المذاهب الإسلامية بين العرب والفرس
المذاهب الإسلامية بين العرب والفرس
د. علي المؤمن
لم يكن الإسلام منذ أظهره الرسول محمد في الجزيرة العربية، ديناً لقوم أو جغرافيا أو لغة أو لون؛ فكل الأعراق والأقوام والألوان من منظار الإسلام؛ بشر متساوون في الإنسانية، ولا يميزهم عن بعضهم سوى مستوى التزامهم بإنسانيتهم، أما المسلمون منهم، عرباً وفرساً وأوزبكاً وكرداً وتركاً ونوبيين وأمازيغ وهنود وأوربيين وروس وغيرهم؛ فهم متساوون كأسنان المشط، لا فرق بينهم إطلاقاً، إلّا بمستوى إيمانهم وتقواهم وخدمتهم للدين، وهو ما تؤكده النصوص الإسلامية بوضوح، دون الحاجة لعناء التفسير والتأويل، ولعل أوضحها: ((وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم))، فالالتزام بالدين هو معيار الأفضلية حصراً، وليس العرق والقبيلة واللون، وقول الرسول: ((لا فرق بين عربي وأعجمي وأبيض وأسود، إلّا بالتقوى)).
أما تحريف مسار المسلمين بعد باتجاه تفضيل قومية على أخرى، وتحديداً تفضيل العرب على غيرهم من الأقوام، فهو صناعة أموية بامتياز، وقد بدأها معاوية، حتى ظهر التمييز بين المسلمين، بين عرب وموالي، وبات الأُمويون يبثون روح الاستعلاء والاستكبار تجاه القوميات الأُخر، وانعكس ذلك على ظهور الحركات المعادية للعرب في شمال أفريقيا وبلاد فارس وغيرهما، ومنها الحركات الشعوبية. وأخذ هذا الفصل العنصري الأموي يضعف تدريجياً، بفضل حراك أهل البيت الاجتماعي والتبليغي من جهة، وسقوط الدولة الأموية وسيطرة العباسيين على زمام أمور المسلمين من جهة أخرى، إلّا أن العقيدة الأموية الطائفية العنصرية، ظلت حاضرة في عقول وسلوكيات كثير من المسلمين العرب، يقابلها ردود فعل متعارضة من القوميات الأخرى، ولاسيما الفرس.
ورغم هذه الحساسيات القومية؛ فقد ساهم كثير من الأقوام في انتشار الإسلام والتأسيس لعلومه، إلّا أن قومين كان لهم الدور الأهم في هذا المجال، هم العرب والفرس، وخاصة في مجال التأسيس للمذاهب الإسلامية وانتشارها. ونذكر هذه الحقائق، ليس للتنابز بالألقاب والأنساب أو تمييز قومية مسلمة على أخرى، ولكن؛ للتاريخ فقط ولرفع الشبهات عن بعض المذاهب الإسلامية في هذا المجال، وهي الشبهات التي ظلت تساهم في الخلافات النفسية والسلوكيات المتعارضة بين المسلمين.
كحقيقة تاريخية، لا تشكل أي انتقاص من الفرس أو من المذاهب السنية، أو تجعل العروبة معياراً للصح والخطأ، إطلاقاً؛ فإن التشيع هو مذهب حجازي عراقي من الناحية الجغرافية، وحاضنته عربية، وأئمته عرب من الناحية القومية، أما التسنن فقد كان للفرس المساهمة الأكبر في تأسيسه ونشره، فأئمته ومحدثوه ورواته أغلبهم من الأعاجم. وقد تشيع الفرس على يد العلويين والشيعة العرب المهاجرين، ثم على يد الفقهاء العرب شيعوا الفرس. أما العرب؛ فكان أغلبهم من الشيعة، من المغرب العربي وحتى بلاد الشام والعراق، حتى قام الكرد الإيرانيين، من زنكيين وأيوبيين، ثم السلاجقة الترك، بفرض التسنن بقوة السلاح على الشيعة العرب، فقد كان سلاطين الدول الشيعية الحمدانية والإدريسية والفاطمية، والذين حكموا العالم الإسلامي كله، من ذرية رسول الله أو من العرب الأقحاح، وكان أغلب شعوب هذه البلدان هم من الشيعة العرب، إلّا أن صلاح الدين الأيوبي، الكردي الإيراني، كان أكثر شخصية في التاريخ نجحت في حمل العرب الشيعة على التسنن، بعد أن قتل مئات الآلاف منهم. في حين أن إسماعيل الصفوي، ذا الأصل العربي العراقي، هو الذي شيّع ما بقي من الفرس.
latest video
news via inbox
Nulla turp dis cursus. Integer liberos euismod pretium faucibua