السومري المستعرب مسارات تكوين الأُمة العراقية

Last Updated: 2024/04/04By

حقائق إنثروبولوجية وإركولوجية عن أُصول الأُمة العراقية

د. علي المؤمن

العرض الذي أقدمه هنا؛ هو خلاصة نتائج كتابي: «السومري المستعرب: مسارات تكوين الأُمة العراقية»، والذي لا يزال تحت المراجعة المتكررة، كلما توافرت مصادر جديدة. وهو السبب الذي يمنعني من دفعه الى الطباعة. ولذلك؛ رغبت في تقديم هذه الخلاصة، وهي موجهة للباحثين والمتخصصين، للحصول على ملاحظاتهم المنهجية والمعرفية والتحليلية، لأن هدفي هو تقديم حصيلة معرفية منهجية دقيقة نسبياً للقارئ، خدمة للعلم ولهدف إعادة بناء الأُمة العراقية ودولتها ودورها المحلي والإقليمي.

وأتفهم مسبقاً ما سيرد على هذه الخلاصة، ثم على الكتاب، من اعتراضات ونقود، وربما اتهامات وتعريض، وهو أمر طبيعي، حيال أفكار قد يكون كثير منها صادماً، ولا ينسجم مع الموروث المعرفي والقومي والديني، ولا مع ما تعلمه بعضنا في المدارس والجامعات، أو تربي عليه في البيت والمجتمع وصفوف التنظيم والجماعة، ولا مع ما قرأه في الكتب والمجلات والصحف.

ورغم أني بذلت جهداً مرهقاً خلال سنوات طويلة لإنجاز هذا المشروع، واعتمدت مئات الكتب والدراسات باللغات العربية والفارسية والانجليزية، وأخرى مترجمة من الروسية والفرنسية والألمانية والتركية، إلّا أنني لا أزعم أن ما توصلت إليه هو الحقيقة، بل هو غاية ما تمكنت من التوصل إليه، وهو خاضع بالجملة الى التصويب والتعديل، سواء مني في المستقبل أو من غيري من المتخصصين، لأن الدراسات التاريخية والانثروبولوجية والحفرية، تظل دائماً خاضعة لمبادئ الترجيح والاحتمال والتحليل، لأنه يعتمد بالأساس على معلومات متنوعة في وثاقتها؛ فمنها متواترة وأخرى موضوعة وثالثة متعارضة أو ملتبسة. وبالتالي؛ يكون دور الباحث جمعها وتمحيصها وغربلتها وضربها ببعض وتحليل دوافع كتابها وتدقيق نصوصها ومفرداتها ومصادرها، فضلاً عن اعتماده على مهارته وموهبته في التحليل والكشف والعرض.

وتهدف دراسة مسارات تكوين الأُمة العراقية الى بناء مدخل واقعي لإعادة تشكيل الأمة العراقية، وفق الحقائق التي يفرزها منهج البحث العملي، وما ينطوي عليها من فضح أوهام وتخرصات الدعاية الطائفية التي تشكك بعراقية وعروبة أهل الوسط والجنوب، وتصفهم بالعجم والفرس والهنود والغجر، لمجرد أنهم شيعة آل البيت. وليس الهدف من عرض الحقائق التي يتضمنها المقال، القول بأفضلية السومريين أو العرب على الفرس والهنود والأتراك؛ فلافضل لعربي على أعجمي إلّا بالتقوى.

وأخص الباحثين وأصحاب الاختصاص بالدراسة؛ لكيلا يتحول موضوعه عن مساره العلمي الى مساجلات عاطفية ايديولوجية أو اتهامات يستقيها بعض الناس من المناهج الشوفينية العنصرية المحرفة للحقائق والتاريخ، ولا سيما مناهج الكتابة التاريخية التي أسس لها في العراق، العثماني التركي ساطع الحصري (مدير المعارف في العهد الملكي)، وسارت عليها المناهج المدرسية والمؤلفات والدراسات في عهد حزب البعث.

حقائق إنثروبولوجية وإركولوجية عن أُصول الأُمة العراقية

لقد أثبتُّ في كتابي «السومري المستعرب» أن الأمة العراقية المتمازجة عرقياً وقومياً، من جنوبها الى شمالها؛ هي أعظم وأرقى أُمة عرفها تاريخ كوكب الأرض. ويعد السومريون أصل هذه الأُمة ومحورها، وهم أصل العراق الجنوبي، وهم من عرق عراقي ينسبه بعض المؤرخين وعلماء الآثار والجينالوجيين الغربيين الى الشعوب السامية، برغم وجود أقوام سبقت السومريين في استيطان العراق والظهور فيه، منذ من عشرة آلاف سنة تقريباً قبل الميلاد، لكنها لم تترك آثار يعتد بها، لكي يمكن الكشف عن تاريخها وحياتها، حالها حال كل الشعوب القديمة التي استعمرت الأرض، وربما انقرض أغلبها، نتيجة عوامل عديدة، في حين أن السومريين الذين ظهروا في العراق في حدود الألف السادس والخامس قبل الميلاد؛ فقد تركوا آثاراً واضحة المعالم نسبية؛ حتى تحولوا الى أحد أهم الشعوب القديمة التي اعتنى بها المؤرخون والآثاريون والانثروبولجيون، وصدرت حولهم مئات الكتب وآلاف الدراسات بمختلف لغات العالم.

ويمكن القول أن أنساب السومريين اختلطت مع أنساب الشعوب العراقية الأصلية الأخرى، كالآراميين والأقوام التي تنتسب إليهم، مثل النبط، والبابليين والأقوام التي تنتسب إليهم كالعموريين والكلدان، وكذلك الشعوب الآشورية، والفرس والعيلاميين والكاشيين، ثم بالقبائل العربية النازحة من اليمن (أبناء قحطان) من الجزيرة العربية (أبناء عدنان).

وبالنظر لكثافة الهجرة العربية بعد الفتح الإسلامي للعراق، وتحول العرب الى قومية حاكمة؛ فإن السومريين العراقيون أصبحوا جزءاً من عرب القبائل النازحة، بدءً بكندة وكلاب وتميم وبكر وخزاعة وانتهاء بمذحج وطي ووائل وشيبان وربيعة وغيرهم. والحال ان هذه القبائل ليست عراقية بالأصل وانما جزيرية ويمنية. وهو أيضا ينطبق على جميع الأسر الهاشمية التي جاءت الى العراق مع الفتح الإسلامي منذ (1400) سنة فقط. في حين ان وجود القوميات السامية العراقية الأخرى؛ كالسومريين والبابليين والكلدان والآشوريين؛ هو بالغ القدم في العراق؛ بل هي القوميات المؤسسة للعراق، ولها لغاتها الخاصة وخصائصها القومية المستقلة.

أين ذهب السومريون والبابليون؟ وأين أحفادهم؟

الفرضية الإشكالية التي ينبغي مقاربتها على نحو الدقة والتفصيل والمنهجية تتعلق بأُصول سكان الجنوب والوسط، في الماضي والحاضر؛ فإذا كان جميع سكان الجنوب والوسط ينتسبون حاليا الى القبائل العربية النازحة؛ فأين من تبقى من السومريين إذن؟! هذه الإشكالية تفرض ـ ابتداء ـ على من يهتم بشأن أصول العراقيين القدماء أن يبحث في أنساب السومريين الحاليين و قبائلهم الباقية حتى الآن. كما هو الحال مع الشعبين الكلداني والآشوري العراقيين الساميين اللذين لايزالان محتفظين بأنسابهما ولغتيهما وخصوصياتهما القومية؛ ولم ينسبا نفسيهما الى القبائل النازحة. ومثلهما الشعب الأمازيغي (البربري) في شمال افريقيا؛ الذي بقي محتفظا بأنسابه وقبائله وخصوصياته؛ رغم اختلاطه بالقبائل العربية القادمة مع الفتح الاسلامي ورغم ذوبان الأمازيغ في الاسلام.

والحقيقة أن الشعوب التي وجدت في العراق (حدود العراق الجغرافية الحالية) منذ القدم؛ لم تكن شعوبا عربية؛ بالمعنى العلمي؛ بل هي شعوب سامية (كالكلدان والآشوريين والسومريين) وعيلامية (كاللر وأحفادهم الفيليين واللك والكلهور) وآرية (كالكرد والفرس) وطورانية (كالترك). وكانت هناك تجمعات عربية يمنية وجزيرية نزحت الى العراق في فترات متفاوتة سبقت الفتح الإسلامي بمئات السنين. ولكن النزوح الأهم والأكبر هو نزوح قبيلة (المناذرة) العربية اليمنية الى العراق، ونزولها في منطقة الحيرة التي تحولت الى عاصمة للعراق الأوسط. أي ان العرب هم آخر الشعوب السامية التي سكنت العراق، فيما لو أذعنا بأن قحطان هو أبُ العرب العاربة وعدنان هو أبُ العرب المستعربة، وفق الموروث التاريخي العربي. أي ان الشعوب السامية التي وجدت في العراق قبل العرب ليس منها من ينتسب الى قحطان وعدنان.

والدليل إن النبي إبراهيم كان آرامياً نبطياً ويتكلم السريانية، ولم يكن عربياً ولايهودياً؛ بل أنه أبو العرب من أبناء عدنان، واليهود من أبناء يعقوب، وغيرهما من الشعوب المنسوبة إليه، ولم يكن أباً لعرب قحطان اليمنيين، الذي سبق وجودهم زمان النبي إبراهيم. ووفق الموروث التاريخي فإن اسحق ابن ابراهيم من زوجته سارة هو جد الشعب اليهودي، من خلال حفيد ابنه النبي يعقوب (واسمه الأصلي إسرائيل)، الذي هو أبُ بني إسرائيل؛ أي أن القرآن عندما يخاطب بني إسرائيل؛ فإنه يخاطب بني يعقوب (اليهود).

أما إسماعيل الإبن الثاني لإبراهيم من زوجته هاجر؛ فهو مستعرَب بواسطة قبيلة جرهم العربية اليمنية النازحة الى مكة، والتي عاش إسماعيل معها وفي كنفها وأصبح واحداً منها وتزوج من إمراة جرهمية؛ التي هي أم العدنانيين، وعدنان هو حفيد ابن إسماعيل، أي أنّ العدنانيين الحجازيين المستعربين هم عرب قحطانيون يمنيون من ناحية الأم. وبناء عليه؛ فقد كان ظهور العرب في مكة (الحجاز) وظهور اليهود في سيناء، متزامناً تقريباً من الناحية التاريخية، ومتأخراً كثيراً عن ظهور عرب اليمن.

ومن هنا؛ فإن وجود عرب اليمن وكذلك الشعوب السومرية والآشورية والكلدانية والآرامية في العراق سابق لولادة إبراهيم؛ وبالتالي سابق بكثير لظهور عرب مكة (الحجاز)، الذين يعود أصلهم الى العراق أساساً، تبعاً لأبيهم العراقي الآرامي إبراهيم. والدليل أن إبراهيم عندما بُعث لبابل الكلدانية ثم لأوروك السومرية؛ فانهما كانتا حضارتين عريقتين كبيرتين في مساحتهما الجغرافية وتضمان شعبين كبيرين في عددهما وقديمين جدا في ظهورهما في وسط العراق وجنوبه. وبالتالي؛ فان السومريين شعب عراقي حضاري عظيم لم ينقرض؛ ويسبق وجوده نزوح القبائل الجزيرية واليمنية الى العراق بآلاف السنين.

العرب: حواضن القوميات العراقية  

بحضور العرب الى العراق بهجرة المناذرة الى الفرات الأوسط وهجرة التغالبة الى شمال العراق، ثم هجرات ما بعد الفتح الإسلامي؛ اكتملت حلقات تكوّن الأمة العراقية؛ بأجناسها وقومياتها الأصيلة: السومرية والكلدانية والآشورية والعربية واليهودية (ساميين) والكردية والفارسية (آريين) والتركية (طورانيين). وهذا العراق المتعدد القوميات هو العراق الأصيل؛ وبدون هذا التعدد المتعايش لايكون العراق عراقاً.

ولكن يشاء التطور التاريخي أن يتحول العراق الى بلد عربي، ويكون الشعب العربي هو الغالب عدداً وعدة ونوعاً؛ لتصل نسبة العرب فيه تدريجياً الى أكثر من 70% من نفوس العراق. ولكن مما لا شك فيه أن من بين هذه النسبة مستعربين كثر؛ ولاسيما من القوميات الكلدانية والسومرية واللرية (القومية التي ينتسب إليها الفيليون) والفارسية والكردية والتركية. وبمرور الزمن وبمنطق التعايش وبقدرة العرب المعروفة على استيعاب الآخرين؛ أصبح هؤلاء المستعربون جزءا لايتجزء من هذه القبائل العربية ومن القومية العربية، لكي تتبلور هوية العراق القومية، وتكون هذه الهوية العربية هي ركيزة الإستقرار الوطني الأولى؛ لأن كل بلد أصيل لابد له من أكثرية سكانية؛ قومية أو مذهبية؛ تكون بمثابة الشقيق الأكبر والحاضن للقوميات الشقيقة المتعايشة في العراق.

والملاحظ أن مئات المفردات التي يستعملها أهلنا في جنوب العراق في لهجتهم المحلية المحكية، هي سومرية وفيلية؛ بل حتى قواعد صياغة الجملات والاختصارات تعود الى السومرية أو الفيلية، وهما لغتا الجنوب الأصليتين. والفيليون هم من القومية اللرية من الأصول العيلامية، وهم أهل حضارة جنوب شرق دجلة، وهم ليسوا كرداً؛ فالكرد هم ميديون آريون نازحون من آسيا الوسطى الى هضبة إيران، ثم هاجروا الى شمال العراق قبل عشرة قرون تقريباً، في حين أن الفيليين عراقيون أصلاء تعود جذورهم الى آلاف السنين في العراق، حالهم حال السومريين.

كما أن أكثر من نصف أبناء العشائر العربية في مناطق الأهوار المختلفة من الجبايش الى الحمار، وكذلك عشائر شمال البصرة والعمارة والناصرية والسماوة هم سومريون مستعربون. كما أن كثيراً من أبناء عشائر واسط وديالى وشرق العمارة هم فيليون ولك وكلهر وفرس وكرد مستعربون، أي أن أغلب أبناء الجنوب العراقي هم عراقيون أصلاء تمتد جذورهم في العراق الى آلاف السنين، وليسوا عرباً مستوطنين ونازحين بعد الفتح الإسلامي.

وإذا رجعنا الى تاريخ هجرة أجداد العشائر الحالية في الجنوب العراقي، والقادمة من نجد والحجاز وبادية الأردن والشام؛ فانه ربما لا يتجاوز (300 ـــ 1000) عام، وهذا لا يسمح لها أن تتكاثر بالملايين. والحال أن العراقيين الأصلاء السومريين (أكثرية سكان الجنوب)، استعربوا نتيجة خضوعهم لسلطة هؤلاء المستوطنين وحملوا أسماء عشائرهم بالتدريج.

واختار أهل الجنوب العراقي الانتماء الى مدرسة آل البيت والذوبان فيها والدفاع عنها، لتتحول الأكثرية المذهبية في العراق الى أكثرية مسلمة شيعية؛ لتكون هذه الهوية هي ركيزة الإستقرار الوطني الثانية؛ بالمنطق نفسه الذي يحكم الركيزة الأولى (القومية)؛ بعيدا عن أي تمييز في أي جانب. واللافت أن يتسبب التطور التاريخي في تركيز معادلة (شيعة عرب) في وسط العراق وجنوبه؛ اي في مساحة الحواضر العراقية العالمية التاريخية الكبرى؛ وتحديدا بابل وسومر وأكد، والتي تُختصر في حضارة وادي الرافدين أو بين النهرين، والتي قدمت للبشرية الكثير جدا من العلوم والفنون والنظريات والأساطير والقوانين والحكمة والفلسفة.

والمفارقة؛ أن تصل جرأة الثقافة الشوفينية الطائفية للدولة العراقية، منذ العهد الملكي وحتى نظام البعث؛ لتصف سكان هذه حواضر جنوب العراق وأهواره بالهنود والفرس والغجر، والسبب لأنهم شيعة. والحال؛ أن المنطقة الممتدة من الوركاء في محافظة السماوة وحتى الفاو في أقصى جنوب محافظة البصرة؛ والتي تضم أهوار الجبايش والشيب وكرمة علي والعمارة والحمّار وام النعاج والعظيم والفهود والترابة والمالح والسعدية، والمدن والمناطق المحيطة والمجاورة؛ وهي التي كانت يوماً عواصم لأُولى الممالك والدول في العالم، كأوروك وأور وكيش وأريدو ونيبور ولاكاش وغيرها.

وسكان هذه المناطق هم أصل العراق وهم مؤسسو العراق وبناة حضاراته منذ ستة آلاف عام؛ ولولاهم لما كان هناك بلد أسمه العراق؛ لأن اسم العراق إسم سومري مشتق من أوروك التي تقع في محافظة الناصرية حاليا؛ إحدى عواصم الحضارة السومرية. فالعراق الأصلي ـ إذن ـ هو أوروك وهو سومر في جنوب العراق، ثم الإمبراطورية الأكدية، التي انطلقت من كيش في محافظة البصرة الحالية، ووحدت ممالك سومر ثم بابل ثم آشور، وأشادت العاصمة السومرية الجديدة (أكد) في الفرات الأوسط. وفي عهدها تشكل العراق طوليا بصورته القريبة من شكله الحالي، أي بين النهرين والوادي الخصيب، الذي يمتد من الفاو وحتى شمال الموصل. ولكن بعد (4,500) سنة على تشكيل العراق على يد السومريين؛ يأتي المنهج الشوفيني الطائفي ليصف مؤسسي العراق بأنهم هنوداً وفرساً وغجراً، ويقصد بهم شيعة جنوب العراق، والذين يشكلون نصف سكان العراق تقريباً.

(الشروگ) مؤسسوا العراق وأحفاد السومريين

(الشروگ)؛ تسمية سومرية أصيلة، مشتقة من اسم (شروگين)، إمبراطور الدولة الأكدية السومرية، والذي يعرف في المدونات التاريخية المعربة باسم (سرجون) الأكدي. والتحليل التاريخي يقودنا الى أن شروگين (سرجون) قاد أفراد جيشه المنتمين الى اسمه، أي الشروگ أو الشروگيين، ليزحف باتجاه ممالك وادي الرافدين ليوحدها من الفاو وحتى شمال الموصل. وبذلك؛ يكون الشروكيون هم مؤسسي العراق طوليا بشكله القريب من شكله الحالي.

وتكتمل حلقات الكراهية والتمييز الشوفيني الذي أسسه العثماني ساطع الحصري، الذي تلفع زورا بعباءة الايديولوجية القومية العربية، ثم ليتلقف هذه الحلقات ميشيل عفلق وحزبه؛ بسن القوانين التي يكون فيها العراقي الأصيل هو غير العراقي الأصيل، أي ليكون العراقي الأصيل هو العثماني، وليس الشروگي السومري والعربي، وخاصة أن السومري المعاصر لابد أن تحمل هويته حرفي (شين)؛ أي شيعي وشروگي. وهاتان الشينان تشكلان لعنة ترافق هذا العراقي الأصيل كظله؛ فتحولانه الى مواطن من الدرجة الثالثة، على اعتبار أن الشيعي العربي الأصيل غير الشروگي؛ هو مواطن من الدرجة الثانية. وهذا ما سار عليه عرف ما يسمى بالدولة العراقية لما قبل عام 2003.

ورغم انهيار الدولة العنصرية الطائفية؛ إلّا أن اسطوانة الكراهية للشروگي والاشمئزاز منه لا تزال تسمع بتركيز في مجالس وأحاديث الجماعات الطائفية والشوفينية، حتى تلك المشاركة بقوة في العملية السياسية، على خلفية صعود كثير من (الشروگ) الى مناصب عليا في الدولة؛ رؤساء وزراء ووزراء ونواب ومدراء عامين وقادة عسكريين. أما الاشمئزاز؛ فمرده إن هذا الطائفي الشوفيني يرى نفسه بأنه هو العراق وهو الدولة العراقية وهو السيد والقائد والمالك وصاحب الدار منذ مئات السنين؛ فكيف يسمح لنفسه أن يتحول (الشروگي) الذي ظل لمئات السنين مواطناً من الدرجة الثالثة وأجيرا وحطبا لحروبه ومادة لفتنه وبغضائه وسخريته؛ يتحول الى ند وجليس وشريك له في الحكومة وفي مجلس النواب وفي الوزارات والقيادات العسكرية. وبالتالي؛ إذا كان المراد من اجتثاث البعث هو اجتثاث الأفراد؛ فلا قيمة كبيرة لذلك؛ لطالما بقي هذا الفكر العنصري الطائفي محفوراً في عقول وقلوب كثير من السياسيين الحاليين ممن لم يكونوا أعضاء في حزب البعث، أو كانوا أعضاء صغار فيه.

لقد قرأت كثيراً من الكتب والدراسات عن حضارة السومريين، ولا سيما الكتب والدراسات التي كتبها باحثون متخصصون لم يتأثروا بالمنهج الشوفيني؛ ولكني لم أتعرف الى الآن على كتاب أو دراسة علمية تشير الى بقايا السومريين الحاليين وقبائلهم وأنسابهم؛ وهي قضية مهمة تثير الفضول العلمي؛ أكثر من كونها قضية عاطفية وقومية وسياسية. وهذه المهمة من المفترض أن يقوم بها ابتداء الباحثون المتخصصون بالشأن السومري، ثم من يدعون الى تسمية إقليم جنوب العراق المقترح بـ (إقليم سومر)، وأخيرا من ينسب نفسه الى السومريين. ولأبناء الجنوب العراقي؛ الحق بأن يفخروا بجذورهم الضاربة في أرض العراق منذ آلاف السنين؛ فهم بناة مدنية البشرية وحضارتها، ومعمارو الأرض وصانعي مجد حضارة وادي الرافدين.

 

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment