انفتاح الأديب الإسلامي على مدارس الأدب العالمي

Last Updated: 2024/04/07By

انفتاح الأديب الإسلامي على مدارس الأدب العالمي

د. علي المؤمن

تقود عالمية الإسلام، عقيدة وخطاباً وأهدافاً، الى ضرورة أن يكون الأدب الإسلامي عالمياً وإنسانياً من جهة، وأن ينفتح على المدارس الأدبية العالمية الأخرى، للاستفادة من أدواتها وتقنياتها من جهة أخرى، كما ذكرنا، لأن الإسلام يخاطب الناس كافة، فضلاً عن أن النزعة الإنسانية المتفردة فيه، ينصف حتى غير المسلم، ويدافع عن قضاياه الحقة؛ فالناس من وجهة نظر الإسلام «صنفان: إما أخ لك في الدين، أو نظير لك في الخلق»، كما يقول الإمام علي(ع)، أي أن توصيفات مثل: الأدب الموجّه، الأدب الهادف، الأدب الإنساني، الأدب الملتزم؛ كلها تحكي عن مضمون واحد يصبّ في خدمة الإنسان.. الخليفة وقضاياه، وبالتالي تخدم الهدف الديني.

والحديث عن الأدب الإسلامي ليس حديثاً عن مدرسة أدبية محضة، أو مدرسة أدبية وضعية مؤدلجة، في مقابل المدارس الأدبية المعروفة عالمياً، كالكلاسيكية والرومانسية والواقعية والوجودية والاشتراكية وغيرها؛ فالأدب الإسلامي هو تعبير عن التصور الإسلامي للأدب، وهو ما يعني خضوع الأديب الإسلامي لجملة من الضوابط العقيدية والشرعية التي أفرزها ذلك التصور، ولا سيما إذا أراد الأديب التحرك في مساحات أوسع وتوظيف أدوات وآليات أدبية جديدة، أو بتعبير آخر الانفتاح عليها.

فالمدرسة الكلاسيكية – مثلاً – فيها مجالات مضمونية واسعة يستثمرها الأديب الإسلامي، وكذلك حيّز محدود من المدرسة الرومانسية، التي تجنح في خيالها وتبالغ في العواطف إلى حد تسويغ كل الصور العاطفية المثيرة، وحيز من المدرسة الواقعية التي لا ترى أي شيء آخر غير الواقع والحدث، كالمبادئ والقوانين، وفي الوقت نفسه ترى أن ذلك الواقع هو واقع شرير في حقيقته، وكذلك المدرسة الرمزية التي تتميز بغموض المعاني والدلالات وغموض الصور التي ترسمها إذ إنها تتعامل مع اللاوعي والوجود الذهني فقط، وربما تقترب منها المدرسة السريالية، التي تتعامل مع الوعي الباطن وتداعياته.

والاستفادة من بعض مناهج وعناصر هذه المدارس، يكون في الحدود التي يحافظ فيها الأديب على انتمائه، ولا سيما أنها اتجاهات تحتوي على آليات وأدوات يغلب عليها الطابع الفني، على العكس من المدارس الأدبية المؤدلجة والفلسفية، كالوجودية والواقعية الاشتراكية، التي تتقاطع أساساً مع المدرسة الإسلامية؛ فالأديب الإسلامي يسعى لوعي عقيدته وضوابطها وأحكامها، ثم دراسة المدارس الأدبية على مختلف أشكالها وأنماطها دراسة تفصيلية متأنية، وإخضاع ما يمكن أخذه من هذه المدارس إلى معيار العقيدة وضوابطها.

ويقود اختلاف المدارس الأدبية التي تعبّر عن نفسها بالمدارس الأدبية العالمية، للتساؤل عن وجود ما يسمى بـ«الأدب العالمي». الواقع أن معرفة حقل الأدب وقضيته وموضوعه ومجالاته، ثم الإجابة في ضوء ذلك على وجود «أدب عالمي» أو عدمه سيفرض في الوقت نفسه وجود «ثقافة عالمية».

والأدب العالمي – في الحقيقة – ليس أدب المدارس التي سبق الحديث عنها؛ فالأدب تصنعه الثقافة والوجدان معاً، ولكل مجتمع خصوصياته الثقافية (الدينية والقومية والمحلية). فالواقع يؤكد وجود أدب الشعوب وأدب الديانات، أما الأدب الإنساني العام فهو يخضع لمقولة العام المشترك الذي يهم كل البشر، ويدخل في إطار تأثيرات بيئة الأديب؛ فهل يمكن تسمية الإنتاج الأدبي للمتنبي وحافظ والخيام وشكسبير وموليير وطاغور وهمنغواي وسيغور ومحمد إقبال وتولستوي والجواهري، أدباً عالمياً؟. إنه أدب إنساني لا شك، ولكنه ليس نتاجاً أدبياً عالمياً، لأنه – بصرف النظر عن المدرسة التي ينتمي إليها – يمثّل نتاج بيئة الأديب وصوره المحلية، رغم كون اهتماماته إنسانية، فهو – إذن – أدب الشعوب. ثم إن صح أن أدب هؤلاء أو غيرهم أدب عالمي، فلماذا هم دون سواهم؟! وهل الشهرة أو الترجمة للغات الأخرى هي معيار العالمية؟

ولفهم حجم ومضمون المساحة التي يتحرك فيها الأديب الإسلامي بين انتمائه وانفتاحه، لا بد من معرفة طبيعة الخطوط الفاصلة بين الاتجاهات الأدبية بعد إخضاعها لمقياس نظرية الأدب الإسلامي. فعلى وفق هذا القياس، فإن التقسيم الأقرب للواقع، الذي تحدده تلك الخطوط، هو التقسيم الثلاثي الذي يتبناه بعض أساتذة الأدب الإسلامي:

  • الأدب الإسلامي المحض، الذي يكون منتجه إسلامياً، والنتاج إسلامياً، أي يحتوي على خصائص النظرية الأدبية الإسلامية شكلاً ومضموناً.
  • الأدب الإنساني، الذي يلتقي – شكلاً ومضموناً – الأدب الإسلامي، رغم أن منتجيه غير مسلمين أو إسلاميين.
  • الأدب الذي يتعارض مع نظرية الأدب الإسلامي، شكلاً ومضموناً.

ومن ثنايا هذا التقسيم يمكن استخراج تقسيم آخر يخضع – هذه المرة – لمقياس الحكم الشرعي، آخذين بنظر الاعتبار أن الأدب في الإسلام وسيلة من وسائل التبليغ والدعوة والإرشاد، وليس هدفاً بذاته، كما أنه ليس وسيلة دنيوية محضة:

  • الأدب الذي يدخل في إطار (المستحب)، والذي يخضع لضوابط الإسلام شكلاً ومضموناً وهدفاً وتأثيراً، ويستوجب الثواب.
  • الأدب الذي يدخل في إطار (المباح)، والذي تستوعبه الضوابط الإسلامية شكلاً، ولكنه لا يحمل همّاً وهدفاً إسلامياً أو إنسانياً، ولا يستوجب ثواباً ولا عقاباً. وهنا يخشى من بعض المتخصصين من تحوّل هذا اللون من الأدب إلى نوع من اللغو واللهو والعبث، على اعتبار أنه أدب غير هادف. فينتقل حينها من حوزة المباحات إلى حوزة المكروهات، أي أن التصوير الأدبي يكون حينها مباحاً، ولكنه يدخل في مجال اللهو والعبث، وذلك منهي عنه.
  • الأدب الحرام، وهو أدب الضلال الذي يقع خارج دائرة الضوابط الإسلامية، شكلاً ومضموناً وهدفاً وتأثيراً.

ونستخلص من ذلك، أن مدرسة الأدب الإسلامي هي مدرسة الأدب للمعتقد، مع عدم إغفال شأن الإنسان وشأن الحياة، بل وعدم إغفال شأن الأدب نفسه وصوره الجمالية، ولكن يبقى المعتقد مصباً للمضمون. أما منبع الأدب الإسلامي، فهو التصور الإسلامي التوحيدي للكون، أي أنه التعبير الفني الخاضع للتصور الإسلامي للكون والإنسان والطبيعة.

 

 

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment