النجف الأشرف ركيزة مراسيم أربعينية الإمام الحسين

Last Updated: 2024/04/07By

النجف الأشرف: قاعدة مراسيم أربعينية الإمام الحسين

د. علي المؤمن

مسيرة المشاة السنوية الى مرقد الإمام الحسين بن علي (عليه السلام) في ذكرى أربعينيته، هي ممارسة شرعية، ومنتجة في آثارها ومخرجاتها، وعظيمة في تأثيرها وشكلها ومضمونها. هذه المراسيم التي تختتم في مدينة كربلاء، يوم العشرين من صفر من كل عام هجري؛ تعود جذورها الى أول مراسيم أقامها في كربلاء آل البيت المفجوعين، بعد مرور أربعين يوماً على استشهاد الإمام الحسين في العام 61 للهجرة، وقد أحياها حينها الإمام علي بن الحسين (زين العابدين) والسيدة زينب بنت علي بن أبي طالب ومن معهما من أرامل وأيتام آل البيت الذين وصلوا في مثل هذا اليوم الى كربلاء قادمين من عاصمة يزيد بن معاوية (دمشق الشام) ومعهم رأس الإمام الحسين ليدفنوه مع جثمانه الطاهر. وقد التقى بهم صحابة وتابعين وبعض القاطنين قرب كربلاء، أهمهم جابر بن عبد الله الأنصاري؛ ليحيوا جميعاً المناسبة.

لقد بدأت المسيرة بشكلها المنتظم الحديث في أواسط القرن التاسع عشر الميلادي؛ بأفراد ينطلقون من مدينة النجف الأشرف الى مدينة كربلاء المقدسة مشياً على الأقدام لمدة أربعة أيام؛ بمعدل (20) كيلومتراً في اليوم.

تبدأ المسيرة في يوم 16 صفر؛ حيث ينطلق الزوار المشاة في صباحه من النجف الأشرف الى خان المصلى (خان الربع)، ويبيتون الليلة هناك. وفي يوم 17 صفر ينطلقون من خان المصلى الى خان الحماد (خان النص في ناحية الحيدرية حالياً)، ويبيتون ليلتهم فيه. وفي يوم 18 صفر ينطلقون من خان الحماد الى خان النخيلة (خان الثلاثة أرباع)، ويبيتون ليلتهم فيه. وفي يوم 19 صفر ينطلقون من خان النخيلة باتجاه مدينة كربلاء، ويبيتون الليلة في كربلاء بجوار مرقد الإمام الحسين. وفي صبيحة الـ 20 من صفر يقوم النجفيون بالإشتراك مع مواكب المدن العراقية وغير العراقية الأخرى بإحياء المراسيم النهائية لذكرى أربعينية الإمام الحسين.

جدير بالإشارة الى ان الخانات هي ثلاثة مباني قديمة تعود الى القرنين الثامن عشر والتاسع عشر الميلاديين؛ وتقع في الطريق بين مدينتي النجف الأشرف وكربلاء، وتفصل بينهما مسافات غير متساوية؛ ولكن معدل المسافة بين كل خان وآخر هو (20) كيلومتراً؛ إذ تبلغ المسافة من مرقد أمير المؤمنين في النجف الى مرقد الإمام الحسين في كربلاء حوالي (75) كيلومتراً. وهذه الخانات بنيت خصيصا كأماكن لاستراحة الزائرين القادمين من النجف الى كربلاء وبالعكس. كما كانت تستخدم أحيانا كمقرات عسكرية لحماية الزوار والمنطقة من قطاع الطرق والعابثين بالأمن. وبقيت هذه الخانات تستخدم للغرض نفسه حتى العام 1979؛ حين أقدم النظام البعثي على منع مسيرة المشاة من النجف الى كربلاء نهائياً؛ فتعرضت الخانات الى الإهمال والتخريب بمرور الزمن. ولاتزال اليوم شبه مهجورات؛ بعد أن أخذت مئات المباني الحديثة والحسينيات والمخيمات المتراصة من النجف الى كربلاء محلها في خدمة الزوار.

في صباح يوم الـ 20 من صفر؛ الذي يصادف ذكرى أربعين استشهاد الإمام الحسين؛ يدخل المشاة الى مرقده؛ معزين بالذكرى الأليمة، ومواسين الإمام علي بن الحسين السجاد والسيدة زينب بنت الإمام علي وأرامل وأيتام آل البيت الذين وصلوا في مثل هذا اليوم الى كربلاء قادمين من عاصمة يزيد بن معاوية (دمشق الشام) ومعهم رأس الإمام الحسين ليدفنوه مع جثمانه الطاهر.

وإذا كانت مراسيم إحياء ذكرى أربعين الإمام الحسين بشكلها الحديث؛ أي السير على الأقدام من مدينة النجف الى مدينة كربلاء؛ قد بدأت بمبادرة أفراد من النجف قبل حوالي (150) عاماً؛ فإنها تطورت الى جماعات بالمئات في أوائل القرن العشرين، واستمرت بحشود بعشرات الآلاف في أواسط القرن العشرين الميلادي. وها هي تصل هذا الى (20) مليون مشارك في أكبر مسيرة راجلة متعددة الجنسيات عرفتها وتعرفها البشرية في تاريخها وجغرافيتها. هذا العدد الهائل الزاحف عبر طرق متعددة تمتد بمجموعها الى أكثر من (2,000) كيلومتر داخل العراق، وحشود تنتمي الى أكثر من (70) دولة؛ لم تنظمها جهة أو حكومة، ولم تصرف على طعامها وشرابها وسكنها وتداويها ونقلها أية جهة أو حكومة.

صحيح إن الدولة العراقية بعد عام 2003 تسهر بقواتها المسلحة ودوائرها المدنية على حماية المراسيم، وتدافع عن مشروعيتها داخل مؤسسات الدولة، وتدعمها لوجستياً أحياناً؛ بل ويشارك معظم مسؤوليها في هذه المراسيم؛ كسائر المواطنين؛ إلّا أن الأهالي المشاركين في المسيرة؛ سواء المشاة أو القائمين على خدمتهم؛ لا يقبضون من الدولة العراقية وأية دولة أو جهة أخرى أي دعم مالي أو عيني.

وقد وصل عدد هيئات الخدمة ومواكبها في الطريق بين النجف وكربلاء وحدها الى حوالي (7,000) هيئة. ويصل العدد الى (20) ألف هيئة وموكب وحسينية في طرق العراق الأخرى؛ ولاسيما في مناطق الفرات الأوسط والجنوب والغرب والعاصمة بغداد. وربما يبلغ حجم الإنفاق الأهلي على مراسم الأربعينية الحسينية خلال خمسة يوماً؛ مايقرب من نصف مليار دولار؛ يتحمل أهالي النجف الأشرف 10 بالمائة منها؛ أي ما يقرب من (50) مليون دولار.

وقد انتفض النجفيون ضد نظام البعث الحاكم مرتين حين منعهم من أداء مراسيم المسيرة الراجلة؛ الأولى في العام 1976، وكانت انتفاضة صغيرة ومحدودة، والثانية في العام 1977، وهي الانتفاضة النجفية الصفرية الكبرى، وفي كلا الإنتفاضتين كان النجفيون عزّل من السلاح، وكانوا يعلمون إن الخروج في مسيرتهم السلمية الدينية الصرفة؛ يساوي الموت؛ ولكنهم لم يأبهوا للموت، وخرجوا بعشرات الآلاف لإقامة المراسم. وكانت نتيجة انتفاضتهم الكبرى في العام 1977 تعرّض حوالي (30) ألف شخص الى الإعتقال. كما أعدم النظام البعثي عشرة من قادة الإنتفاضة، وحكم على العشرات من المشاركين في الانتفاضة بالسجن المؤبد أوالسجن لمدد مختلفة.

ويعبر النجفيون عن انتفاضتهم التاريخية الصفرية الكبرى بأنها نموذج مشرق لتطبيق مفهوم هوان الدنيا من أجل خط آل البيت. ويعتقدون أن من عاش لذة هذا العشق والتحدي والفداء في أيام النظام البعثي؛ ولا سيما الفترة من صفر عام 1976 ومابعدها؛ هو الذي يعي مايعنيه مفهوم هوان كل شيء من أجل آل البيت.

 

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment