المجتمع الاستهلاكي: مجتمع نصف ميت

د. علي المؤمن

من أهم أهداف الاستعمار الحديث، تحويل مجتمعاتنا العربية والمسلمة الى سوق استهلاكية؛ يستنزف منها المواد الخام بأسعار بخسة، ثم يصنًعها ويعيدها إلينا منتوجات بأسعار باهضة. وبهذا؛ فإنه يسرقنا مرتين، ويمنعنا من التوازن بين الإنتاج والاستهلاك.

وتساعد الاستعمار في تحقيق هدفه الربحي هذا؛ الحكومات المحلية المرتبطة به سياسياَ وفكرياَ واقتصادياَ من جهة، ورجال الأعمال المحليون الذين يبحثون عن الربح السريع ولا يعنيهم مصير مجتمعاتهم وأوطانهم من جهة أخرى، كما تساعده المجتمعات العربية والمسلمة نفسها، والتي تستهلك الوارد الأجنبي دون رحمة بنفسها ودون حساب ووعي، ودون أي توازن بين استهلاكها وإنتاجها من جهة ثالثة.

وبالتالي؛ فإن أسباب عدم الإنتاجية في بلداننا العربية والمسلمة، تتلخص في العناصر التالية:

• الاستعمار الناهب لخيرات هذه البلدان
• الحكومات السلطوية، المرتهنة للاستعمار سياسياً واقتصادياً وفكرياً
• المجتمعات الاستهلاكية المتقاعسة
• القطاع الخاص الانتهازي
• النخبة الأكاديمية والفكرية والعلمية المهمشة

ولم ينج نسبياَ من هذه الكارثة الاستهلاكية، سوى مجتمعات مسلمة معدودة. وفضل هذا النجاح يعود الى:

1- حكومة قوية مفكرة مخططة مخلصة منتجة، تبني المشاريع الصناعية والتكنولوجية والزراعية الاستراتيجية، وتؤسس لقطاع صناعي تعاوني، وتدعم بقوة القطاع الخاص، وتشرف بحزم وبرقابة نوعية وكمية على العملية الإنتاجية، وتقلل من استيراد المنتوجات الاستهلاكية أو تفرض عليها ضرائب عالية، وكذا تحد من المنتوجات المستوردة التي تصنع محلياَ بجودة تنافسية، وتضخ حملات التوعية الاجتماعية لتقليل الاستهلاك.

2- مجتمع حيوي فاعل ممانع يمتلك إرادة التوازن ومحاسبة النفس في الاستهلاك، ويوصله الى الحد الأدنى أو المعتدل، ويدفع الحكومة ورجال الأعمال والقطاع الخاص باتجاه المشاريع الصناعية والزراعية والتكنولوجية، ويدعم المنتوجات المحلية التنافسية، ولا يقتصر هذا العمل على الأفراد أو الأسر، بل يشمل منظمات المجتمع المدني والمؤسسات الدينية والثقافية والصحافة والإعلام.

3- رجال أعمال فاعلون منتجون حريصون على وطنهم ومجتمعهم، ويتجهون الى المشاريع الصناعية والتكنولوجية ذات الربح بعيد الأمد، بدل الاستيراد ومشاريع البناء ذات الربح السريع.

وبالتالي؛ فإن الجميع يتحمل المسؤولية، ومن يلقي اللوم على الحكومات فهو يجهل المعادلة، لأن فئة رجال الأعمال والمجتمع يتحملان ثلثا المسؤولية.