المجتمع الشيعي اللبناني

Last Updated: 2024/04/07By

المجتمع الشيعي اللبناني

د. علي المؤمن

يُعدّ المجتمع الشيعي اللبناني من المجتمعات العريقة في تشيعها، فهو يعود تاريخياً إلى عصر صدر الإسلام، وظلت تسمية سكان «جبل عامل» هي التعبير التاريخي عن جغرافيا المجتمع الشيعي اللبناني، رغم انتشارهم في أغلب أراضي لبنان. وقد تسنى لشيعة لبنان إقامة أكثر من إمارة شيعية، أقدمها إمارة «بني عمار» في طرابلس. ولكن بعد سقوط الدولتين الفاطمية في مصر والحمدانية في سورية، واللتين شكلتا حماية سياسية لشيعة لبنان؛ فإنّ المجتمع الشيعي اللبناني تعرض لحملات اجتثاث وتدمير وقتل رهيبة خلال حكم الدول: الزنكية، والأيوبية، والعثمانية، حتى إنّ كثيراً من الأُسر الشيعية اللبنانية تحولوا إلى التسنن أو المسيحية هرباً من القتل؛ لأنّ الدولة العثمانية كانت تعدُّ شيعة لبنان كفاراً مهدوري الدم، بينما كان المسيحيون أهل ذمة ويعيشون بأمان.

هذا الواقع حوّل شيعة لبنان إلى مجتمع مهمّش سياسياً وفقير اقتصادياً ومتخلف تعليمياً. وتراكمت هذه الحالة بشكل كبير، حتى ظهور مرحلة التغيير التاريخي الحاسم للمجتمع الشيعي اللبناني، والتي جرت فصولها خلال عقود الستينات والسبعينات والثمانينات من القرن الماضي، وصولاً إلى تحول شيعة لبنان إلى الرقم السياسي الأول في لبنان بعد العام 2000، وتحديداً بعد النجاحات الاستراتيجية التي حققوها في المعركة المتواصلة مع إسرائيل، والتي ظلت الأنظمة العربية وجيوشها وإعلامها تفشل فيها منذ العام 1948، حتى بات المجتمع الشيعي اللبناني عنواناً رئيساً لعنفوان الشيعة العرب وفخرهم، بل إنّ المجتمع الشيعي اللبناني حقق لكل اللبنانيين انتصارات تاريخية لم يكن أي منهم يجرؤ حتى على التفكير فيها، ومنها أنّه فرض تغييراً جذرياً على نظرة العرب إلى لبنان، من مجرد بلد للسياحة واللهو والترفيه والتحرر من القيود الاجتماعية والدينية، إلى حاضنة للانتصارات الاستراتيجية على إسرائيل وجيشها، وبعقول وأيدي إسلامية عقدية. وهنا تكمن المفارقة الكبرى التي خلقتها مرحلة الصعود الشيعي خلال الأربعين عاماً الأخيرة.

ويتميز المجتمع الشيعي اللبناني بمرونته الاجتماعية وانفتاحه الثقافي، وكونه مجتمعاً متماسكاً. وقد لعب النظام السياسي المؤسَّس بعد العام 1934، والذي يكفل حرية التعبير والتمذهب، بما لا يتوافر في أية دولة عربية أُخرى (باستثناء العراق بعد العام 2003)، إضافة إلى نهضتهم التعليمية والثقافية والإعلامية والاقتصادية والسياسية المتسارعة خلال الستين عاماً الأخيرة، في جعل شيعة لبنان قناةً فاعلة للتواصل مع الضفة السنية في العالم العربي، والصوت الشيعي العربي الأعلى في مجالات الإعلام والطباعة والنشر؛ إذ ظل المجتمع الشيعي اللبناني، النافذة التي يطل عبرها الإنتاج المعرفي والفكري والثقافي الشيعي، على البلدان العربية، ولا سيما الإنتاج العراقي والإيراني، من خلال الصحف وطباعة الكتب والدوريات الشيعية ونشرها.

 

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment