الى صديقي الاسلامي المتعلمن
الى صديقي الإسلامي المتعلمن..
لا أعتقد أنك تختلف معي في أن مقولاتك ضد المنظومة الإجتماعية الدينية الشيعية، أو ماتغلفه أحياناً بالمصطلح الخاطيء “الإسلام السياسي” هو تكرار لمقولات ومفاهيم متهافتة قديمة؛ ظل يكررها المفكرون العرب والمشرقيون المهووسون بمناهج الفكر الأوروبي والماركسي؛ أمثال: شبلي شميل وفرح أنطون وأحمد لطفي السيد وميشيل عفلق وزكي الأرسوزي وفؤاد زكريا وصادق جلال العظم ومراد وهبة ومحمد أركون وفرج فوده وعزيز العظمة وطيب تيزيني وجورج طرابيشي وغيرهم من منظري ما تسمونه أنتم بمشروع (التنوير) الإجتماعي المدني العلماني المعاصر، والذي أسبغت عليها أدبيات الشيوعيين والبعثيين مسحة ايديولوجية فلسفية اجتماعية محلية.
والحقيقة أن فكر العلمانيين العرب والمشرقيين هو ترجمات للعنف الفكري الذي مارسه مفكرو ما عرف بعصر النهضة الأوربية ضد الكنيسة والفكر الديني؛ بدءاً بـ “دنس ديدرو” و”جون لوك” و”فولتير” و”سبينوزا “و”جيمس ماديسون“، وانتهاءً بخلفائهم “جورج جاكوب” و”بويسون” و”برتراند رسل“. وكانت هذه الأفكار يطبِّقها في أنظمة بلداننا المسلمة طغاة مؤسسون؛ أمثال أتاتورك ورضا بهلوي وسوكارنو والحبيب بورقيبة.
كما أنك تستقي أفكار أطروحاتك من المشاكسات الفكرية لليسار الديني الإيراني في عقود الستينات والسبعينات والثمانينات والتسعينات من القرن الماضي؛ لاسيما أفكار عبد الكريم سروش ومحمد مجتهد شبستري ومحسن كديور ومصطفى ملكيان، وقبلهم علي شريعتي في كتابه الرديء “التشيع العلوي والتشيع الصفوي” وغيره، والذي يخلط بين الفقهاء و وعاظ السلاطين، ويساوي بين عالم الدين و(الروزخون)، ويحمِّل الفقيه الشيعي وزر المفتي الوهابي. وبالرغم من أن أفكار علي شريعتي (التنويرية) الستينية والسبعينية أصبحت (خرده) في ايران، وتبخرت منذ ربع قرن تقريباً؛ لكنك كغيرك من (التنويريين) الشيعة العراقيين؛ حوّلتم هذه الأفكار الى تابوهات مقدسة؛ ليس حباً بشريعتي؛ ولكن بغضاً بالنظام الاجتماعي الديني الشيعي والحركات الإسلامية. وبات هذا البُغض جزءاً من أدبيات ما تسمونه “التيار المدني” أو “الدولة المدنية” أو “عقلنة الحكم” أو “فصل العقيدة عن الدولة”، وهي صيغ تقليدية من النظم الفكرية العلمانية الغربية التي ترددها قواعدكم دون وعي بمفاهيمها، ودون معرفة بجذورها غالباً.
ولذلك؛ فهي ليست مشكلة قواعدكم البريئة فكرياً؛ بل مشكلتكم أنتم كمثقفين علمانيين، لأنكم تعلمون جيداً أن الفلسفات الإجتماعية العلمانية لا يمكن أن تحكم واقع البلدان الإسلامية؛ لأنها تتعارض مع المنظومات الدينية الإجتماعية للمسلمين، ولاسيما الشيعة.
أنت تتصور أنك من خلال الدعاية المضادة الرامية الى هدم النظام الاجتماعي الديني الشيعي والحركات الإسلامية؛ تساهم في توعية المجتمع الشيعي، وفي إنقاذه من سطوة الفقهاء ومن يحتمي بهم من سياسيين إسلاميين كما تقول، لكنك ـ على العكس ـ تساهم في تحفيز المنظومة الطائفية ضد الشيعة، وفي توفير المناخات الفكرية والدعائية لتكفير الشيعة وذبحهم من الخصم التكفيري الطائفي. كما أنك تفتح الأبواب على مصراعيها لدخول التكفيريين الى بيوت الشيعة، وتقدم لهم مادة جاهزة لضرب التشيع وأتباعه.
ولعلك لا تحمل في داخلك نوايا الإضرار بمجتمعك، ولا تقصد إيذاء أبناء جلدتك؛ لأني أعرف تاريخك المستقيم، وأعرف أنك تعيش انفعالات الواقع، ولكن مآلات أفكارك ودعواتك هو تكفير الشيعة وذبحهم، وتدمير أحزابهم وحركاتهم الإسلامية السياسية دون أدنى شك.
أنت تتحدث عن الأمة العراقية وكأنها تعيش منعزلة في جزيرة نائية، وأن بإمكانها رسم مصيرها لوحدها؛ دون أية موانع وعقبات موضوعية، ودون تأثير وتأثّر بمحيطها الإقليمي، سواء المعادي أو المتعاطف، ودون اعتبار لمشتركاتها المذهبية وتاريخها السياسي والاجتماعي الطائفي مع المجتمعات الأخرى، ككل أمم العالم المؤثرة والمتأثرة. كما أنك لا تضع في حسبانك (بيئة الأمة) أو (بيئة المكون الاجتماعي) وتأثيراتها وضغوطاتها، وهذه البيئة هي (الوسط الموضوعي) الذي يعيش فيه المكون الشيعي. وبالتالي لاعلاقة للفقهاء و(سطوتهم) بايجاد هذا الوسط؛ بل أن الفقهاء وشيوخ العشائر وقادة الأحزاب يعيشون تحت وطاة هذا الوسط أيضاً. وبما أن الشيعة يعيشون ـ كغيرهم ـ وفق قوانين الفيزياء الاجتماعية (رد الفعل الاجتماعي) من جهة، وقوانين علم النفس الإجتماعي (الموروث النفسي والعقل الجمعي) من جهة أخرى، فإن ضغوطات الوسط الموضوعي التي تجر قسراً الى تطبيق هذه القوانين؛ تزيد من لجوء الشيعة ـ يوماً بعد آخر وبزخم أكبرـ الى الكيانات الإجتماعية المحضة، أو الإجتماعية الدينية، أو الإجتماعية السياسية، والتي يعتقدون أنها تحميهم؛ كشيخ العشيرة وقائد الحزب الديني وعالم الدين؛ في مقابل كيان الدولة السياسي القانوني وسلطتها. وإذا أصبح هذا الكيان محايداً تجاه شيعة العراق، فإنه كان و لايزال على خصومة مع الشيعة في البلدان الأخرى، ويستهدف وجودهم بقوة.
ولأنك تؤكد بأنك صادقٌ في دعواتك التنويرية، وبأن هدفك إنقاذ الوطن والمواطنين؛ فمن الأَولى أن تركز على ماكنات تفريخ الذباحين ومصانعهم الوهابية في جدة والرياض ومكة والمدينة وكابل وإسلام آباد، وكذا تركز على الدخان الطائفي المتصاعد من أروقة أزهر مصر والمؤسسات الدينية في معظم البلدان العربية؛ بدلاً من تحذير الأمة من سطوة فقهاء النجف وقم، ومن يحتمي بهم من أحزاب إسلامية ـ كما تقول ـ، بل من الضروري أن لا تعمم أفكارك على كل من ارتدى العمة؛ شيعياً كان أو سنياً، أو على كل من انتمى لتيار إسلامي سياسي.
وبالتالي؛ فأنت تتعمد الخلط بين مشايخ الحكومات ووعاظ السلاطين الذين يلوون عنق الدين ويصادرون عقل الأمة ويكفرون الآخر وينشرون الكراهية ويشجعون على الطائفية، وبين فقهاء النجف وقم المسالمين الداعين الى السلام وتلاحم الشعب ونبذ الطائفية والعنصرية وحقن الدماء، وتعدّهم جميعاً ((كهنة معابد السياسيين))، وهو ما يسقط كل مزاعمك بأنك تتبع المنهج العلمي في دعواتك التجديدية، ذات المضامين العلمانية.
علي المؤمن
20/ 3/ 2014
latest video
news via inbox
Nulla turp dis cursus. Integer liberos euismod pretium faucibua