الشيعة إشكالية معرفية لدى النخب السنة

Last Updated: 2024/04/04By

الشيعة؛ إشكالية معرفية لدى النخب السنة

د. علي المؤمن

في إطار عملية التعارف والاكتشاف والبحث عن الحقيقة، والتي هي إحدى مقدمات عملية الوحدة والتعايش والشراكة؛ يبدو أن مهمة النخب السنية شاقة في هذا المجال؛ فهي تعاني من شحة بالوعي والمعرفة بمدرسة آل البيت ممثلة بالمذهب الشيعي، ولعل هذا هو من أبرز أسباب تكريس المسافة النفسية والعقلية التراكمية تجاه الشيعة. ولكن في المقابل؛ لم تكن النخب الإسلامية الشيعية الثقافية والحركية يوماً؛ تعدّ فكر الشخصيات الإسلامية السنية العلمية والحركية فكرا سنياً؛ بل تنظر إليه كفكرٍ إسلامي عام وثقافة إسلامية مشتركة، فضلاً عن العمق المعرفي للنخب الشيعية بالمذاهب السنية وغيرها من مذاهب المسلمين، وبتاريخ الخلاف وأسبابه ومحاوره. ولا يقتصر ذلك على النخب الشيعية المتعلمة، بل ربما هو مظهر شيعي عام، كرسته حالة دفاع الشيعي عن وجوده المذهبي وهويته الاجتماعية الدينية تجاه القمع والإلغاء والتهميش والتكفير.

وتخلق إشكالية ضعف معرفة النخب السنية بمدرسة آل البيت ومذهبها العقدي والفقهي، حالة استغراب لدى الشيعة، بسبب انكفاء تلك النخب عن مطالعة مؤلفات وأفكار المفكرين الإسلاميين الشيعة أو عدم التفاعل معها؛ فنادراً ما توجد وفرة من الكتب الشيعية في المكتبات الخاصة للنخب الإسلامية السنية، بينما تتوافر الكتب السنية بكثرة في المكتبات الخاصة للنخب الشيعية، والحال أن حركة التأليف والنشر في الوسط العلمي والثقافي الإسلامي الشيعي كبيرة جداً، سواء باللغة العربية أو اللغات الأخرى، وبآلاف العناوين سنوياً، رغم القيود التي تفرضها أغلب أنظمة الدول العربية على الكتاب الشيعي، مقابل سماحها لكتب الإلحاد والانحراف الفكري والأخلاقي والغزو الثقافي. ولكن هذا لا يمنع من سهولة مطالعة أي كتاب شيعي سابقاً والآن، أي أن القيود السياسية على حركة الكتاب الشيعي ليس عائقاً أو حجة.

وكنت شخصياً أكرر هذا السؤال على أصدقائي من الباحثين والمفكرين والأكاديميين الإسلاميين السنة في كثير من البلدان العربية والإسلامية؛ ففي العام 1996، زرت الدكتور عبد الرحيم علي في بيته بالخرطوم، وكان يعد حينها الرجل الثاني في الحركة الإسلامية السودانية بعد الدكتور حسن الترابي، فضلاً عن منصبة الأكاديمي رئيساً للجامعة الأفريقية العالمية. اتجهت الى مكتبته أطالع عناوين الكتب؛ فلفت نظري أن مكتبته التي تحتوي على أكثر من خمسة آلاف عنوان كتاب، ليس فيها مؤلفات لمفكرين وعلماء دين شيعة، عدا عن خمسة كتب فقط حسبما أتذكر، أحدها للسيد محمد باقر الصدر واثنين للشيخ مرتضى المطهري والرابع للإمام الخميني وآخرها للدكتور علي شريعتي، فسألته عن ((سبب عدم وجود كتب إسلامية شيعية في مكتبته))؛ فقال: ((يا أخي الشيعة لا يرسلون لنا كتبهم))؛ فقلت له: ((وهل هذه الآلاف من الكتب لديك هي إهداءات وكتب مرسلة من مؤلفيها !؟)).

كما أثرت هذا الموضوع في الندوة الخاصة التي عقدت في القاهرة في العام 2000 بحضور ست عشرة شخصية من علماء ومثقفي الشيعة والسنة، بينهم شيخ الأزهر المرحوم الدكتور الطنطاوي ومفتي مصر الدكتور فريد نصر واصل ووزير الأوقاف المصري وأمين المجلس الإسلامي الأعلى المصري الدكتور حمدي زقزوق وغيرهم. في تلك الندوة تحدثت عن ضرورة أن تطَلع النخب السنية على المذهب الشيعي وعقائده وفقهه وفكره من كتبه التي يجمع عليها رجال المذهب، وكذا التعرف على نتاجات الفقهاء والمفكرين والباحثين الشيعة، لأنه المدخل العلمي للتعارف الحقيقي، الذي يحول دون الجهل بحقائق الآخر وما يتبعه من ممارسات التجهيل لعامة الناس، وبالتالي؛ الإصرار على بقاء قواعد الفرز الطائفي والفتنة المذهبية. أنظر وقائع الندوة في ملاحق الكتاب.

واطّلاع الإسلاميين السنة على المذهب الشيعي وعقائده وفقهه وفكره وتاريخه واجتماعه، من كتبه التي يجمع عليها رجال المذهب، وكذا ضرورة أن يتعرفوا على نتاجات الفقهاء والمفكرين والباحثين الإسلاميين الشيعة؛ هو مدخل التعرف والتعارف، أي المدخل المعرفي للتعارف الحقيقي والصحيح، الذي يحول دون الجهل بحقائق الآخر وما يتبعه من ممارسات التجهيل لعامة الناس، والإصرار على بقاء قواعد الفرز الطائفي والفتنة المذهبية.

والحقيقة أن عدم اطلاع النخب السنية على الكتب الإسلامية الشيعية؛ سيبقى عائقاً معرفياً أساسياً يحول دون رفع الشبهات والشكوك، ولعله السبب الأساس في حالة عدم الوعي المتعمد وغير المتعمد لدى مفكري السنة وعلمائهم ومثقفيهم وكتّابهم بعقائد الشيعة وفقههم وفكرهم واتجاهاتهم الحركية؛ الأمر الذي يؤدي قسراً الى تفسيرات طائفية لدى هؤلاء في كل تحرك أو حدث يكون طرفه شيعي. والمشكلة أنّ ممارسات التجهيل لعامة الناس يقوم بها من يعدّون من أهل العلم والفكر والثقافة الحركية، وإلّا كيف نفسر إصرار كثير ممن يعد نفسه من أهل العلم بأن الشيعة مجوساً، وأنهم مذهب يهودي وطائفة ماسونية وغيرها من التخاريف؟، بل ويبذلون جهوداً خاسرة مضنية لإثبات ذلك من كتب المشايخ السلف من أعداء الشيعة، وبالتالي يحكمون على الشيعة بالكفر والشرك والزندقة عقائدياً، والخيانة والعمالة سياسياً؛ وبأنهم مهدورو الدم عملياً، دون اطلاع وتدقيق وتمحيص، وهو ما ينطبق عليه المأثور: ((الإنسان عدو ما يجهل)).

وعندما تطلع النخبة السنية على الموروث الشيعي العقدي والروائي، ستقف على تأكيدات مدرسة آل البيت على القواعد الأساسية التي أمر الإسلام أتباعه بالتمسك بها في مجال تحقيق هدف «الأمة الواحدة»، كـ«الجسد الواحد» و«الاعتصام بحبل اللَّه» و«عدم التفرق» و«الاهتمام بأمور المسلمين» وغيرها، وهي قواعد أظهر من خلالها الإسلام حزماً واضحاً، للحؤول دون أي شكل من أشكال التشرذم والتجزئة. وفي الوقت نفسه تكييف النظرة الى الخلافات، على أساس الاحترام المتبادل والقبول بالآخر المذهبي كما هو، لأنّ الإسلام لا يرفض ألوان الاختلاف الإيجابي، وهو ما عبّرت عنه سلوكيات مضيئة للصحابة والتابعين وأئمة المذاهب الإسلامية.

 

 

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment