الشيعة العرب أية سلطة؟

Last Updated: 2024/04/04By

الشيعة العرب: أية سلطة؟

د. علي المؤمن

(15/ 11/ 2006)

أن يعي الشيعة العرب خطورة المرحلة التاريخية الانتقالية التي يمرون بها أمر قد لا يختلف عليه اثنان، لأنهم إذا فشلوا هذه المرة في البحرين والعراق ولبنان فلن تقوم لهم قائمة بعد الآن، وسيلعنهم أحفادهم وأجيالهم القادمة، بسبب تفريطهم بعناصر الصحوة والنهوض التي توافرت لهم منذ انتصر الثورة في إيران 1979، ثم انتصار حزب اللَّه في 2000 و2006، والانتصار الساحق في الانتخابات العراقية بعد عام 2003، والانتصار في الانتخابات البحرينية عام 2006. ووعي المرحلة أمر في غاية التعقيد، لاشتماله على أبعاد مختلفة، أبرزها وعي أهمية السلطة بدل أهمية المعارضة، وكيفية إدارة الدولة بدل إدارة المجتمع، وفقه الحياة بدل فقه الموت، وصرف الأموال في محلها.. على الإعلام والسياسة والعلم والتكافل، بدل صرفها على بعض الطقوس، برغم أهمية هذه الطقوس.

لقد أصبح الشيعة العرب شركاء حقيقيين في القرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي والديني في الشرق الأوسط، وليسوا ـ كما كانوا يوصفوا ـ تابعين ومنبوذين وجنوداً وصباغي أحذية ونواطير وسواق تاكسيات وبائعي خضار. أصبحوا مواطنين من الدرجة الأولى وشركاء مع إخوانهم السنة في كل شيء، إلى مستوى لم تعد حياله جدوى من قيام أية حكومة مهما كانت موغلة في طائفيتها في منعهم من أن يكونوا على قدم المساواة مع إخوانهم من أتباع المذاهب الإسلامية الأخرى. وهذا الأمر يتطلب في المقابل وقفة رجال من الأخوة السنة.. وإحساس بالمسؤولية تجاه الأوطان ومستقبلها ومستقبل المنطقة، وليس وقفة خصام وحرب وتأمر، بل يتجاوزوا عقلية الاستئثار بالقرار وإقصاء إخوانهم الشيعة وتهميشهم، لأن الزمن هذا ولّى ورحل، ولن يعود أبداً. ويقابل الوعي الشيعي هذا وعيِّ سني ضروري أيضاً يتمثل في وعيهم خطورة المرحلة ومساعدة إخوانهم الشيعة في أن يكونوا شركاء لهم وليسوا تابعين ونزلاء وطارئين ومستوطنين، فالشيعة العرب هم درة المشرق وجوهرته وأصالته وهويته وعنوانه، وبخلاف ذلك فإن الكارثة الطائفية قادمة إلى المنطقة.

يُلاحظ أن الشيعة، سواء من كان منهم في السلطة أو المعارضة، تعودوا على قاعدتين ثابتتين في تقويم الواقع، أولها جلد الذات وإلقاء اللوم على النفس، وكأن أي فشل هو بسبب عوامل داخلية تخص الشيعة فقط، والقاعدة الثانية تتمثل في إلقاء التبعية في التراجع والفشل على العوامل الخارجية والتي تمثل في ألوان التآمر، دون أن يتنكر الشيعة لما يمارسونه في حق أنفسهم. فبدلاً إلقاء اللوم على الآخرين، أو الجمود على عقدة الذنب، فإن الاندفاع باتجاه بناء المستقبل هو الحل المثالي للرد على كل ألوان التآمر، ولسد جميع الثغرات الداخلية. والملاحظ أن النظرة الأحادية لكلا القاعدتين غير صحيح، فضلاً عن أن الكلام والجدل في هذا المجال لا ينفع بشيء.

إن نوعية الخلاف بين السنة والشيعة، تختلف من منطقة لأخرى؛ فالمناطق الغنية بالنفط سيكون الخلاف فيها أشد من المناطق التي لا تملك وضعاً اقتصادياً متميزاً، إذ سيكون الخلاف إيديولوجياً، وهكذا نسبة الشد والتوتر، فإنها تعتمد على نوعية التغذية المؤثرة فيه، ومع ذلك فهناك مناطق قابلة للتعايش لولا مصادر الإثارة الجديدة، ومع ذلك فإن العمل على تخفيف كل نوع من أنواع التوترات يوصل دون شك إلى الهرم بشكل انسيابي، مع نشاط العمل ونوعه وفي معالجة القرار والتوجه الشيعي (الداخلي) ومحاولة الحلحلة أو الالتفاف على أي تمرد خارج الإطار الشيعي.

إن الانطلاق من كلمة الإمام علي(ع) ((آية الرئاسة سعة الصدر)) هو ما قام به الشيعة في العراق بالخصوص بتطبيقه بشكل جيد (مع التحفظ على بعضها)، إذ لم ينجروا إلى الفتن التي تفقد الجميع نعمة السلام في الوطن وخسارة الشيعة الوضع الجديد الذين هم عليه، وتلك خطوة نجح الشيعة فيها في تفويت الفرصة على من سعى ويسعى إلى الفتنة.

قد يقول قائل بأن احتلال العراق وإن كان ظاهرياً هو لصالح شيعة آل البيت، لكن، باطنياً ضرب العمق الشيعي وأفقده المصداقية، ليس أمام المجتمعات السنية، ولكن أمام العالم أجمع بنعت أنهم خونة لأوطانهم وحكوماتهم، وهذا الكلام لا يزال سائداً حتى الآن في السعودية والأردن والمغرب العربي، حتى بدء الكثير منهم بإعادة حساباتهم في مسألة التقارب السني ـ الشيعي.

وقد يقول قائل آخر أن إعدام صدام حسين على يد الحكومة التي يرأسها إسلامي شيعي أشعر الكثير من السنة بنوع من الامتعاض والكرم، بل التنادي لقتل الشيعة، وبرز هذا التنادي حتى من قبل السنة المتشددين ممن كان يكفر صدام، أو من ينادي بالتقارب، كالتيار العلماني أو الليبرالي أو من عوامهم، بل قام كثير منهم بطلب المغفرة لصدام، وهو القاتل المحترف، وصوروا الشيعة على أنهم قتلة مجرمون ولم يحترموا الأيام المباركة، وهي صورة مقلوبة بالكامل، فقد ظل الشيعة يتعرضون للقتل والظلم طيلة مئات السنين، ومنها الزمن الذي نحن فيه الآن، حتى في العراق الذي أصبح فيه الشيعة شركاء في القرار. ومن هنا فإن الأعمال التي ارتكبها التكفيريون وبقايا نظام صدام ضد الشيعة قتلاً وحرقاً هو انتقام فقط، إذ لم يفرقوا بين مرقد ونخله، رجل وأنثى، صغير وكبير؛ الأمر الذي يفرض ألّا نذر الرماد على أعيننا وأعين الناس.

إن الحجج الواهية والاتهام بالتعاون مع الاحتلال وإعدام صدام، يعرفهما الجميع، فهما يدخلان في سياق إعادة التاريخ إلى الوراء، وهو ما لن يحدث أبداً؛ لأن الشيعة ماضون إلى مستقبل مشرق، والأخوة السنة العرب والمسلمون سيدعمونهم تدريجياً باتجاه النهوض ومزيد من المشاركة، وبالتالي تقوية جبهة الممانعة والمقاومة الحقيقية لكل ألوان الاستكبار والاحتلال، والتي يقودها الشيعة في العراق ولبنان وإيران وغيرها.. وهذا يعني أن منطقتنا بحاجة إلى إعادة تأهيل ثقافي تتوج به مستقبلها. أما إعدام صدام فكان قراراً قانونياً لا دخل للشيعة والسنة فيه، لا سيما وأن صدام حصل على محاكمة منحازة له في إخراجها؛ لأنها حولته من قاتل محترف لا دين له إلى بطل مؤمن.

ويظل احتلال العراق مرفوضاً بتاتاً من الشيعة، وكانوا وما زالوا ركيزة المقاومة الحقيقية وعقلها وجسمها وأداتها، وذلك من خلال الإستراتيجية الدقيقة التي اتبعوها، وهي تدمير المشروع الأميركي من داخله، وهو ما حصل حتى الآن.

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment