بين الأديب المسلم والأديب الإسلامي

Last Updated: 2024/04/13By

بين الأديب المسلم والأديب الإسلامي

د. علي المؤمن

هل تكمن إشكالية الأدب الإسلامي في إنتاجه؟ أو في انتمائه وانفتاحه؟ أو في أصل التسمية؟. ولا شك أن تحديد مكمن الإشكالية، سيضعنا على بداية الطريق، ويوضح اتجاه الموضوع. ولعل أصل الإشكالية ليس في الانتماء أو الانفتاح؛ إذ ليس هناك تعارض بين انتماء الأديب الإسلامي وانفتاحه، بل تكمن الإشكالية في المساحة التي يتحرك فيها الأديب الإسلامي بين انتمائه للايديولوجية الإسلامية التي يتبناها، وانفتاحه على الآخر، لأن الانفتاح في أطره المتوازنة لا يلغي الانتماء.

وحيال اصطلاح «الأديب الإسلامي»، تقفز إلى الأذهان الثنائية السائدة: أديب مسلم أم أديب إسلامي؟، ومرد الجدل هو «المسلم» الذي ينتسب إلى الإسلام بالاسم، و«الإسلامي» الذي يتبنى الإسلام مشروعاً لقيادة الحياة، وهو جدل قديم، تعرّض له حتى الكتّاب الغربيون والمستشرقون. ولا شك أن بين الاثنين اختلافاً مفهومياً واضحاً؛ فقيد «الإسلامي» إلى جانب «الأديب» له دلالات عقدية وفكرية؛ فـ«الإسلامي» إطار يحدد اتجاه الأديب ورؤيته للحياة والكون، ويضع لإنتاجه الأدبي أسساً وقواعد مضمونية وشكلية نابعة من أصل العقيدة الإسلامية.

أما المعني بالانفتاح والانتماء؛ فهو الأديب الإسلامي، وليس الأدب الإسلامي، لأن الأدب الإسلامي هو المدرسة وهو الانتماء، وما على الأديب إلّا أن يحدد موقفه من هذا الانتماء، وموقفه من المدارس الأخرى. وتبقى جدلية المعيار في تحديد الانتماء؛ فمن ينتمي إلى من؟ الأديب إلى الأدب؟ أم الأدب إلى الأديب؟

في المدارس الأدبية الوضعية، تنتمي المدرسة إلى الأديب الذي أسسها وصنعها، ثم ينتمي الأتباع الأدباء إلى المدرسة تحت مسمى مؤسسها، ولكن في المدرسة الإسلامية، لا يصنع الأديب النظرية وحده؛ لأن فيها أبعاداً واسعة: عقدية وشرعية وفكرية وفنية، لا يدخل كثير منها في اختصاص الأديب؛ فالنظرية الأدبية الإسلامية يتظافر على تأسيسها وتحديد معالمها ومساراتها المختلفة كل من الفقيه والمفكر والأديب معاً. وفي النتيجة يكون الأدب الإسلامي هو معيار الانتماء والالتزام، وليس الأديب؛ فإذا التزم الأخير في إنتاجه الأدبي بنظرية الأدب الإسلامي، فإنه يكون أديباً إسلامياً، ولا يكفي التزامه النظري والسلوكي العام بالإسلام وأحكامه.

وهنا تطرح التصورات التالية حول ماهية الأدب الإسلامي:

  • الأدب الإسلامي هو الذي يكون منتجه إسلامياً، أي الأديب نفسه.
  • الأدب الإسلامي هو الذي يحتوي على تعبيرات ومظاهر إسلامية، أو تعابير ومظاهر تتوافق مع التصور الإسلامي، وهو ما يعبِّر عن الجانب الشكلي في الأدب.
  • الأدب الإسلامي هو الذي يكون ذا مضامين إسلامية أو مضامين تلتقي بالتصور الإسلامي، وهو ما يعبِّر عن جوهر الإنتاج الأدبي ومضامينه.
  • الأدب الإسلامي هو الذي يخدم أهدافاً إسلامية، وهو جانب التأثير.

ولعل أغلب أصحاب الاختصاص يذهبون إلى أن التصور الرابع هو المعيار، مع الالتزام بالأساسين الثاني والثالث دون الأول. وهذا يعني أن الأدب الإسلامي هو الأسلوب الأدبي – الفني الذي ينطوي على أهداف إسلامية، ويعبر عنها، ويؤدي دوره المطلوب في إطار عملية التأثير على العقول والضمائر والمشاعر. كما يعني أن الانتساب الديني للأديب لا أثر له هنا؛ فقد يكون الأديب غير مسلم، ولكن له نتاجات أدبية إسلاميةً، كجورج جرداق وبولس سلامة وعبد المسيح الأنطاكي؛ فهؤلاء نصارى، ولكن بعض نتاجاتهم تمثّل أدباً إسلامياً يتمتع بالميزات والمعايير الدينية من حيث الشكل والمضمون والتأثير. وعلى العكس من ذلك حينما يصدر عن الأديب، أدبٌ لا يخضع للشروط الشرعية والعقائدية؛ فذلك أدب غير إسلامي، حتى إذا كان منتجه ينتمي انتماءً عقائدياً وسلوكياً متكاملاً إلى الإسلام.

و«الانتماء» هنا على نوعين:

  • انتماء الأديب، أي أن يكون الأديب مؤمناً بالإسلام نهجاً يقود الحياة.
  • انتماء الأدب، أي أن يكون الإنتاج الأدبي ملتزماً بنظرية الأدب الإسلامي بصيغها العقدية والشرعية.

وهنا نعود إلى القول بأن ملاك التصنيف إلى أدب إسلامي أو غير إسلامي ليس شخص الأديب، إنما النتاج الأدبي نفسه؛ فيكون المراد بالانتماء هو الثاني، أي انتماء النتاج الأدبي، مع أخذ انتماء الأديب أيضاً بنظر الاعتبار، لمدخليته النفسية في تقبّل المتلقّي للنتاج الأدبي، ولا سيما في مجال التأثير وتحقيق الأهداف، فربما يجد بعض المتلقين صعوبة في تلقي أدب إسلامي من أديب ليس ملتزماً.

ولعل «الانتماء» و«الالتزام» وجهان لعملة واحدة؛ فلا فارق بينهما في الجانب الاصطلاحي، ولكن من الناحية المفهومية ربما يعني الانتماء انتماء الأديب للنظرية الإسلامية بالكامل، وأنه أصبح جزءاً منها، في حين أن الالتزام قد يعني التزام الأديب بالنظرية؛ لظرف معيّن، دون أن ينتمي إليها ويندك بها. وهذا الرأي على ما فيه من تفصيلات؛ فإنه لا يعطي خصوصية للانتماء على حساب الالتزام.

أما «الانفتاح»، فالمراد منه انفتاح الأديب الإسلامي على المدارس الأدبية الأخرى، أي استثمارها والاستفادة من أساليبها المضمونية والشكلية وطرقها في التأثير، وهو انفتاح نسبي وليس مطلقاً، أي انفتاح خاضع لمعايير وضوابط محددة؛ فالمطلق يعني أن الأديب لا يلتزم بأية محددات وضوابط يمليها التصور الإسلامي على نتاجه الأدبي. وتفرض هذه النسبية وجود مساحة أو بينية معيّنة تصل انتماء الأديب بانفتاحه، وتقرن الانفتاح بالانتماء؛ فيكون الأديب منتمياً ومنفتحاً في الوقت نفسه، بهدف تأصيل النتاج الأدبي من جانب، وتحسين نوعه من جانب آخر. وحين يتجه الأديب نحو الانفتاح؛ فإن أول مقدّمة تواجهه تتمثل في فهم التيّارات والمدارس الأدبية الأخرى، فهماً دقيقاً وواعياً ومعيارياً، ليعي ما يأخذ وما يريد.

 

 

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment