المرجع الديني المتصدّي وتعدد مرجعيات التقليد

Last Updated: 2024/04/07By

المرجع الديني المتصدّي وتعدد مرجعيات التقليد

د. علي المؤمن

إنّ الجعل الشرعي، بأنّ يكون لكل الفقهاء ولاية الفتوى والقضاء والحسبة وتداول المال الشرعي، يخلق إشكالية لا تزال مدار بحث ونقاش. فإذا كان الفقيه منصوباً من قبل الإمام المعصوم نصباً عاماً، ومعيّن تعييناً نوعياً؛ فهذا يعني أنّ الولاية هنا تكون لجميع الفقهاء، ولهم حق إعمالها في الزمان والمكان نفسيهما؛ لأنّهم معينون تعييناً نوعياً دون استثناء. وهو ما جرت عليه العادة؛ إذ يطرح المرجع الديني نفسه، ويؤكد أعلميته في الساحة العلمية من خلال دروسه وأبحاثه، ومن خلال تلامذته وحاشيته؛ فيكون مرجعاً يقلّده قسم من الشيعة، دون أن يكون لهم دور في تعيينه، ودون أن يكون للكفاءة القيادية والقدرة على تلبية الحاجات الاجتماعية أثر في التعيين غالباً.

والرجوع إلى الفقهاء وتقليدهم لا يدل على رجوع الأُمّة في زمن معيّن إلى فقيه أو مرجع بعينه؛ بل لكل من اجتمعت فيه الشـروط المثبّتة في كتب الفقه والحديث، ولا سيما الفقاهة والعدالة. حتى إنّ الأعلمية غير مشـروطة بجعل الولاية للفقيه؛ بل تتحقق الولاية لكل فقيه، كما تدل ظاهر الأحاديث، وهو ما أدّى إلى تعدد مراجع التقليد في كل عصر.

وحيال إشكالية تعدد مراجع التقليد؛ يرى المعنيون بالنظام الاجتماعي الديني الشيعي ضرورة حصول إجماع نسبي لدى أهل الخبرة في الحوزتين الشيعيتين المركزيتين (النجف وقم) لطرح أحد المراجع وفق شرائط معينة؛ ليكون هو المرجع المتصدّي أو المرجع الأعلى؛ للحيلولة دون التعارض بين المراجع في قضايا الشأن العام والنظام المجتمعي، وهو أمر أساس ومصيري للنظام الاجتماعي الديني الشيعي؛ لأنّ ممارسة جميع الفقهاء لولاية الحسبة في الشأن العام في وقت واحد ومكان واحد يؤدي إلى الفوضى وانهيار النظام العام. ولذلك؛ يمكن إضافة شرطي الكفاءة والمقبولية العامة إلى شرطي الاجتهاد والعدالة؛ ليكونا شرطين مرجِّحين في هذا المجال. أمّا إذا تحقق شرط الأعلمية النسبية؛ فستكون الشروط متكاملة في المرجع المتصدّي أو الأعلى الذي تكون له ولاية على النظام العام، كما الحاصل اليوم مع مرجعيتي السيد السيستاني والسيد الخامنئي.

وفضلاً عن أنّ هناك عرفاً موروثاً بحصر المرجع الأعلى والمرجعيات عامة، سواء في النجف أو قم؛ فإنّ دليل حصر المرجعية العليا المتصدّية للشأن العام وولاية الفقيه، كما هو السائد دائماً؛ هو الدليل العقلي التدبيري المقبول شرعاً؛ بل الواجب بالعنوان الثانوي، والذي يفرض وجـود مرجعية عليا تتولى حصراً شؤون حفظ النظام؛ لدرء المفاسد عن النظام الاجتماعي الشيعي، والحيلولة دون تمزق قراره وتشظيه، ودون تمرد الجماعات الدينية الخاصة على زعامة النظام المتمثلة بالمرجع الأعلى المتصدّي.

 

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment