بين استشراف مستقبل النظام الاجتماعي الديني الشيعي وصناعته

Last Updated: 2024/04/13By

بين استشراف مستقبل النظام الاجتماعي الديني الشيعي وصناعته

د. علي المؤمن

ينطوي الحديث عن مستقبل النظام الاجتماعي الديني الشيعي على ثلاثة محاور رئيسة:

1- دراسة واقع النظام ومكوناته، ومراجعة أدائها وتقويم مساراتها، والعودة الى مبادئ مؤسسي النظام وقياداته، وثوابتهم وسلوكياتهم، والأهداف التي وضعوها لحراكاتهم، وخاصة المنظومات والكيانات والتنظيمات والمؤسسات التي يتمظهر فيها النهوض الشيعي الشامل، دون الاستغراق في الانشغالات الحكومية والسياسية والدفاعية، أو التوقف عند الإنجازات والنجاحات، التي تتسبب في غفلة أو تغافل عن أغلب السلبيات والأخطاء التي تكبر تدريجياً، ثم تتدحرج ككرة الثلج، لتطيح بالكثير من الإنجازات. وستكون مخرجات هذه الإجراءات وأشكالها ومضامينها، بمثابة معطيات الحاضر التي تنطلق منها عملية استشراف مستقبل النظام الاجتماعي الديني الشيعي وصناعته.

2- استشراف مستقبل النظام وتشوّف آفاقه، والوقوف على سيناريوهات هذا المستقبل كما ترسمها معطيات الحاضر، في إطار المنهجيات العملية التي وضعتها الدراسات المستقبلية الحديثة أو ما يعرف بعلم المستقبليات أو علم المستقبل.

3- التخطيط لمستقبل النظام واستمرار صعوده ونهوضه، على مديات مختلفة، قصيرة ومتوسطة وبعيدة، وطرح البدائل المناسبة، وفق رؤية استراتيجية، تهدف الى صناعة هذا المستقبل، وليس مجرد استشرافه والانسياق مع الأحداث الداخلية التي ستكتنفه، والخارجية التي ستحيط به.

لا شك أنّ مظاهر صعود النظام الاجتماعي الديني الشيعي ونهوضه الشامل ونهوض مكوناته وتحديث سياقاته؛ يسير بوتيرة واحدة غالباً منذ العام 1979، وتحولت من مرحلة التدافع والصراع على بقاء المشروع الجديد في وجه التحديات الوجودية الكبيرة في العقدين التاسع والعاشر من القرن الماضي، وحتى مرحلة الاندفاع والصعود المصطرد منذ العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، رغم أن بعض محاور الصعود لا تزال متلكأة، كما هو الحال في آذربيجان والبحرين وشرق السعودية وباكستان، بسبب شدة القمع والحركات المضادة. وهذا النهوض يشتمل على محاور جغرافية وموضوعية ومؤسساتية، كما يحدث في إيران والعراق ولبنان واليمن وسوريا، إضافة الى أفغانستان والهند وسورية وكثير من الدول الخليجية والعربية، وكذلك في أوروبا وامريكا في البعد الجغرافي، والمؤسسية، ويقصد به المؤسسات الحوزة العلمية والمرجعية والأحزاب السياسية وحركات المقاومة، والموضوعية ويشمل مجالات الحكم والسياسة والدفاع والتشريع والمعيشة والاقتصاد والعلوم والتكنولوجيا والتجديد الفكري والفقهي.

وبما أن عملية الإصلاح والتجديد والمأسسة والتطوير والتخطيط والتنمية الاستراتيجية هي عملية تخصصية، لأنها تستهدف موضوعات ومجالات ومؤسسات تخصصية؛ فإنّ هذا العملية ينبغي أن تتم على إيدي المتخصصين من داخل المؤسسات أنفسها. فلو أخذنا ــ مثلاً ــ منظومة المرجعية الدينية ومؤسستها العلمية الدينية؛ فإن من الطبيعي أن تكون عملية تجديد بناها وإعادة مأسستها والتخطيط لمستقبلها، من داخل المؤسسة وليس من خارجها، أي أنها ليست مهمة المثقف أو الأكاديمي الشيعي، الذي يعطي لبعضهم الحق في التنظير لثوابت المرجعية الدينية والتخطيط لإصلاحها. نعم؛ من الطبيعي أن تستمع الى أصحاب اختصاصات في النظم والقانون الدستوري والقانون الدولي وعلم الاجتماع والإنثربولوجيا والإدارة والاقتصاد والمالية، وتستشيرهم في عملية التجديد والتخطيط، لأنّ المؤسسة الدينية الشيعية ليست مؤسسة فتوي، إنّما هي زعامة النظام الاجتماعي الديني الشيعي الذي يرعى شؤون الشيعة فيما يقرب من (120) دولة من دول العالم. ولهؤلاء الشيعة مجتمعات كبيرة، ومؤسسات ومساجد وحقوق شرعية ومشاكل مع السلطات، وعلاقات داخلية وخارجية، إشكاليات سياسية وثقافية وقانونية، ويقع الإشراف على حلها على عاتق المرجعية الدينية الشيعة.

ومن البديهي أن تكون عملية التطوير وإعادة المأسسة والتخطيط منسجمة مع متطلبات الزمان والمكان وحاجات العصر، وكذلك مع طبيعة صلاحيات المرجعية وطبيعة مسؤوليات النظام الاجتماعي الديني الشيعي؛ فلو كانت صلاحيات وواجبات المرجع الأعلى الذي يقف على رأس النظام الاجتماعي الديني الشيعي؛ تتلّخص في الفتوى فقط؛ فلن تكون هناك حاجة إلى عملية إصلاح معقّدة، أي أن التجديد سينحصر في إطار الفكر الفقهي والفكر الأصولي وعلوم القرآن والحديث، باعتبار أن القضية قضية اجتهاد وفتوى وحكم شرعي لا اكثر، ولكن المرجع الديني ليس مفتياً وحسب، ولا تنحصر مهمته بالإفتاء، وإنّما بزعامة المجتمع الشيعي برُمّته.

وقد أشرت في مقال سابق إلى موضوع إيجاد مؤسسة من المجتهدين، يمثلون أهل الخبرة، ويكونون بمثابة مؤسسة استشارية لاختيار مراجع التقليد، كما تختار المرجع الأعلى المتصدي من بين المراجع المطروحين، وتعرِّفهم لجمهور الشيعة، كما تتحمل مسؤولية الاستشارة في كل الشؤون التي لها علاقة بالنظام الاجتماعي الديني الشيعي. ويكون هناك مجلس آخر من كل الاختصاصات العلمية والشرائح الاجتماعية، كالخبراء في السياسة والعلاقات الدولية والإدارة الاقتصاد وعلم الاجتماع والقانون والإنثروبولوجيا، لتقديم المشورة الى المرجعية الدينية ومكتبها مؤسساتها بشأن الموضوعات والقضايا والمصالح المتعلقة بالنظام الاجتماعي الديني الشيعي، لأن قضايا بحجم رعاية (400) مليون إنسان، بحاجة إلى عقول تنظيمية وإدارية، تعمل بحذر ودقة بإشراف المرجع وتوجيهه، لكي لا تصطدم بأصل تشريعي أو تكييف فقهي أو مصلحة عامة، لأنّ التخطيط وإعادة البناء ليست عملية اعتباطية أو مزاجية، أو فكرة ناجزة أو مقترح جاهز. وهذا اللون المنهجي والعلمي من الاستعانة بالمستشارين والخبراء، سيريح المرجع الأعلى، وسيزيل عن كاهله وكاهل مكتبه وفريقه المقرّب حملاً ثقيلاً، وسيجعل عملية اتخاذ القرارات وتنفيذها سهلة من قبل المرجع، وأكثر مقاربة للمصلحة.

 

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment