القواعد القانونية الوضعية

Last Updated: 2024/04/07By

القواعد القانونية الوضعية

د. علي المؤمن

يتمظهر القانون الوضعي ـ عادة ـ في صورة قواعد تتولى تنظيم سلوك الناس في المجتمع، وهي القواعد القانونية (Legal rules)، التي تمثل قواعد للتشريع أو تشريعات. ومن مجموعة القواعد يتكون القانون. فالقاعدة ـ إذاً ـ مفرد القانون أو الوحدة التي يتكون القانون من مجموعها، وهي ذات الصيغة التي تتمظهر فيها القواعد الشرعية الفقهية والأُصولية.

وتتميز القاعدة القانونية بكونها صادرة عن سلطة عامة يخوِّلها النظام السياسي مهمة وضع القانون؛ الأمر الذي يعطي شكلها ومضمونها بُعداً قانونياً دقيقاً عادة، ويمنحها في الوقت ذاته صلاحية التطبيق والإلزام. كما تتميز القاعدة بخاصية صدورها في شكل مكتوب؛ لضمان استخدامها بشكل محدود وثابت ومستقر، فضلاً عن بقائها معروفة للجميع.

وتنقسم القواعد القانونية ـ على أساس الفلسفة القانونية التي تقوم عليها نظرية القانون في الفقه الغربي الوضعي؛ باعتبار القانون تعبيراً عن إرادة الأفراد في صورتها الكلية، وأنّها تستمد سلطته من مجموع إرادات أفراد المجتمع ـ إلى قواعد آمرة وقواعد مكملة أو مفسرة؛ فالقواعد الآمرة ترتبط بالمصلحة العامة وتفرض سلطانها على حرية الأفراد؛ فلا يجوز لهم الاتفاق على ما يخالفها، كالقواعد المحرِّمة للقتل والسرقة أو القواعد الملزمة لدفع الضرائب. أمّا القواعد المكملة فترتبط بالمصالح الخاصة للأفراد، وهو ما يعبّر عنه بمبدأ سلطان الإرادة، على اعتبار أنّ العقد شريعة المتعاقدين، فيجوز للأفراد (المتعاقدين) الاتفاق على ما يخالفها، كالقاعدة التي تقضي بأنّ دفع الثمن يكون عند استلام المبيع وغيرها.

ويذهب بعض الباحثين إلى ضرورة استحداث تقسيم آخر لقواعد القانون، مستمد من تقسيم علماء أُصول الفقه الإسلامي للأحكام، ويتمثل بتقسيم القواعد القانونية إلى قواعد تكليفية وقواعد وضعية، على اعتبار أنّ قواعد القانون ليست كلها قواعد تكليف. والأحكام التكليفية الشرعية هي الأحكام المعبِّرة عن خطاب الشارع في أفعال الإنسان الشرعية، وهي خطاب الشارع المقتضي طلب الفعل من المكلف أو ترك الفعل أو التخيير بينهما.

أمّا الأحكام الوضعية فهي الاعتبار الشرعي الذي لا يتضمن الاقتضاء والتخيير، وتنقسم إلى السببية والشرطية والمانعية. ويمكن التمثيل على الأحكام التكليفية بصورتها القانونية بالقوانين التي تقتضي الوفاء بالعقود (طلب الفعل) أو عدم التصرف في مال الغير (الترك) أو تفويض صاحب المال من يوكله ببعض الإجراءات بما يراه مناسباً (التخيير). أمّا التمثيل على الأحكام الوضعية بصورتها القانونية فهو في قانون الإرث، فالقرابة سبب للميراث (السببية)، وموت المورث في حياة الوارث شرط له (الشرطية)، وقتل الوارث المورث مانع منه (المانعية).

وللقاعدة القانونية عدد من الخصائص، أهمها:

  • إنّها قاعدة وضعية، تنتمي إلى مرجعية أرضية في صياغتها وتقنيات إقرارها؛ سواء تمثلت هذه المرجعية في فرد أو مؤسسة أو جماعة. وحتى لو كانت الشريعة الإسلامية ـ أحياناً ـ مصدراً لهذه القاعدة أو أحد مصادرها؛ فإنّها تكون في هذه الحالة وضعية في صياغتها وتقنيات إقرارها، وإسلامية في جوهرها.
  • إنّها قاعدة للسلوك الاجتماعي، ترسم سلوك الأفراد في المجتمع وتفرض عليهم التقيد بها، وهي تقرر ما ينبغي أن يكون لا ما هو كائن. وتفارق القاعدة القانونية بين السلوك الصحيح والسلوك الخاطئ؛ فتجعل الأول مشروعاً والثاني غير مشروع، وتفرض على من يأتيه الجزاء المناسب. وهي في هذا المجال لا تهتم بالنوايا ولا تحاسب الإنسان عليها، بل إنّها تحكم على السلوك الخارجي الظاهر للأفراد.
  • إنّها قاعدة اجتماعية، تعنى بزمان ومكان محددين؛ على اعتبار أنّ القانون مرآة للبيئة الاجتماعية التي يطبق فيها؛ كي يستجيب لحاجاتها ويتواءم مع ظروفها.
  • إنّها قاعدة عامة ومجردة، فلا تنحصر بشخص معين أو حالة معينة، بل موجهة إلى جميع الأفراد على وفق معيار موضوعي لا شخصي، أي الأفراد الذين يواجهون موضوعاً واحداً.
  • إنّها ملزِمة ومقترنة بجزاء دنيوي؛ فهي واجبة الاتباع على الأفراد، ولا بدّ أن يتقيدوا بها، وبخلاف ذلك سيواجهون جزاءً من السلطة المعنية.

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment