القراءات البتراء للإمام الحسين

Last Updated: 2024/04/07By

القراءات البتراء للإمام الحسين

د. علي المؤمن

تكمن خطورة القراءات البتراء الناقصة لشخصية الإمام الحسين وسيرته و نهضته ونهجه، في كونها قراءات أحادية تختطف شخصية الإمام الحسين وتصادر نهضته، وتختزل عنوانه في صفة واحدة، ولا تعطي صورة متكاملة عن الحسين وعنوانه الديني الشرعي اللصيق بعقيدة الإسلام وشريعته، وتحول دون الفهم الحقيقي لشخصية الإمام وسيرته، وغالباً ما تحمل اسقاطات شخصانية وفئوية ونفسية وايديولوجية. وهي تقف بالضد من الفهم المتمثل في القراءة المتكاملة الشاملة التي يتم من خلالها استنباط المواقف النظرية والعملية، أو العقدية والفكرية والتكليف الشرعي العملي.

وهناك أربع قراءات مبتورة ناقصة:

    القراءة الأولى: القراءة السلطانية الأموية:

    القراءة السلطانية الأموية هي أول قراءة بتراء أحادية تحريفية لنهضة الإمام الحسين، وقد أصدرها وعاظ السلطة الأموية ومشايخ بلاط يزيد بن معاوية، وبدأ الإعلان عنها بالتزامن مع طلب البيعة ليزيد. وتصف هذه القراءة الإمام الحسين بالمتمرد والخارج على إمام زمانه، ومثير الفتنة في مجتمع المسلمين، وبذلك فهو يستحق القتل. ولا تزال تطبيقات هذه القراءة قائمة في الايديولوجيا الوهابية السعودية بكل تفاصيلها، وهي تستهدف كل معارض لسلطة الحاكم، وتعد الخروج على ولي الأمر حرام؛ وإن كان مجاهراً بالفاسق والقاتل والكافر.

    القراءة الثانية: القراءة الطقوسية:

القراءة الطقوسية البتراء؛ تختزل سيرة الإمام الحسين وعنوانه ونهضته بمفردة التضحية والاستشهاد. ولذلك فهي تعبر عن نفسها بطقوس الحزن والجزع على استشهاد الإمام الحسين وتضحيته، وتعد من يمارس هذه الطقوس بأنه حسيني؛ بصرف النظر عن المعايير العقدية والفقهية. وخطورة اختزال نهضة الإمام الحسين الدينية العقدية الإصلاحية الهادفة الى تحكيم العقيدة وأحكام الإسلام في حياة الأمة؛ بممارسة الطقوس فقط؛ لا تقل عن خطورة القراءة السلطانية الأموية، لأنها تُغيِّب حقيقة نهجه الديني العقدي الرسالي، وتصادر أهدافه الإلهية.

القراءة الثالثة: القراءة الثورية:

القراءة الثورية البتراء التي تنظر الى الإمام الحسين بأنه رجل شجاع ثار على السلطة الفاسدة وطغيانها، وتغفل أساس نهضة الحسين، التي قامت على قاعدة إصلاح أمة محمد في البعد العقدي والشرعي والسياسي؛ أي أن الإمام الحسين ثار من أجل العقيدة الدينية، ومن أجل تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية.

    القراءة البتراء الرابعة فهي القراءة الماركسية

تقوم القراءة الماركسية البتراء على مفهوم الصراع الطبقي، والتي تعد سلطة يزيد تجسيداً للبرجوازية الأموية وامتداد للرأسمالية القرشية. بينما يمثل الحسين امتداداً لطبقة الكادحين. هذه القراءة مفرغة من أي بعد ديني ومعنوي، و تتعارض مع بديهيات العنوان الديني للإمام الحسين ودوافع نهضته الدينية المحظة. وهي شبيهة بالقراءة الماركسية لحركة أبي ذر الغفاري؛ إذ تعده مؤسس الإشتراكية في الإسلام أو الإشتراكية الإسلامية. وقد ظهرت هذه القراءة لاقناع البسطاء في مجتمعاتنا الإسلامية التي ترفض الفكر الماركسي؛ ليس دينياً وعقدياً وحسب؛ بل رفضاً اجتماعياً؛ بالنظر للتضاد الحاد بين الايديولوجيا الدينية الإسلامية والايديولوجيا الإلحادية الماركسية اللينينية.

القراءة الكاملة الواقعية لنهضة الإمام الحسين

من حق أصحاب القراءات المبتورة الناقصة أن تكون لهم قراءاتهم الخاصة للحسين، وأن ينظروا اليه بأنه ثائر وحسب، أو مضح وحسب، ومصلح إنساني وحسب، ولكن لا يقولوا إن  هذا هو الحسين وحسب؛ فإذا قالوا هذا هو الحسين ولا غير؛ فأنهم يختطفونه ويزيفون حقيقته وحقيقة نهضته. ولذلك؛ ليس من العقيدة والشرع أن يكتفي المكلف المتدين بالقراءات المبتورة، ويبني عليها موقفه الشرعي. فيقول أضحي وأستشهد كما استشهد الحسين، ولكنه لا ينظر الى سيرة الإمام الحسين وخلفيات نهضته ومبانيها وأهدافها. أو بقول آخر بأنني أكتفي بممارسة طقوس الحب والحزن والجزع على الحسين، ولكنه يغفل ما ينبغي أن يكون عليه كنهضوي حسيني.

أما القراءة الشاملة المتكاملة لشخصية الإمام الحسين ونهضته؛ فهي القراءة الحقيقية التي تستنطق عنوانه ووظيفته كإنسان وإمام وقائد، و نهجه النهضوي الإصلاحي الثوري الذي هو امتداد لنهج الإسلام الأصيل الذي أسسه رسول الله ومن بعده الإمام علي ثم الإمام الحسن؛ بوصفه خليفة رسول الله الثالث، وهو مصدر لنهج الأئمة التسعة من ولده.

ولايتحرك الإمام الحسين إلّا في إطار وظيفته الشرعية وعنوانه الديني. ولذلك فإن شخصيته ونهجه وحركته ونهضته كلها مخرجات لهذا العنوان الوظيفي الديني. وأن نهج الإمام الحسين ليس إبداعاً وخلقاً؛ بل هو حلقة من من سلسلة القيادة والإمامة الدينية والزمنية؛ فهو وارث مسيرة التوحيد منذ عهد آدم؛ برموزها وخطها العقائدي كما تصفه «زيارة وارث» المأثورة عن الإمام الصادق. ويعرف الإمام الحسين بن علي نفسه بقوله: (( إنا أهل بيت النبوة، ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة، ومهبط الوحي، بنا فتح الله وبنا ختم)).

ولذلك؛ فإن من يريد التأسي بالحسين الثائر عليه أن يعرف بأن الحسين ثار من أجل إعادة دور العقيدة الإسلامية في حياة الأمة، وثار من أجل تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية بكل تفاصيلها في حياة الفرد والمجتمع والسلطة؛ و من خلال ذلك يتحقق هدف الإمام الحسين في إقامة الحكم الإسلامي كما نزلت معالمه على الرسول الأعظم محمد. ومن من يريد الثورة وفق النهج الحسيني؛ عليه أن لا يأخذ جانباً واحداً مبتوراً من نهضة الإمام الحسين، ويطبقه بطريقة عشوائية ودون ضوابط شرعية.

كما أن إحياء ذكرى الإمام الحسين عبر الشعائر والطقوس والممارسات الشرعية المتعارفة، وكذلك النظر الى شخصية الإمام الحسين بصفته ثائراً على الطغيان والفساد، ومضحياً وشهيداً، ومصلحاً إنسانياً؛ كلها أمور صحيحة، ولكن ينبغي أن لا نختزل بها شخصية الحسين ونهضته وأهدافه؛ بل تكون جميعها أجزاء لا تتجزأ من شخصيته وسيرته.

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment