المصطلح أحد مظاهر وعي الغرب بالإسلام

Last Updated: 2024/04/07By

المصطلح: أحد مظاهر وعي الغرب بالإسلام

د. علي المؤمن

من أهم مظاهر الوعي الغربي وإفرازاته، التسميات والمصطلحات التي يعرّف بها الواقع الإسلامي والحركات الإسلامية وتيارات النهوض، وهي مفاهيم تحمل فهماً مسبقاً وأحكاماً جاهزة لا تمت إلى الموضوعية والبحث العلمي بصلة، ويراد بها التعتيم على حقيقة الواقع الإسلامي وتشويهه. ووفق هذه القاعدة؛ فإن الدراسات الغربية تقسم المسلمين إلى ثنائيات متعارضة، تنسجم مع وعي الغرب بالظواهر والأحداث التي تمثل الآخر المختلف، وليس لهذه الثنائيات وجود عقدي إسلامي؛ فمثلاً تضع مصطلح «المسلم» في مقابل «الأصولي»، و«المتديّن» مقابل «المتعصّب» أو «المتطرّف»، و«الإسلام المعتدل» مقابل «الإسلام المتشدد».

كما تضع لكل مفردة أو مصطلح تعريفاً خاصاً، فالإسلام السياسي (political Islamic) هو الإسلام الذي لا يؤمن بالفصل بين العقيدة والسياسة، ويقف في صف المعارضة لاستلام السلطة. أما الإسلام الثوري (Revolutionary Islam) أو الراديكالي (Radical Islam) فهو الإسلام الذي يهيئ المجتمع لصنع ثورة في داخله تطيح بالبنى الوضعية التي يقف عليها، والإسلام الرسمي (Official Islam) هو الذي تتبناه الحكومات المحافظة أو العلمانية، ويرادف – غالباً – الإسلام التقليدي (Traditional Islam)، ويقابل الإسلام الشعبي (Popular Islam) الذي يتبناه الجمهور المؤمن بحركة النهوض الإسلامي.

وهناك مصطلحات أطلقت لتوصيف النهضة الإسلامية، كالغضب المقدس، الهياج الإسلامي، تيّار التشدد، ولكن مصطلح «الأصولية الإسلامية» (Islamic Fundamentalism) يبقى هو الأبرز على الإطلاق؛ إذ يؤكد الغربيون على أنه التعبير الأفضل، والأكثر انطباقاً على (الظاهرة!). ينسب هذا المصطلح إلى كاتب مصري، كان قد وضعه بالانجليزية كمرادف لمصطلح «السلفية»، ثم تبنّاه الغربيون فيما بعد. والملفت أن بعض الكتّاب والمثقّفين المسلمين، قد استعمل ذات المصطلحات التحريفية التي يصوغها الغرب، وتبنّاها كمسلمّات، ولعلّ أحد أسباب ذلك هو ضعف أدبيات الصحوة، فروجيه غارودي المسلم – كنموذج – يقول: «إن الأصوليات، كل الأصوليات، سواء أكانت تكنوقراطية، أم ستالينية، أم مسيحية، أم يهودية، أم إسلامية، تشكل اليوم الخطر الأكبر على المستقبل» أي أنه يصنف الصحوة الإسلامية كأصولية، بل ويقرنها بالأصوليات الأُخر!

وبمراجعة سريعة لجذور المصطلح – بغض النظر عن مصاديقه – نجد أنه ينطوي على انحراف كبير في الفهم والتشخيص. فمعجم لاروس (الفرنسي) الصادر عام 1984 يعرّف الأصولية بأنها «موقف جمود وتصلّب». في حين تحدد الطبعة الصادرة عام 1979 الأصولية بـ«الأصولية الكاثوليكية» فقط. ومن هنا فالأصولية تعني لدى الغرب: الجمود، العودة إلى التراث والماضي، الانغلاق التحجر المذهبي، التعصّب، وكل ما هو مضاد للحداثة والمعاصرة والعلمية والانفتاح والاعتدال والتسامح والتطور والإنماء والعقلانية.

والمدلول الآخر للأصولية هو الأقلية المنعزلة في المجتمع. يذكر أن المصطلح أطلق – بادئ الأمر – على حركة مسيحية بروتستانتية متعصبة ظهرت في أمريكا في بدايات القرن الماضي ويتميز أعضاء هذه الحركة – كما تشير قواميس اللغة والمعاجم الغربية – بالتعصب إلى حد الجهل، والتمسك الحرفي بالكتاب المقدّس، وأنهم أقلية منعزلة عن المجتمع. كما وضعت كلمة الكنيسة الأصولية في مقابل الكنيسة المعتدلة المتأثرة بالتجديد والعصرنة.

ويفهم من ذلك أن خلفية إطلاق الغرب مصطلح الأصولية على الصحوة الإسلامية تتمثّل في محاولة تقريب الصورة إلى ذهن المواطن الغربي، الذي يدرك جيداً ما تعنيه الأصولية المسيحية أولاً، وثانياً الإيحاء للذهنية الغربية التي تكره الأصولية المسيحية – غالباً – بخطورة الصحوة الإسلامية؛ لأنها وجه آخر للأصولية الكاثوليكية في أوروبا والأصولية البروتستانتية في أمريكا.

وفي الوقت نفسه، انتقد بعض الباحثين الغربيين – أمثال «لورانس بروك» – استعمال تعبير الأصولية، لعدم وجود دلالة لها في الفكر العربي. في حين فنّد معظم الباحثين والمستشرقين هذا الانتقاد؛ لأن التعبير – حسب ادعائهم – يكفيه أن له دلالة في العقل الغربي، الذي يفهم أن هذه (الظاهرة) هي أصولية وحسب، وذلك انطلاقاً من كون الحقيقة المطلقة لجميع الظواهر الاجتماعية والكونية، هي وعي العقل الغربي بالظاهرة، بل لدلالاتها التاريخية والفكرية، وتأكيدها البعد السياسي للإسلام أكثر من بعده الديني. وهذا الفهم – هو الآخر – فهم ناقص ومشوّه؛ لأن الأصولية، حسب المداليل السلبية الغربية الاصطلاحية، ليس لها ارتباط من قريب أو بعيد بالأصولية في مدلولها الإسلامي، فالأصوليون – حسب المدلول الاصطلاحي الإسلامي – هم المتخصصون بعلم أصول الفقه، أو أصحاب النزعة لاستخدام أصول الفقه في عملية الاستنباط الفقهي، في مقابل النزعة الإخبارية.

وفي السنوات الأخيرة بدأت الدراسات الغربية تعي ظواهر أخرى في مجتمعات المسلمين، غير ما تصطلح عليه بالأصولية الإسلامية والإسلام المحافظ، وأبرزها ظاهرة «إسلام النخبة» أو «اليسار الإسلامي»، أو «الإسلاميون الحداثّيون» (Islamic Modernists)، كتيّار وسط بين المتطرفين (Extremists) والتقليديين، وهؤلاء يتميزون بكونهم نخباً وجماعات تتصدى لقيادة المجتمع ثقافياً وفكرياً وليس سياسياً.

ويرجع بعض الكتّاب المسلمين – ربما عن حسن نيّة – سبب ظهور الأصولية في العالم الثالث إلى الأصولية الغربية، التي يعتبرونها العلة الأولى المتسببة في ولادة كل الأصوليات الأخرى، كردّ على أصولية الغرب، إذ إن «الأصولية في العالم الثالث ولدت جراء زعم الغرب، منذ النهضة فرض نموذجه الإنمائي والثقافي». ومعنى ذلك أن الصحوة الإسلامية هي مجرد ردّ فعل ضد الأصولية الغربية. وهذا الزعم خاطئ هو الآخر، رغم محاولته تعرية ادّعاءات الغرب، وردّ تهمه إليه، لأنه يؤكد – في جانب منه – كون الغرب هو «المركز»، وهو مصدر التأثيرات، وما عداه «أطراف» ومتأثرون ليس إلاّ! فضلاً عن أنه ينفي الأصالة والعمق التاريخي والفكري والاجتماعي عن الصحوة.

 

 

 

 

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment