النفاق الفكري لآلهة الليبرالية

Last Updated: 2024/04/07By

النفاق الفكري لآلهة الليبرالية

د. علي المؤمن

مما لا شك فيه أن جميع المذاهب الفكرية الأساسية في العالم، ولا سيما في مجالات الفلسفة الكونية والفكر الإنساني والاجتماعي، لها مرجعية معيارية تمثل القواعد العامة التي يستند اليها المذهب ومحدداته الفكرية ومصادر معرفته الحاكمة.

لكن؛ الملفت للنظر أن المذاهب والفلسفات الفكرية والاجتماعية الوضعية، وفي مقدمتها الليبرالية والديمقراطية والعقلانية، تمارس نفاقاً فكرياً ناعماً؛ فهي تزعم أنها متحررة من أية مرجعية معيارية، وتطالب أتباع الدين بالتحرر أيضاً من مرجعياتهم وثوابتهم ومصادرهم أسوة بها، واحتراماً لقدرات العقل البشري وضرورة إطلاقه دون أية قيود وقبليات. وفي الوقت نفسه فإن هذه المذاهب الوضعية التي تدعي أنها حرة وغير ايديولوجية في مساراتها النظرية ومخرجات حراكها؛ تخضع لأكثر المرجعيات المعيارية ضغطاً وتعسفاً؛ بل أن مرجعيات الليبرالية ـ مثلاً ـ في الفكر الاقتصادي والفكر السياسي والفكر الاجتماعي، باتت آلهة مقدسة معصومة تفتك وتقمع وتقصي وتمارس أبشع صنوف الإرهاب ضد من يخالفها في الفكر والممارسة، برغم أنها أفكار بشرية. وهو أبشع ألوان النفاق الفكري والتناقض في البنى المؤسِسة، إذ تبقى مقولات حرية الفكر وديمقراطية الرأي التي تتبجح بها؛ مجرد ورقة توت تتستر بها؛ لكنها تسقط في كل اختبار.

أما الدين فإن مرجعيته المعيارية السماوية بديهية، ولولاها لما كان الدين ديناً، ولأصبح اسمه شيئا آخر، كما حصل مع كثير من الانشقاقات عن الأصول الدينية، والتي تحولت بالتدريج الى مذاهب فكرية وضعية لا علاقة لها بفلسفة الدين ومعايير تعريفه. لذلك لا معنى للدين بدون مرجعية معيارية ثابتة، ولا صحة لمزاعم المذاهب الوضعية البشرية بأنها متحررة من كل أنواع المرجعيات المعيارية.

بل أن المذاهب الوضعية نفسها، إذا تجاوزت مرجعياتها المعيارية؛ فإنها ستتبخر وجودياً. نعم هي متحررة في قراءة مصادرها وتفسيرها لهذه المصادر، وفي إصلاح فكرها وتجديده؛ لكنها ليست حرة في تجاوز مرجعياتها. وبالتالي يتكرس نفاق المذاهب الوضعية ومفكريها وساستها حين يطالبون أتباع الدين بالتحرر من مرجعيتهم وتجاوز ثوابتهم. ولكن؛ في الوقت نفسه تتمسك هذه المذاهب بمرجعياتها وثوابتها، ومستعدة لشن أشرس الحروب الفكرية والدعائية ضد أية قراءة واجتهاد يتجاوزان الثوابت، وإن كان اجتهاداً من الداخل الفكري.

 

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment