المكونات العرقية والقومية للأُمة العراقية

Last Updated: 2024/04/07By

المكونات العرقية والقومية للأُمة العراقية

د. علي المؤمن

كل واحدة من الفقرات التي أعرضها هنا، هي بالأساس فصل أو جزء من فصل من كتابي «السومري المستعرب: مسارات تكوين الأُمة العراقية» الذي لا يزال تحت المراجعة، وأترك ذكر المصادر الى أصل الكتاب، كما هو سياق عرض الخلاصات والنتائج في البحوث المنهجية.

1- السومريون عرق مستقل جينالوجيّاً، ليس سامياً ولا آرياً، وهم أصل تكوين العراق ونشوئه، قبل هجرات الكاشيين والميديين والفرس والعرب، وهم بذلك يشبهون العيلاميين في استقلالهم العرقي، والذين يعدون أصل إيران، قبل هجرات الآريين من الفرس والميديين والفرثيين. وكان يُقدّر عدد السومريين بحوالي مليون ونصف المليون نسمة خلال حكم الإمبراطور السومري شيروگين (سرجون الأكدي)، وهم بالأصل سكان جنوب العراق، أي سكان محافظات المثنى والناصرية والبصرة والعمارة، وبعد تأسيسهم الإمبراطورية الأكدية (بين النهرين)، استوطنوا أيضاً مناطق الفرات الأوسط وشمال العراق، وتحديداً محافظات القادسية والجنوب العراقي، او ما يضم حالياً محافظات القادسية و وواسط وديالى.

2- الذي أسس العراق بشكله الطولي، الذي مثّل حضارة (بين النهرين) من الفاو وحتى زاخو، هم السومريون بقيادة شيروگين (سرجون الاكدي)، في العام 2340 قبل الميلاد، وعٌرف آنذاك بالإمبراطورية الأكدية، نسبة الى عاصمتها أكد في الفرات الأوسط. وكانت أراضي شرق دجلة وغرب الفرات، أما خالية من السكان، أو فيها شعوب أُخرى، لا تنتمي الى شعوب بين النهرين ولا تخضع لسلطتهم.

3- كانت الشعوب التي تزامن وجودها في أراضي العراق الحالي مع تأسيس العراق الطولي قبل (4400) سنة تقريباً، بقيادة شيروگين (سرجون الاكدي)، أو هاجرت بعده بالتدريج الى ما قبل الفتح العربي الإسلامي، واستوطنت شرق دجلة تحديداً، من جنوبه الى شماله؛ هي: الشعوب العيلامية (أجداد اللر الفيليين والبختيارية واللكية وغيرهم) في جنوب شرق العراق، الكاشية في شرق العراق، الميدية الآرية (الكردية) في شمال شرق العراق، الفارسية الآرية في شرق العراق، وهي شعوب أصيلة في هذه الأراضي والمناطق. أما الشعوب السومرية والبابلية والكلدانية والآشورية؛ فكانت ضمن منطقة بين النهرين، وخاضعة لسلطة ملك أو رئيس أو إمبراطور من الشعوب نفسها، رغم وجود غزوات واحتلالات متبادلة بين الدول والإمبراطوريات العيلامية السومرية والآشورية والفارسية والكاشية لعواصم ومدن بعضها الآخر. وقد اختلطت الشعوب السومرية والبابلية والكلدانية والآشورية ببعضها، ضمن الإمبراطورية الأكدية،  ثم اختلطت معها شعوب شرق دجلة وشمال غرب الفرات، وباتت هي القوميات المؤسسة للعراق في خارطته الحالية، نتيجة الهجرات والغزوات والاحتلالات التي كانت تمتد أحياناً الى (500) سنة.

4- إذا نظرنا الى القوميات الحالية الحية في غرب آسيا؛ فسنرى أن الفرس هم أحفاد الفرس الآريين القدماء، والكرد والأذربيجانيين والجيلكيين أحفاد الميديين الآريين، والبلوش والبشتون أحفاد الفرثيين الآريين، والفيليين واللك والبختيارية أبناء القومية اللرية وأحفاد العيلاميين، واليهود أحفاد بني إسرائيل الساميين القدماء، والكلدان احفاد الكلدان الساميين القدماء، والآشوريين أحفاد الآشوريين القدماء؛ فسنرى أن كل العرقيات والقوميات استمر وجودها الحي، وهو أمر طبيعي، وحينها سيفرض السؤال نفسه: أين ذهب أحفاد البابليين والسومريين؟!. فإذا كان عدد نفوس البابليين والسومريين لوحدهم يقدر بمليون ونصف المليون نسمة خلال حياة الامبراطورية الكلدانية، أي قبل ثلاثة آلاف سنة؛ فإن أحفادهم الآن ينبغي أن لا يقلّوا عن (50) مليون نسمة حداً أدنى؛ فكيف تبخّر هؤلاء؟، في الوقت الذي لم يذكر التاريخ أن حوادث طبيعية قضت على أولئك المليون ونصف المليون نسمة، ولا مجازر جماعية أنهت وجودهم. ولذلك؛ أعتقد بأنهم استعربوا جميعاً بعد دخول العرب المسلمين الفاتحين الى العراق قبل (1400) عام تقريباً.

5- الفيليون واللك والبختيارية والكلهورية والممسنية والبويرية هم قبائل شقيقة تنتمي الى القومية اللرية، التي تنتمي الى العرقية العيلامية، ويتشكلون من (34) قبيلة. والعيلاميون من أقدم الشعوب التي أقامت أول حضارة في جنوب غرب إيران قبل 4 آلاف قبل الميلاد، وعاصمتها شوش في محافظة خوزستان الإيرانية حالياً. وهم ليسوا آريين ولا ساميين، بل عرقية مستقلة عمرها أكثر من عشرة آلاف سنة، ويعود وجوده في ايران الى العصر الحجري. إلّا أن دولتهم تأسست بعد ذلك بحوالي أربعة آلاف سنة. وكانت الحضارة العيلامية مجاورة للحضارة السومرية ومتعاونة معها، وتتبادلان التأثير. وكانت أراضي الحضارة العيلامية تمتد الى غرب دجلة داخل أراضي العراق الحالي (حالياً: خوزستان ولرستان وإيلام في ايران و أجزاء من ديالى و واسط والعمارة والبصرة في العراق). أي أن هذه المناطق هي مناطق لرية أصيلة، وقد سكنها أجداد الفيليين قبل ستة آلاف سنة، أي قبل هجرات الكاشيين والآريين الفرس والميديين (أجداد الكرد)، وقبل هجرات العرب الأولى (المناذرة والتغالبة اليمينون) الى العراق بأكثر من ثلاثة آلاف وخمسمائة سنة، بل قبل ظهور العرب في الجزيرة العربية. وبذلك يكون السومريون وأجداد الفيليين، أول شعبين يستوطنان العراق. وقد تعاونا معاً في حقب كثيرة لصد الغزوات الآشورية، ودخول اراضيها. وهذا يعيد تأكيدنا على أن الفيليين ليسوا كرداً، وليسوا من القبائل المتنقلة الرحل ولا من سكان الجبال، بل سبق وجودهم في العراق هجرة الآريين الى إيران، ومنهم الميديين، أجداد الكرد، بآلاف السنين.

6- الفرس؛ شعباً ومجتمعاً، امتدت مناطق سكناهم، منذ (3000) سنة تقريباً، واستوطنت أراضيها التي كانت خالية من السكان، والتي تقع حالياً ضمن أراضي العراق، وتحديداً محافظتي واسط وديالى، كما ذكرنا في الفقرة السابقة، وكانوا مجاورين للشعوب العيلامية ( أجداد الفيليين) والميدية (أجداد الكرد) والفارسية والكاشية في شرق دجلة، من جنوبه الى شماله. ولذلك؛ فالفرس الذين كانوا مستوطنين في الأراضي التي تقع ضمن العراق الحالي، كأي شعب آخر، لم يكونوا محتلين لهذه المناطق، بل هي مناطق سكناهم وهجرتهم، ولم يسلبوها من شعب آخر، لأنها كانت خالية ولا تخضع لأية سلطة، كما ذكرنا. أما الدولة الفارسية الأخمينية التي احتلت بابل، فإن الاحتلال كان يقتصر على أراضي الدولة البابلية وصولاً الى صحراء الأنبار، التي تحولت آنذاك الى اكبر ثكنة عسكرية فارسية، ومنها انطلقت الغزوات الفارسية نحو الشام وشمال أفريقيا وأوروبا. أما باقي الأراضي التي تضم عاصمة الإمبراطورية الفارسية طيسفون (100 كم عن العاصمة بابل)، وصولاً الى الحدود الإيرانية العراقية الشرقية الحالية؛ فهي  أراضي يسكنها الفرس أساساً. وبالتالي؛ فالسؤال الذي يُطرح حيال أحفاد البابليين والسومريين، يطرح أيضاً حيال أحفاد فرس في العراق الحالي، وهم أيضاً خضعوا لعمليات التعريب والاستعراب؛ لأنهم أسلموا وبقوا في أراضيهم، ولم يهاجروا الى أراضي إيران الحالية.

7- الكرد هم فرع من القومية الميدية الآرية (الهندو اوربية)، والآريون هم قبائل بدأت بالنزوح من آسيا الوسطى الى هضبة إيران، منذ (3,000) سنة قبل الميلاد، وتفرعوا في إيران الى ثلاث قوميات: الفرس والميديين والفرثيين؛ فاستوطن الميديون شمال وغرب إيران، وأسسوا ــ فيما بعد ــ الإمبراطورية الميدية وعاصمتها هگمتانه (همدان الحالية في إيران)، فيما استوطن الفرس وسط وجنوب إيران، وأسسوا الإمبراطورية الفارسية، وعاصمتها پرسپوليس (شيراز الحالية في إيران)، واستوطن الفرثيون شرق إيران. ونزحت بعض القبائل الميدية في الفترة نفسها تقريباً، وهي التي عرفت بالكُرد، باتجاه شمال غرب إيران، واستوطنت أراضيها، والتي تقع حالياً ضمن أراضي العراق، وتحديداً محافظة السليمانية، أي أن الميديين الكرد، هم سكان الجبال غالباً، على عكس القبائل الميدية الأخرى التي سكنت السهول الإيرانية وجاوروا بحر الخزر (قزوين) وبحيرة أُرومية، ومنهم الآذريين (الآذربيجانيين).

8- بدأ وجود اليهود في العراق منذ السبي البابلي الأول والثاني في الأعوام 587- 582 قبل الميلاد، على يد نبوخذ نصر الثاني؛ فمنهم من بقي في العراق حتى بعد الفتح الإسلامي، ومنهم من عاد الى أرض كنعان وسيناء ومصر خلال الأحتلالين الفارسي والمقدوني لبابل. أما الذي بقي في العراق بعد الفتح؛ فمنهم من أسلم واستعرب، ومنهم من بقي على دينه؛ فحافظ على قوميته اليهودية أيضاً، حاله حال بعض الكلدان والآشوريين المسيحيين. ومن العراق، هاجر بعضهم الى إيران والأناضول والقوقاز، وصولاً الى روسيا، خلال آلاف السنين.

9- وصل العرب الى العراق بعد تأسيس العراق وتكوين الأُمة العراقية، عبر هجرتين كبيرتين، إحداهما هجرة قبيلة المناذرة اليمنية في حدود 30 قبل الميلاد، أي قبل حوالي (2.100) سنة، وهو أول وجود للعرب في العراق؛ إذ استوطنوا الحيرة وأسسوا مملكتهم في الفرات الأوسط وصولاً الى غرب العراق الحالي في سنة 268 م، والثانية هجرة قبيلة تغلب اليمنية ، واستوطنوا شمال العراق، وتحديداً الموصل الحالية وضواحيها وسهل نينوى، وهو ما كان يسمى ديار ربيعة. وقد اتخذ المناذرة والتغالبة المسيحية ديناً فيما بعد، كأبناء عمومتهم الغساسنة في الشام. والتغالبة هم أجداد الحمدانيين (مؤسسو الدولة الحمدانية في شمال العراق وبلاد الشام). ثم جاءت الهجرات العربية الكثيفة الحجازية والنجدية واليمنية بعد الفتح العربي الإسلامي للعراق، والذي كان حينها بلداً حضارياً عريقاً، بل أعرق حضارة في العالم. والمفارقة أن عرب العراق الأصليين حاربوا عرب الجزيرة الفاتحين بشراسة، فقد كان التغالبة نصارى وجزءاً من الدولة الرومانية، وكان المناذرة نصارى أيضاً وجزءاً من الدولة الفارسية.

10- كانت بداية التعريب والاستعراب في العراق مع تأسيس مملكة المناذرة العربية المسيحية التابعة للامبراطورية الفارسية في العراق، في العام 268 م، وكان هذا التعريب الذي يستهدف السكان الأصليين، وخاصة السومريين؛ مقتصراً على بعض مناطق الفرات الأوسط، وخاصة أجزاء من محافظات المثنى والقادسية والنجف الأشرف الحالية، ولم يمتد باتجاه أي من مناطق الفرات الأوسط والجنوب والشمال العراقية، بل انحرف ممتداً باتجاه غرب العراق. كما كان جزء من أراضي محافظة نينوى الذي تقطنه قبيلة تغلب، وهو ما عُرف بديار ربيعة، يتحدث باللغة العربية، وكذلك جزء من صحراء جنوب العراق، وتحديداً غرب محافظتي البصرة وذي قار، الذي تسكنه بعض القبائل العربية، مثل قبيلة شيبان، أي أن 80 بالمائة من العراق الحالي لم يكن عربياً ولا يتحدث بالعربية عند دخول الفاتحين العرب المسلمين الى العراق (بخارطته الحالية)، ولم تكن تسميته موحدة، بل يحمل عدة تسميات، وفق القوميات والعرقيات والدول الموجودة، آنذاك، وكان منها اسم العراق، وهو معرّب التسمية السومرية (أوروك) أو التسمية الآرامية (أراكيا)، بينما كانت تسمى عند اليونانيين (ميزوبوتاميا)، وهي ترجمة للمصطلح الآرامي (بين نهرين أو بيت نهرين)، أي أن هذه التسمية التي كانت تعد شاملة؛ فهي كانت تقتصر على مناطق بين دجلة والفرات، ولا تشمل شرق دجلة وغرب الفرات. وبالتالي؛ فإن العراق بصيغة الحالية كان نتاج ما بعد الفتح العربي الإسلامي، واستمر إنتاجه مئات السنين، حتى أخذ شكله الحالي كنتاج لمعاهدة سايكس ــ بيكو بين بريطانيا وفرنسا في العام 1916، والتي نصّت على تشكيل دولة تحمل اسم العراق تتكون من ثلاث ولايات عثمانية، هي البصرة وبغداد والموصل، ولم تكن الدولة العثمانية حين قسّمت هذه الولايات تأخذ بنظر الاعتبار الوحدة الجغرافية أو التاريخية أو القومية أو العرقية أو السياسية، بل قسّمتها على أساس إداري ـ فني.

وكانت أراضي العراق الحالي، قبل الفتح العربي الإسلامي في الفترة من 12 ــ 14 ه (632 ــ 634 م)، خاضعة لحكم الإمبراطورية الساسانية الفارسية لأكثر من (400) سنة، كما كان يتقاسمها آنذاك عدد من المكونات القومية والعرقية، وهو تقاسم سكاني مجتمعي، وليس احتلالاً، وعلى النحو التالي:

  • مناطق جنوب العراق، كمحافظتي البصرة وذي قار وجزء من محافظة العمارة الحالية، كانت سومرية وتتحدث باللغات السومرية والآمورية والأكدية، وقليل منها بالنبطية
  • أراضي جنوب شرق العراق، ومنها أجزاء من محافظتي العمارة وواسط الحاليتين؛ كانت عيلامية (عرقية أجداد الفيليين)، وتتحدث باللغة العيلامية
  • مناطق مملكة المناذرة، وتضم أجزاء من محافظات المثنى والقادسية والنجف الأشرف الحالية، وهي عربية ويتكلم سكانها اللغة العربية
  • مناطق الفرات الأوسط وما يجاورها، وتحديداً محافظات كربلاء وبابل ومحافظة بغداد وغرب محافظة واسط وجنوب محافظة صلاح الدين الحالية؛ فكانت بابلية، وتتحدث بلغات الشعوب البابلية، كالأكدية والكلدانية والآمورية وغيرها
  • أراضي شرق العراق، وصولاً الى الحدود العراقية الإيرانية الحالية، أي شرق محافظة بغداد ومحافظة ديالي الحاليتين؛ كانت فارسية وتتحدث باللغة الفارسية
  • أراضي شمال شرق العراق، وتحديداً محافظة السليمانية وجزء من محافظة أربيل الحاليتين؛ كانت كردية ويتحدث أهلها باللغة الكردية
  • أراضي شمال العراق، وخاصة مناطق محافظات كركوك ونينوى ودهوك وشمال محافظة صلاح الدين وأغلب محافظة أربيل؛ آشورية وتتحدث باللغتين الآرامية والأكدية وغيرهما.
  • كانت مناطق غرب العراق، وخاصة شرق محافظة نينوى ومحافظة الانبار الحاليتين، أغلبها صحراء وبادية غير مسكونة، عدا عن بعض الثكنات العسكرية الفارسية وبعض التجمعات القبلية لقوميات متعددة، كالآموريين والآراميين.

11- الذين فتحوا العراق من عرب الجزيرة ثم هاجروا إليها، لم يكن يزيد عددهم عن مائة ألف في أفضل التقادير، بينما كان عدد السومريين والبابليين والعيلاميين والفرس يزيد عن ثلاثة ملايين نسمة. وقد اختفى وجودهم فيما بعد؛ فإذا قلنا أنهم ذابوا؛ فكيف تذوب هذه الملايين في المائة ألف عربي جزيري؟. وحل شيفرة الذوبان هذا يكمن في طريقة التذويب، والمتمثلة بالتعريب التلقائي أو القسري؛ فقد كان كل واحد من العرب الفاتحين الغالبين، يقتطع أراضي عراقية شاسعة، بما فيها من مزارع وحيوانات وممتلكات وبشر مسالمين، ويتحول الرجال الى عاملين وحرس لديه، وينخرط الباقون في جيش الفتح العربي. أما النساء فيتحولن الى زوجات وإماء أو عاملات، وترسل أعداد منهن الى مدن الجزيرة. وبمرور الزمن أخذ العامل والفلاح والجندي العراقي (السومري والبابلي والعيلامي والفارسي والكلداني) يحمل اسم قبيلة عشيرة الفاتح العربي الجزيري، أي يصبح جزءاً من قبيلته وعشيرته وأسرته. وبمرور السنين، بات العراقيون السومريون والبابليون، وأغلب العيلاميين والفرس والكلدان داخل حدود العراق الحالية، يتحدثون العربية فقط، وبذلك انقرضت اللغة السومرية وخطها وحروفها، وكذا البابلية، وكذا الأكدية التي كانت لغة الإمبراطورية العراقية، بعد أن تعرّب أكثر العراقيين. أما لماذا انقرض البابليون والسومريون دون غيرهم من شعوب الأمة العراقية، وذابوا تماماً بعرب الجزيرة الفاتحين، فلذلك سبب أساس، لأنهم كانوا في وسط العراق وجنوبه، وليست لهم امتدادات قومية بعيدة جغرافياً، على العكس من العيلاميين والكرد والفرس والكلدان والآشوريين، إذ احتفظ كثير من هؤلاء بلغتهم الأصلية وبانتمائهم القومي، لأن العيلاميين (أجداد الفيليين) يمتدون من العمارة والبصرة وواسط وديالى الى عمق خوزستان ولرستان وإيلام، ويمتد الفرس الى أعماق إيران وصولاً الى شرقها، ويمتد الكرد الى أعماق ايران أيضاً، وصولاً الى همدان عاصمة أجداهم الميديين. أما الكلدان والآشوريين؛ فإن من احتفظ منهم بدينه المسيحي؛ فإنه بقي محافظاً على لغته وقوميته، أما من أسلم منهم؛ فقد استعرب لغة وقومية.

12- تتكون الأمة العراقية في حدود العراق الحالية، من عرقيات وقوميات وشعوب متنوعة، بعضها قوميات مؤسسة للعراق الأصلي (جنوب العراق) قبل ستة آلاف سنة، وبعضها مؤسسة للعراق الوسيط (الجنوب والفرات الأوسط) قبل خمسة آلاف سنة، وبعضها قوميات مؤسسة للعراق الإمبراطوري وحضارة وادي الرافدين (العراق الطولي بين دجلة والفرات من شماله الى جنوبه) قبل أكثر من أربعة آلاف سنة، وقسم منها مؤسس للعراق الإسلامي ذي الولايتين، قبل (1,400) سنة، وبعضها مؤسس للعراق العثماني ذي الثلاث ولايات، وهذه المكونات القومية على النحو التالي:

  • السومريون، وهم أصل العراق، وأول من استوطنه قبل (7,000) سنة تقريباً، وموطنهم الأصلي جنوب العراق، ثم استوطنوا الفرات الأوسط وشمال العراق، وخرج منهم الأكديون في الفرات الأوسط، الذين هم خليط من الشعوب السومرية والبابلية والكلدانية والأمورية. وكانت دولهم في جنوب العراق أول المدن ــ الدول في العالم، ثم تحولت الى امبراطورية قبل (5,000) سنة، تمتد على كل أراضي ما بين النهرين.
  • البابليون، وهم شعب خليط من عدة قوميات، يعود تأسيسهم الى الآمورييين المهاجرين من بادية سوريا قبل (5.000) سنة تقريباً، وأسسوا مدينة بابل، وكانت منطقة خاضعة للسومريين، ثم سيطر الكلدانيون على بابل، ثم الحيثيون ثم الكاشيون ثم الفرس، ولذلك؛ فإن البابليين هم خليط من الآموريين والكلدانيين والكاشيين والفرس، وموطنهم الأصلي الفرات الأوسط، ثم امتدوا في أراضي بين النهرين حتى الشمال.
  • الكلدان، وهم شعب ينتمي الى حضارة بين النهرين، وموطنه الفرات الأوسط، وكانوا حكام بابل وأباطرتها بعد الآموريين، وذلك قبل (4500) سنة.
  • الآشوريون، وهم خليط قومي يعود الى الشعب الأكدي (الخليط بالأساس) المهاجر من الفرات الأوسط. وقد تكوّن الشعب الآشوري من السومريين والحيثيين والحوريين والكلدان والآراميين، وموطنهم شمال العراق، وتأسست امبراطوريتهم في شمال العراق، وتحديداً في جنوب محافظة نينوى الحالية، قبل حوالي (4500 سنة).
  • العيلاميون، وهم عرقية أصلها من جنوب غرب إيران، وتنتمي إليهم القومية اللرية التي تضم القبائل الفيلية واللكية والبختيارية والكلهورية وغيرها، وقد استحوذت تسمية الفيليين في العراق على كل المنتمين الى القومية اللرية، والتي استوطن قسم من قبائلها في جنوب شرق العراق (شرق دجلة) قبل (4000) سنة تقريباً.
  • الفرس، وهم قومية إيرانية، نزحت بعض قبائلهم الى شرق العراق قبل (3,000) سنة تقريباً، وظلت طيسفون (شرق بغداد) عاصمةً لإمبراطوريتهم حتى الفتح العربي الإسلامي.
  • اليهود، وهم ديانة وقومية، استوطن بعضهم في بابل، بعد أن سباهم الإمبراطور البابلي، وجلبهم من أرض كنعان (فلسطين الحالية) قبل (2,600) سنة، ثم انتشروا في مناطق الفرات الأوسط.
  • العرب، وهم من الشعوب السامية، ويتشكلون من عرب اليمن وعرب الجزيرة العربية، وأول من هاجر منهم الى العراق، المناذرة في الفرات الأوسط قبل (2,100) سنة، ثم التغالبة في شمال العراق.
  • الكرد، وهم من الشعوب الميدية الآرية، واستمرت هجراتهم من إيران الى شمال العراق، حيث موطنهم الحالي، لأكثر من (3,000).
  • التركمان، وهم من الشعوب التركية الأوغوزية التي تعود أصولها الى منطقة تركستان غرب الصين، ولعلهم آخر الشعوب التي استوطنت شمال العراق مع الهجرات التركية، ولاسيما السلجوقية والعثمانية، وأهمها هجرات ما بعد العام 1055 م وما بعد العام 1534 م.

وهناك مكونات أُخرى، كالصابئة والشبك والإيزديين، لكنهم ليسوا قوميات؛ فالصابئة هم أتباع ديانة، وفيهم من أصول سومرية وعيلامية وكلدانية وعربية وغيرها، وهكذا بالنسبة للإيزديين؛ فهم ديانة وليسوا قومية؛ إذ فيهم عرب وكرد، أما الشبك؛ فهم خليط مندمج من الفرس والآذريين والكرد والتركمان، برغم استقلالية لغتهم، والتي هي أيضاً خليط لغوي من القوميات الأربع المندمجة المذكورة.

 

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment