الى ناشر غسيل
الى ناشر غسيل
ابتداءً؛ أشهد أنك لم تستهدفني يوماً ولم تنشر عني حرفاً سلبياً واحداً؛ فموضوعي معك ـ إذن ـ ليس شخصياً؛ بل عن حالة خطيرة على البشرية؛ تخلقها أنت وأمثالك من مدوني التشهير والتهجم والافتراء. وتكمن الخطورة في أدوات التأثير الواسعة التي تمتلكها، وقدرتك على إيصال كلمتك الى آلاف الناس في طرفة عين؛ بسبب وسائل النشر الإلكتروني والبث الفضائي المباشر ووسائل الاتصال والتواصل، وبسببها أيضا أصبح ((العالم منشر غسيل)) بالنسبة لك ولأمثالك. فلم يعد النشر الإلكتروني متاحاً للجميع وحسب؛ بل أصبح الوسيلة الأكثر تأثيراً وانتشاراً.
لقد فتحت لك وسائل التواصل والاتصال والإعلام جميع الأبواب والمنافذ والفضاءات لتشتم وتنشر الغسيل وتشوه سمعة الناس؛ وأنت تتفنن بالانتقام وتنفيس كوامنك؛ كما تحب ويحلو لهواك وتشتهي نفسك؛ دون أية ضوابط وكوابح وموانع أخلاقية ودينية وعرفية. وهو ما صنع لك كياناً مجازياً وهمياً ضخماً، وشهرة لم تحلم بها يوماً. ولكن؛ أعود لأقول: وما ذنب الانترنيت أو الفوتوشوب أو الفيس أو مواقع التواصل الاجتماعي؛ فهي مجرد أوعية يستطيع الإنسان استخدامها للخير أو للشر. وبالتالي؛ فهو ليس ذنب هذه الوسائل بل ذنبك حصراً.
بسببك؛ لم تعد الأسرار الشخصية وخصوصيات الصداقة ومجالس العمل أمانات؛ وإن كان بعضها قائماً على القسم والحلف المقدس. لقد بتّ وأمثالك كالجرب الأسود؛ يخشى الآخرون حتى من إلقاء التحية عليكم أو التواصل معكم أو العمل معكم؛ لأن الآخرين يتوقعون أنكم ستكشفون كل ذلك في اليوم نفسه أو اليوم الثاني أمام أنظار الجميع.
كم هي ذمتك واسعة وأنت تستسهل الاتهام وتسترخص سمعة الناس وتتحمل آثام استغابتهم !؟. حين كنت تستغيب قبل ثلاثين عاماً؛ فلم تكن الغيبة تتجاوز اثنين أو عشرة أو مئة أو ألف، وكان إثمها بحجم دائرة انتشارها؛ ولكنك اليوم تفرض على آلاف البشر قراءة استغاباتك وأكلك لحوم الآخرين. وباتت افتراءاتك تنتشر كلمح البصر.
والأخس من كل ذلك؛ إنك أتقنت صنعة الابتزاز بأبشع صورها؛ فبعد أن كنت تبتز الآخرين بصورة محدوة جداً؛ أي في حدود منشور مستنسخ أو جريدة أو مجلة؛ فإنك اليوم إحترفت الابتزاز، وأصبح يدر عليك مئات آلاف الدولارات. وقد ساعدك على ذلك كثير ممن تبتزهم من ضعفاء الشخصية وأصحاب الواقع الرخو والمشاكل؛ ممن يخافون على أنفسهم وسمعتهم ومستقبلهم، وكثير منهم من أصدقائك وزملائك السابقين؛ فيلقموك آلاف الدولارات لتصمت.
وشر البلية؛ أنك تسوغ عمليات نشر الغسيل وفضح أسرار الناس أو اختلاق أسرار لهم، وبينهم زملاء وأصدقاء وعاملين سابقين معك؛ بأنك تنتقد لا أكثر، أو أنك تمارس واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفضح الفاسدين، وتقويم انحراف الجماعة. وبذلك ورّطك حقدك وعماك في عدم التفريق بين النقد والتقويم وحرية الرأي وحق التعبير من جهة، والتشهير والبهتان والحط من الكرامات والقتل المعنوي من جهة أخرى. وبذلك تكون قد نصبت نفسك حاكمَ شرعٍ وقاضٍ ومفتٍ وقوّامٍ على الدين والأخلاق والوطن؛ وأنت تجلس في برجك العاجي أو في مقهى أو في زاوية غرفتك؛ متكئاً على معلوماتٍ من أصحاب النوايا السيئة من نمامين وفتانين ومشاكسين، أو من أصحاب النوايا الحسنة من بلهاء وجهلاء ومضللين. ولكن الحقيقة إن ما تقوم به قد يقنع بعض السذج، أو بعض من لا يعرفك؛ بأنك تقوم بمهمة إلهية وسماوية ووطنية لمنع المنكر وتطهير الناس والدين والوطن. ولكن من يعرفك يعلم أن معظم ما تكتبه ضد الآخرين دافعه وهدفه التشفي والانتقام والحقد واللؤم والقلب الأسود، وبعضها تعبير عن جنون العظمة والجهل المركب، أو الانسياق مع العقل الجمعي.
أعلم أنك تشعر بنشوة الانتصار وأنت تقرأ التعليقات من بعض من يشجعك على خلفيات غريبة وغير موضوعية؛ وهو يقول لك: ((نعم يا ناشر الغسيل؛ اقتل هذا.. اسلخ جلد ذاك.. أخرج لسانه من قفاه.. اقلع عينيه.. انتهك عرضه)). وكأنك مصارع قاتل في مدرج روماني، يحيط بك الجمهور المتوحش وهو يشير عليك أن تقتل خصمك وتمثل بجثته.
أية وحشية هذه التي تمارسها؟! وأي قتل جماعي هذا!؟ تقتل شخصية إنسان أمام أعين آلاف البشر، وتنتهك كرامة مؤمنٍ؛ دون أي وازع من ضمير أو إنسانية أو أخلاق أو دين. لماذا!؟ لأن هذا الإنسان اختلف معك في الرؤية؟! وذلك الإنسان لم يعجبك فعله أو قوله؟! أو تعتقد أنه فاشل أو فاسد، أو هكذا تتمنى أن يكون؟! أو أن آخر تقدم عليك في الموقع الوظيفي أو حجم ما يمتلك؟!. ولا يعنيك إن كان ضحيتك صديقاً مقرباً سابقاً، أو زميلاً أو رئيساً في العمل. المهم أنك لابد أن تسلخ جلده وتفقأ عينيه أمام الملإ المصفقين لك عن حقد ولؤم، أو حتى دون علم ومعرفة. وهذا القتل هو أبشع أنواع القتل وأسوء ألوان انتهاك الكرامة والعِرض والاغتصاب. وماذا لو اكتشفت أن من قتلته معنوياً هو بريء من افتراءاتك !؟؛ هل يكفي أنك تعتذر له!؟ كيف ستعيد له سمعته التي طحنتها وأطحت بها.
لمجرد أنك تمتلك صفحة على الفيس بوك أو توافرت لديك قدرة النشر في المواقع الإلكترونية؛ فإنك أصبحت في لمح البصر قاضياً وحاكم شرع وسجان وجلاد، وممثلاً عن الأمة ووكيلاً للشعب ومندوباً عن البشرية وظل الله في الأرض؛ تصدر الأحكام والفتاوي والقوانين، وتحسم القضايا؛ ضد شخص آخر أو جماعة. هكذا بكل بساطة تصدر أحكام الإعدام والجلد والرجم والحبس والاعتقال. بعدها تعرج روحك الى فضاءات النشوة الحرام؛ وأنت تستمع الى تصفيق الحاقدين والجهلاء والأغبياء؛ لأنك استطعت أن تنشر غسيل شخص كان يوماً يأتمنك على حياته، أو شخص لا تعرفه، أو تعرفه عن بعد، وقالو عنه إنه منحرف أو فاسد أو فاشل؛ فاستحق عقابك..
والأسوأ أن تكون البذاءة والتشهير والافتراء والكذب موجهة الى جماعة أو كياناً برمته؛ حزباً أو منظمة أو مؤسسة؛ حينها ستنال افتراءاتك من آلاف البشر.
أعلم أن رسالتي هذه لن تحرك فيك ساكناً؛ لأنك تمارس شهوة تفريغ الحقد، وتعيش نشوة انتصاراتك الإلكترونية الغبراء التي أعمت بصرك وبصيرتك؛ ولكنها قد تغرس في قلبك شوكة صغيرة؛ تؤلمك لثانية واحدة فقط؛ إن بقي لديك خيط إحساس..
علي المؤمن
latest video
news via inbox
Nulla turp dis cursus. Integer liberos euismod pretium faucibua