليه تدبير العساكر والجنود، ورد أهل الكفر والطغيان والجحود، من خراج أرض مفتوحة بغلبة الإسلام، وما يجري مجراها». ثم يوصي الشاه بتنفيذ عدد من القضايا ذات العلاقة بالجوانب السياسية والمالية والدعوية.

وقد ظهر في النصف الأول مـن القـرن الثالث عشر الهجري (التاسع عشـر الميلادي)، عدد من البحوث الفقهية التي ركزت مبدأ نيابة الفقيه العادل الجامع لشـروط التقليد للإمام المهدي، وتحدثت عن صلاحيات الفقيه وحدودها ومساحات ولايته وأنواعها، وهي عموماً بحوث أدخلت الفقه السياسي الشيعي مرحلة جديدة، وأهمها:

1ـ «ولاية الحاكم الشرعي» للشيخ أحمد النراقي (ت 1245 هـ/ 1829 م)، وهو عبارة عن فصل من كتاب «عوائد الأيام»، ويُعدّ باكورة البحوث الفقهية الاستدلالية الجامعة التي أكدت اختصاص الفقيه (الجامع للشرائط) بولاية الحكم والإفتاء والقضاء وإقامة الحدود والتصرف في الأموال الشرعية وشؤون القاصرين، بمساحة الولاية نفسها التي كانت للنبي والأئمة؛ إلّا أنّ يقـوم دليـل شـرعي على الاستثناء. ورغم أن الشيخ النـراقي لم يصرح بولاية الفقيه على الحكم واختصاصه برئاسة الدولة الإسلامية، بالنظر لما يبدو من ابتعاد هذا الموضوع عن الواقع، وكأنه من أشد الموضوعات افتراضاً آنذاك، إلّا أنّ منهجية البحث واستدلالاته واستنتاجاته تشير بمجموعها إلى رأي الشيخ النراقي باشتمال ولاية الفقيه على شؤون الدولة والحكم أيضاً وعدم اقتصارها على الفروع الأربعة المجمع عليها.

2 ـ «الولايات والسياسات» للشيخ مير فتاح حسين المراغي (ت 1250 ه‍ / 1834 م)، وهي ثلاثة بحوث مستقلة من كتاب «العناوين» الفقهي الاستدلالي. درس المؤلف في أحدها موضوع ولاية الفقيه، وأثبت فيه الولاية العامة للحاكم الشرعي (الفقيه). وبالرغم من أهمية كتاب «العناوين» في الاستدلال على موضوعات ولاية الفقيه؛ إلّا أنّها لم تحظ بالاهتمام.

3 ـ «الجهاد» و«المكاسب المحرمة» للشيخ محمد حسن النجفي المعروف بصاحب الجواهر، وأحياناً بالجواهري (ت 1266 هـ/1850 م)، وهي بحوث من كتاب «جواهر الكلام». وقد تطرق في باب «المكاسب المحرمة» إلى موضوع شرعية ولاية الحكم والقضاء، بالنسبة للحاكم العادل، وأحكام الأراضي الخراجية. كما بحث في باب «نفوذ تصرفات الأولياء» بعض شؤون ولاية الحاكم الشرعي (الفقيه).

4 ـ «مناصب الفقيه» للشيخ مرتضى الأنصاري (ت 1281 هـ/ 1864 م)، وهي مجموعة بحوث متفرقة من كتاب «المكاسب» الفقهي الاستدلالي. وقد وردت معظم بحوث ولاية الفقيه في قسم البيع منه. واستدل فيه على أنّ الولاية على الأنفس والأموال هي من اختصاص الفقيه الجامع لشَرطي الأعلمية والعدالة وغيرهما، وأنّ ولايته تشمل أيضاً الولاية على الحكومة والعمل على إقامتها، والقضاء، وإقامة الحدود، والفتوى.

وسار الفقهاء الذين برزوا بعد الشيخ الأنصاري على منهجه الفقهي، ومبناه الاجتهادي في هذا المجال، ومنهم: السيد محمد بحر العلوم (ت 1326 ه‍/ 1908 م) في باب «الولايات» من كتاب «بُلغة الفقيه»، والشيخ الميرزا محمد حسين النائيني في «كتاب البيع».

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment