المجتمع الشيعي الآذربيجاني

Last Updated: 2024/04/07By

المجتمع الشيعي الآذربيجاني

د. علي المؤمن

المجتمع الشيعي في جمهورية آذربيجان هو امتداد إنساني ووطني ومذهبي للمجتمع الشيعي الإيراني عموماً، والمجتمع الآذربيجاني الإيراني خصوصاً، على اعتبار أن جمهورية آذربيجان وغيرها من أراضي القوقاز الجنوبي، كانت حتى العام 1828جزءاً من أراضي إيران، قبل احتلالها من روسيا القيصـرية، إثر هزيمة إيران في حربين كبيرتين مع روسيا. وقد أدى ذلك إلى تمزق اجتماعي وإنساني كبير في المجتمع الشيعي الآذربيجاني؛ إذ بقيت الأكثرية القومية «الآذرية» (الآذربيجانية) تعيش في مناطقها ضمن الدولة الإيرانية، بينما انفصلت الأقلية الآذرية التي اقتطعت روسيا أراضيها من إيران، وبقيت في آذربيجان الشمالية ومناطق قره باغ ونخجوان ولنكران، وهي مناطق ذات حضور قومي آذربيجاني كثيف.

وبعد تأسيس الاتحاد السوفيتي وضم آذربيجان إليه، منعت السلطات الشيوعية استمرار تواصل الشيعة الآذريين في الجمهوريات السوفيتية، مع مؤسساتهم الدينية الشيعية في إيران والعراق، وهو التواصل الطبيعي الذي ظل قائماً طوال قرون مديدة، شأنهم شأن كل المجتمعات الشيعية الأُخر. وحينها استمر نزوح الآذربيجانيين إلى الداخل الإيراني والى العراق، هرباً من القتل أو من عمليات السلخ الديني المذهبي الاجتماعي، وذلك استمراراً لنزوحهم الكبير بعد الاحتلال الروسي القيصـري. وتسبب ذلك في موجة جديدة من تمزق المجتمع الشيعي الآذري، والتي جعلت أبناء الأُسرة الواحدة موزعين بين آذربيجان وروسيا وأرمينيا وجورجيا وإيران والعراق، وهو تمزق اجتماعي سياسي قانوني لا نظير له في أي مجتمع شيعي آخر، الأمر الذي كانت له انعكاسات كارثية على وحدة المجتمع الشيعي الآذربيجاني وتماسكه وعلاقته بالنظام الاجتماعي الديني الشيعي العالمي.

ويمكن القول بأنّ شيعة جمهورية آذربيجان المستقلة، حديثو عهد بحقائق التشيع والنظام الاجتماعي الذي يفرزه، إذ بدأت عودتهم إليهما مع سقوط الاتحاد السوفيتي في العام 1992، بعد (100) عام من الاحتلال القيصـري الروسي، ثم (70) عاماً من الحكم الشيوعي السوفيتي، الذي قمع أي مظهر ديني شخصي واجتماعي ومؤسَّسي. ولذلك، لم يتسن لشيعة آذربيجان خلال العقود الأربعة التي أعقبت الاستقلال، التحول إلى مجتمع ديني شيعي متماسك، رغم أنّ نسبتهم تبلغ 80 % من سكان آذربيجان. ويعود سبب عدم استقرار عملية إعادة تأسيس المجتمع الشيعي الآذربيجاني إلى سياسات النظام العلماني الإقصائية المعادية للدين والمذهب، وهو نظام يحكمه المسؤولون الشيوعيون السابقون أنفسهم، والذين استمروا في الإمساك بالسلطة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي واستقلال آذربيجان، رغم كونهم من أُسر شيعية.

وقد عمل النظام الآذربيجاني العلماني الجديد، وبكل أساليب القمع والدعاية، على منع المظاهر الدينية الشيعية ونموها، وسد الطريق أمام أي تأثير إيديولوجي شيعي قادم من إيران ومؤسساتها الدينية، إلى جانب انخراطه في المنظومة القومية للدولة التركية، وتشجيع التبشير السني التركي بصيغته القومية العلمانية، بدعوى الأُصول التركية للقومية الآذرية، والسماح للنشاط التبشيري الوهابي السعودي، وكذلك فتح الأبواب أمام إسرائيل للاستثمار السياسي والاقتصادي والمخابراتي الواسع في آذربيجان. وهذه هي المخاطر الواقعية الأربعة الأساسية التي تواجه المجتمع الشيعي الآذربيجاني في صميم عملية إعادة تكوينه الديني المذهبي. وهو ما يعني أن المجتمع الشيعي الآذربيجاني يتعرض الى عملية سلب مركبة للهوية الشيعية، شبيهة بما كان يتعرض له الشعب العراقي في ظل الدولة العنصرية الطائفية؛ فمن جهة تركز الحكومة  (الشيوعية سابقاً) على الانتماء القومي التركي للآذريين، بوصفهم جزء من الأمة التركية التي تقودها تركيا الطائفية، وهذه الأمة عبارة عن بحر سني عملاق، يحيط بآذربيجان الصغيرة مساحة، وبشعبها القليل عدداً، ومن جهة أخرى، تفرض الحكومة ايديولوجيتها العلمانية المعادية للدين على المجتمع الآذربيجاني، وهي خليط ايديولوجي من الشيوعية الإلحادية والعلمانية الأتاتوركية، فضلاً عن فرض كل ألوان الانفلات الثقافي الاجتماعي.

ولعل من الأُمور التي تدعم مساعي إعادة تكوين المجتمع الديني المذهبي الآذربيجاني، وتنسجم مع المزاج القومي الآذري، هو أنّ عدداً نوعياً كبيراً من القادة والمراجع الشيعة المعاصرين هم من القومية الآذرية، كالسيد أبو القاسم الخوئي، والسيد محمد كاظم شريعتمداري، والشيخ جواد التبريزي، والشيخ محمد الفاضل اللنكراني، والشيخ جعفر السبحاني، والشيخ باقر الإيرواني، والسيد علي الخامنئي. وهذا الأمر يذكِّر بما يتميز به الآذريون من ناحية كثرة ما أنجبوه من المراجع والفقهاء والمفكرين والمثقفين الشيعة. فكل علماء الدين الذين يحملون ألقاب: إيرواني، لنكراني، نخجواني، بادكوبي، زنجاني، همداني، شبستري، أردبيلي، خلخالي، تبريزي، خوئي، خامنئي؛ هم من القومية الآذرية، رغم أن كثيراً منهم من السادة ذوي الأُصول العربية.

ولعل أهم إنجاز تاريخي شيعي يحسب للآذريين هو قيامهم بتأسيس الدولة الصفوية، إذ كان الآذريون ملوك الدولة وحكامها وحاضنتها الاجتماعية وعماد قواتها المسلحة. فالصفويون ليسوا فرساً، بل آذريين من أُصول عربية عراقية، ومن السادة الموسويين. ولذلك، ظلت لغة البلاط الإيراني والدولة والجيش هي اللغة الآذرية قرون طويلة من حكم الدول الصفوية والأفشارية والزندية والقاجارية. وبالتالي، فإنّ إنجاز تثبيت المذهب الجعفري مذهباً رسمياً في الدولة الإيرانية هو إنجاز آذري في جانبه السياسي والقانوني، وعربي (عراقي ولبناني وبحراني) في جانبه العلمي والتبليغي.

ويتميز المجتمع الشيعي الآذربيجاني ـ تاريخياً ـ بأنّه مصدر أغلب طقوس العزاء الحسيني التي تتميز بالقوة والعنف، والتي راجت في إيران والعراق، بسبب زيارات الآذربيجانيين إلى المدن الشيعية المقدسة في إيران والعراق وإقامتهم فيها. ولعل بعض هذه الطقوس انتقل إلى الآذريين من شيعة القوقاز الآخرين؛ لأنّ الشيعة الآذريين كانوا ولا يزالون حلقة الوصل بين شيعة إيران والعراق وتركيا من جهة، وشيعة روسيا وتتارستان وداغستان والشيشان وجورجيا وأرمينيا من جهة أُخرى، وهم أقوام يتميزون ـ غالباً ـ ببنيتهم البدنية القوية ومزاجهم الحاد.

 

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment