المختار الثقفي مؤسس الشيعية السياسية في التاريخ

Last Updated: 2024/04/07By

المختار الثقفي مؤسس “الشيعية السياسية” في التاريخ

د. علي المؤمن

كانت دولة العراق الشيعية (66 -67 ه) التي أسسها القائد الإسلامي المختار الثقفي (ت 67 ه) في وسط وغرب العراق، وعاصمتها الكوفة، أول دولة سياسية شيعية في التاريخ، كما كان المختار أول سياسي شيعي في التاريخ. وقد خرجت دولة المختار العراقية الشيعية من رحم الثورات والانتفاضات التي قام بها شيعة العراق ضد الحكم الأُموي، وتوجتها ثورة المختار، ومثلت بمجموعها ردود فعل على سياسات القمع والاجتثاث التي ظلت السلطات الأموية والعباسية تمارسها ضد الشيعة من جهة، وامتداداً لنهضة الإمام الحسين من جهة أُخرى.

وإذا كانت الثورات والانتفاضات التي سبقت ثورة المختار، وأهمها ثورة التوابين، ردود فعل انتقامية على قتل السلطة الأُموية للإمام الحسين؛ فإن ثورة المختار لم تكن مجرد رد فعل، بل كانت فعلاً سياسياً عقدياً مدروساً في قواعده الفكرية وأهدافه ووسائله وأساليبه. كما إنها تختلف في وسائلها وأساليبها عن نهضة الإمام الحسين، التي كانت حركة إصلاحية دينية في جوهرها، إلّا أن السلوك العجيب للسلطان الأموي يزيد بن معاوية ضد النهضة، والذي ختمه بمجزرة دموية ضد آل البيت، ربما جعل شكلها الثوري هو الأبرز في مراحل النهضة، بينما كانت حركة المختار حركة سياسية ثورية، اتخذت سلوكيات سياسية صرفة، وخاصة ما يرتبط بنوعية التحالفات.

لذلك؛ يعد المختار الثقفي مؤسس “الشيعية السياسية” في التاريخ، أي المنظومة التي تستخدم أساليب وسلوكيات سياسية وعسكرية في التحرك والوصول الى السلطة، وفي ممارسة الحكم، وربما يكون في جزء من هذه السلوكيات خروجاً على الثوابت الشرعية لمدرسة آل البيت، ولاسيما تشبهها بالسلوكيات السلطانية للدول السنية، وهو ما يجعل المختار أول سياسي وعسكري شيعي في التاريخ بالمعنی الاحترافي للسیاسي، والذي يمارس العمل السیاسي والعسكري بصیغة المتعارفة آنذاك، بما جعله نداً سياسياً للأمويين والزبيريين. فبعد مقتل الإمام الحسين وموت يزيد، تقسمت بلاد المسلمين الى ثلاث دول مسلمة متناحرة أو ثلاث خلافات وثلاث خلفاء، كل منهم كان يعد نفسه خليفة المسلمين:

  • الدولة الأُموية في الشام، عاصمتها دمشق، وخليفتها مروان بن الحكم، وهو خليفة الأُمويين، وهي دولة ناصبية معادية لآل البيت، وقد أسست عقيدة دينية سياسية جديدة، تتعارض في أفكارها وسلوكياتها عن الدين الإسلامي، كما سبق أن فصّلنا، وقد بدأ حكمها بسقوط دولة الإمام الحسن بن علي وسيطرة معاوية بن أبي سفيان على مقدرات دولة المسلمين.
  • الدولة الزبيرية في الحجاز، عاصمتها مكة، وخليفتها عبد الله بن الزبير، الذي أعلن نفسه خليفةً للمسلمين وأميراً للمؤمنين، وهي معادية لآل البيت، لكنها لم تبتدع عقيدة جديدة، وهي الأكثر تمثيلاً لمدرسة الخلفاء والصحابة، وقد قضت عليها الدولة الأموية في عهد عبد الملك بن مروان.
  • دولة المختار في العراق، عاصمتها الكوفة، وأميرها المختار الثقفي، وهي أول دولة شيعية بعد سقوط دولة الإمام الحسن بن علي، إلّا أن أميرها المختار لم يعلن نفسه خليفةً للمسلمين، لأن مرجعيته السياسية كانت متمثلة بالسيد محمد بن الإمام علي المعروف بــ “ابن الحنفية”، ومرجعيته الدينية الإمام علي بن الحسين السجاد، وقد استمر حكمها سنة ونصف، وقضت عليها الدولة الزبيرية.

ويمكن القول؛ إن هذا الواقع السياسي المعقد الذي هيمن على كل العالم الإسلامي آنذاك؛ كان يقوده الثلاثي: المختار الثقفي (الشيعي) وعبد الله بن الزبیر (السني) ومروان بن الحکم (الأموي). وقد دخل المختار في صفقات ومفاوضات ومراوغات، وتمکن من خداع خصومه، من أجل تحقیق أهدافه، كما تعرض للخديعة والغدر أيضاً، وقد شنّ علیه الأمویون والزبيريون حملة اعلامیة قویة لتشویه سمعته، ومنها اتهامه بمخالفة الإمام السجاد ومبايعة محمد بت الحنفية (ابن الإمام علي)، حتى أصبح المختار نموذج السياسي الشيعي الذي تحتذي به النخبة السیاسیة الشیعیة طوال التاريخ، في أساليب الوصول الى السلطة وممارسة الحكم، من أجل تحقيق الأهداف الأكبر، وفي مقدمتها حماية الشيعة والمذهب.

لقد تلخصت أهداف المختار في إقامة دولة آل البيت ونصرة التشيع ودفع فتنة الأُمويين، وهي أهداف يشترك فيها جميع الشيعة، وعلى رأسهم إمام التشيع في زمانه علي بن الحسين زين العابدين، لكن كان هناك اختلاف في النظرة الى الأدوات والوسائل؛ إذ أن هذه الأدوات لم يكن ليستخدمها الإمام السجاد، لأن موقعه يحتم عليه ألّا يستخدم ما لا ينبغي للإمام استخدامه، ومنها أن المختار رسم أولوياته السياسية منذ بداية حراكه؛ فالأولوية تكمن في ضرب سلطة آل أُمية، وهو ما سمح لنفسه إنشاء تحالف سياسي مع خصم اقل خطورة هو عبد الله بن الزبير، من اجل القضاء على آل أُمية، رغم أن آل الزبير خصوم لآل البيت؛ الأمر الذي أثار حفيظة كثير من الشيعة، لكن المختار كان يستخدم أدوات خصوم الشيعة نفسها، أي التحالفات السياسية مع الجماعات غير المنسجمة عقدياً ومذهبياً معه، والصراع السياسي والعسكري على السلطة، والعمل الدعائي والاستخباري، وتأليف القلوب وكسب الموالين والمتعاونين، وتعميق ثقافة السلطة لدى الشيعة، وتحسيسهم بأهمية الحكم في حماية العقيدة والمذهب والفكرة والنظام الديني.

إلّا أنّ المختار لم يمارس سياسة الإقصاء العقدي والمذهبي، ولم يتدخل في توجهات الناس في هذا المجال، بل كان جل همه إقصاء آل أمية سياسياً فقط، وكان شعار “الثأر للحسين” وآل البيت، شعاراً يقوم على قاعدة القصاص من القتلة فقط، وليس تعميم الانتقام، ليتحول الى إقصاء عقدي ومذهبي، أي أن المختار أسس أيضاً لقاعدة أخرى في الحكم والعمل السياسي، وهي قاعدة التسامح في الاعتقاد والتمذهب، وهي التي أسسها الإمام علي خلال سنوات حكمه.

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment