العلماني الفكري والعلماني المخاصم

Last Updated: 2024/04/05By

العلماني الفكري والعلماني المخاصم

د. علي المؤمن

هناك فرق جوهري في السلوك السياسي والسلوك الديني وأساليب التعاطي مع الاختلاف، بين العلماني الفكري غير المخاصم والعلماني المخاصم؛ فالعلماني الفكري غير المخاصم، وخاصة الليبرالي غير المخاصم، لا يعادي الدين ولا المذهب ولا يعادي الإسلاميين عادة، وربما يلتقي معهم على هموم مجتمع المذهب والاجتماع الديني، وربما يتحالف معهم. ونموذج هذا العلماني في المرحلة الحالية. كما كان هؤلاء العلمانيون غير المخاصمين موجودون دائماً في كل البلدان الإسلامية، ومنها العراق، ونموذجهم سابقاً عبد الهادي الجلبي ورستم حيدر، ونموذجهم لاحقاً الدكتور أحمد الجلبي، وكان كثير منهم قريب من المرجعية.

وهؤلاء وجودهم مفيد أحياناً في دعم حراك الحقوق والمطالب والتخطيط الاستراتيجي لواقع مجتمع الدين ومجتمع المذهب. ولذلك؛ كان العثمانيون والإنجليز والحكّام السنة والبعثيين، لا يحبون هذا النموذج العلماني الفكري غير المخاصم، ويصفونهم بالطائفية. وقد ظل أغلبهم، جزءاً من النظام الاجتماعي الديني الشيعي وليس خارجه، وحتى منهم من لديه خلافاً سياسياً مع الجماعات الاسلامية الشيعية؛ فإنه لايعادي نظريتها وإسلاميتها وشيعيتها، بل يعارض سياساتها، كما يعارض سياسات الأحزاب العلمانية الأخرى، أي أن العلماني الفكري غير المخاصم، معياره في الخلاف معياراً سياسياً وليس معياراً ايديولوجياً.

أما العلماني الشيعي المخاصم، سواء كان ليبرالياً أو شيوعياً أو بعثياً؛ فهو ايديولوجي في خلافه مع الإسلاميين، أي أن عداءه ليس مع سياساتهم، بل مع نظريتهم وإسلاميتهم؛ فهو يعادي ويقصي ويهمش ويشتم، ليس من منطلق الخلاف السياسي، بل من منطلق الخلاف الايديولوجي. وأغلب هؤلاء يحتمي بالنظامين السياسي والاجتماعي السنيين. وهذا العلماني هو النموذج المفضل والمقرب للخارج الاستعماري والطائفي، وللداخل الطائفي أيضاً. ولذلك؛ يقوم الاجتماع السياسي السني ووسائل إعلامه بالتركيز على العلماني الشيعي المخاصم ودفعه الى مهاجمة النظام الاجتماعي الديني الشيعي والمرجعية الدينية وإيران والأحزاب الشيعية وجماعات المقاومة الشيعية، باعتباره الضد النوعي للنظام الديني الشيعي.

ويختبئ العلماني المخاصم خلف ستار مهاجمة الجماعات الإسلامية الشيعية، في عدائه للنظام الاجتماعي الديني الشيعي ومكوناته، وبالتالي؛ فهو لا يكتفي بالخروج على هذا النظام، وإنما يعمل على ضربه بقوة.

والعلماني المخاصم على نوعين: الشجاع والجبان. فالشجاع؛ هو الواضح والصريح والمباشر، والذي يقول علناً: أنا لا أؤمن بتكامل الإسلام ولا أؤمن بتمامية رسالة محمد ولا أؤمن بصلاحية هذه الشريعة لعصرنا، وأعارض أي دور للشريعة الإسلامية في تشريعات الدولة ومفاصل عملها، وأعارض بشدة حضور الجماعات السياسية الإسلامية في الحكم والمشهد السياسي، من منطلق أيديولوجي، وليس من منطلق التنافس السياسي. والمفارقة؛ أن بعض هؤلاء العلمانيبن المخاصمين يمارس العبادات الدينية والطقوس الاجتماعية الدينية، لكنه لا يؤمن بما عداها. وهناك علماني مخاصم ملحد، لا يؤمن أساساً بالله ونبيه، ويجهر بذلك؛ فهو الأكثر شجاعة، لأنه لا يراوغ ولا يختبئ وراء الشعارات، ولذلك؛ فهو مريح جداً.

أما العلماني المخاصم الجبان؛ فهو الذي يهدف الى ضرب الإسلام والشريعة والنظام الديني والحركة الإسلامية، لكنه لا يجهر بذلك، بل يختبئ وراء شعارات فساد الأحزاب الدينية وفشلها، من أجل استغفال الناس وكسب الأنصار الذين لا يعلمون نفاق هذا العلماني المخاصم الجبان، فهو لا تعنيه محاربة الأحزاب الإسلامية إلّا بمقدار القضاء عليها، من أجل التفرد بالسلطة والحكم، تمهيداً لإعلان الحرب على الإسلام ونظامه الاجتماعي. هذا العلماني مراوغ وجبان ومتآمر وغير نبيل.

 

 

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment