المجتمع الشيعي الخليجي

Last Updated: 2024/04/07By

المجتمع الشيعي الخليجي

د. علي المؤمن

يُعدّ المجتمع الشيعي الجزيري والخليجي مجتمعاً واحداً إلى حد كبير، من الناحيتين الاجتماعية والإنسانية، وتبلغ نسبته 30 % من عدد سكان دول مجلس التعاون الخليجي (السعودية، الكويت، عمان، الإمارات العربية المتحدة، البحرين وقطر)، وهو الأقدم تاريخياً في الولاء لآل البيت، وأرضه هي جغرافيا تأسيس التشيع، وتحديداً أرض الحجاز، والأكثر تحديداً المدينة المنورة. إلّا أنّ خضوع ولايات الجزيرة إلى الحكومات المناهضة للشيعة منذ عصر صدر الإسلام، مروراً بالحكومات الزبيرية والأُموية والعباسية، وصولاً إلى الحكم السعودي الوهابي الذي يكفِّر الشيعة ويستحل دماءهم، حوّل شيعة الجزيرة والخليج إلى أقلية مذهبية مضطهدة ومهمشة اجتماعياً وسياسياً. وتعزز هذا الواقع، بعد سيطرة الأُسر المتفرعة عن قبائل العتوب النجدية، على أغلب مشيخات الخليج، منذ القرن الثامن عشر الميلادي. وربما كان الاستثناء الوحيد هو اليمن الزيدي حتى سقوط نظام الإمامة فيه.

ويمكن القول إنّ أوضاع الشيعة في شبه الجزيرة العربية والمنطقة الخليجية كانت تشبه غيرها من المجتمعات الشيعية العربية، بل كان أغلب المشيخات الخليجية تحظى بحماية الدولة الإيرانية، وخاصة البحرين، وبالتالي حماية شيعتها، حتى ظهور الوهابية في نجد وهجرة قبائل العتوب وسيطرة الأُسر الحاكمة الحالية على البلدان الخليجية، وهي: (آل الصباح) في الكويت و(آل خليفة) البحرين و(آل ثاني) قطر و(آل نهيان) في أبو ظبي و(آل مكتوم) دبي و(القواسم)الشارجة، وهي أُسر مهاجرة من نجد في شرق الجزيرة العربية، وكانت ضمن تحالف قبلي يسمى (العتوب). وكانت جزيرة البحرين حاضرة علمية وثقافية وسياسية شيعية مهمة حتى احتلالها من الأُسرة الحالية، وقد ساهم علماء الدين البحرانيين مساهمة علمية وتبليغية مهمة في دعم الحكام الصفويين، من أجل استتباب المذهب الشيعي في إيران، شأنهم شان علماء العراق ولبنان.

ولعل المجتمع الشيعي الخليجي هو أحد أكثر المجتمعات الشيعية تعرضاً للتهميش، لكنه ـ في الوقت نفسه ـ الأكثر نزوعاً نحو المسالمة والهدوء والحذر. صحيح أنّ شيعة العراق أكثر منهم تعرضاً للظلم والقمع والقتل بأضعاف مضاعفة، لكن الاختلاف هو أنّ شيعة العراق ظلت لهم سطوات وجولات وثورات وانتفاضات ضد محتليهم وظالميهم، بسبب ما يتمتعون به من عناصر القوة العددية السكانية والديموغرافية، ووجود الحوزة النجفية والمرجعية العليا، والقدرة المالية النسبية، بينما ظل الشيعة الخليجيون، يتعرضون للاضطهاد والقتـل بصمت، كونهم أقليـة عددية حضـرية، وسط واقع قبلي طائفي مناهض شرس. وربما يكون المجتمع الشيعي البحراني هو الاستثناء بين المجتمعات الخليجية الأُخر في الإعلان الدائم للرفض والمقاومة ضد سياسات التهميش والقمع، كونه يمثل الأكثرية العددية السكانية في البحرين؛ فقد كانت نسبة شيعة البحرين تبلغ حوالي 75 % من إجمالي عدد سكان البلاد، وذلك حتى عقد الستينات من القرن العشرين، ولكن بسبب عملية التجنيس الواسعة والسريعة للأجانب السنة، وخاصة العرب والهنود والباكستانيين، فقد انخفضت النسبة إلى أقل من 65 %. وكان هذا التغيير الديموغرافي الطائفي الذي يتبعه النظام بشكل ممنهج، أحد أسباب مقاومة السكان الأصليين (الشيعة) للأُسرة الحاكمة. ويضاف الى الأكثرية العددية لشيعة البحرين؛ فهناك أيضاً التنظيمات الاجتماعية والثقافية والسياسية الكبيرة التي تمثلهم، فضلاً عن عدد نوعي وكمي من الفقهاء وعلماء الدين، وهي بمجموعها مقومات لا يتمتع بها شيعة البلدان الخليجية الأُخر.

ويتناسب الاستقرار المجتمعي الشيعي في البلدان الخليجية مع طبيعة النظام السياسي في كل بلد، فكلما كان هذا النظام قريباً من سياسة المواطنة وحرية التمذهب والحقوق العامة، كان المجتمع الشيعي أكثر استقراراً واندماجاً بمجتمع الدولة وانتماءً لنظامها السياسي، وهو ما تتميز به عُمان والكويت، بينما يحدث العكس تماماً في ظل الأنظمة الطائفية التمييزية القمعية، وهو ما عليه السعودية والبحرين.

والذي ميّز المجتمع الشيعي الخليجي بعد الطفرة المالية النفطية في خمسينات القرن الماضي، هو تحوّله إلى داعم مالي رئيس للمؤسسة الدينية ولعموم النظام الاجتماعي الديني الشيعي، وخاصة في مجالات التبليغ الديني والنشاطات الوقفية والخيرية والثقافية. ولذلك، ظلت مساهمة المجتمعات الشيعية الخليجية، مؤثرة في تنمية وإعمار المؤسسات الدينية والثقافية والخدمية الشيعية في العراق ولبنان وسورية وإفريقية وأوروبا.

 

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment