السلطة السياسية أحد عناصر قوة النظام الاجتماعي الديني الشيعي

Last Updated: 2024/04/04By

السلطة السياسية أحد عناصر قوة النظام الاجتماعي الديني الشيعي

د. علي المؤمن

إذا ما ستثنينا تجربة الأئمة في العمل السياسي وممارسة السلطة الزمنية، وتحديداً الإمام علي والإمام الحسن والإمام الرضا، لخصوصية التجربة وارتباطها بمبدأ الإمامة؛ فإن المختار الثقفي يعدّ على المستوى التاريخي أول سياسي شيعي، بالمعنى الحديث للعمل السياسي، وهو الذي أسس لثقافة السلطة لدى الشيعة، وحقق لهم إنجازات مهمة، أهمها تركيز قواعد الاجتماع الديني الشيعي، المستقل عن الاجتماع السياسي الطائفي للدولة السنية، والهوية الاجتماعية الشيعية، المستقلة عن الهوية السياسية الطائفية للدولة. ولذلك؛ لم يكن المختار على وئام ــ أحياناً ــ مع الخط الشيعي الأصولي، الذي يعمل وفق ما يعتقد أنه ثوابت شرعية، لكنها لا تنتج سلطة أو دولة، وهو ما كان يمثله خط التوابين بقيادة سليمان الخزاعي، والذي كان يتهم المختار أنه صاحب طموح سياسي. بينما ظل هدف المختار من المناورات السياسية والتحالفات المتنوعة؛ التحضير للثورة بمنهجية دقيقة وأدوات ناجحة، من أجل الوصول الى السلطة، وهي السلطة التي حققت للشيعة إنجازات كبيرة، وإن كان وراءها طموح المختار للسلطة. وسار على خطى المختار سياسيون شيعة بارزون، كإبراهيم ابن مالك الأشتر، لكنهم لم يكونوا بحنكة المختار، ولم يحققوا هدف السلطة.

وتمظهر العمل السياسي الشيعي في العصر العباسي بالحراكات المعارضة والثورات التي قادها أبناء الأئمة وأحفادهم، وأبرزها ثورات زيد بن علي ويحيى ومحمد النفس الزكية وادريس. وتتوجت جهودهم الشيعة السياسية والثورية والتبليغية في بادئ الأمر، بتأسيس الدولة الإدريسية في المغرب العربي بقيادة السيد إدريس بن عبد الله في العام 194 ه (788 م)، وهي أول دولة شيعية في التاريخ، والدولة العلوية في طبرستان بشمال إيران (مازندران وكيلان الحاليتين) بقيادة السيد حسن بن زيد في العام 205 ه (864 م)، والدولة الأُخيضرية في اليمن في العام 206 ه (865 م)، ثم الدولة الحمدانية في شمال العراق وبلاد الشام في العام 293 ه (890)، وهي أول دولة شيعية إثني عشرية في التاريخ. وتبعتها الدولة الفاطمية في شمال افريقيا ومصر في العام 296 ه (909 م)، وهي أول دولة خلافة شيعية مستقلة في التاريخ، ثم الدولة البويهية في العراق وإيران في العام 321 ه (934 م) وغيرها من الدول والإمارات. ثم بقي الشيعة دون سلطة سياسية ما يقرب من أربعة قرون، أي منذ سقوط الدولة البويهية في العام 447 ه (1062 م)، ثم الدولة الفاطمية في العام 567 ه (1171 م)، وحتى تأسيس الدولة الصفوية في العام 905 ه (1501 م).

وكانت هذه الدول تنتهج النهج السياسي للمختار الثقفي وثقافته في موضوعة السلطة وفقهها المرن المصلحي، أي أن الذي قاد الثورات باتجاه تأسيس هذه الدول هم القادة السياسيون والعسكريون وليس الفقهاء غالباً، بما فيها الدول التي كان حكامها من الشيعة الإثني عشرية. ففي عصر غيبة الإمام المهدي، تبلور خطان شيعيان، شبه متعارضين فكرياً، لكنهما متعاونان ميدانياً:

الأول: خط الفقهاء، وكان يفضل عدم خوض غمار الثورة وتأسيس الدولة، استناداً الى قواعد شرعية أو حذراً من الخوض في الدماء أو حفاظاً على الواقع الشيعي من التعرض للتدمير من الحكام الطائفيين.

والثاني: خط الثوار والسياسيين، الذي ظل يستنهض، ويعمل على تأسيس الدولة، بصرف النظر عن نواياه وطموحاته.

ولذلك؛ فإن الشيعة عندما حكموا كل العالم الإسلامي في فترة من الفترات؛ فإن ذلك حصل بفضل الثوار والسياسيين الشيعة، الى جانب دعم الفقهاء غالباً، الذين كانوا يرون في هذه الدول أمراً واقعاً يحقق فوائد للتشيع للشيعة، ويحميهم، دون أن يتحمل الفقهاء أنفسهم مسؤولية سلوكياتها وممارساتها.

واستمر هذه الظاهرة طيلة (1150) سنة، حتى ظهور الإمام الخميني، الذي مثل الاستثناء التاريخي، حين أسس لقواعد السلطة الشيعية وفقهها وثقافتها. ولذلك؛ فإن الإمام الخميني لم يكن مجرد قائد ثورة إسلامية شيعية، أو مؤسس دولة إسلامية شيعية وحسب، بل أنه قلب معادلة السلطة والحكم والدولة في الثقافة الشيعية الموروثة، وفقهها وقواعدها العقدية، ونقل مهمة الثورة وتأسيس الدولة وقيادتها، من السياسيين الشيعة الى الفقهاء. والى جانب الخميني المؤسس، كان هناك فقيه رائد آخر، عمل على استنهاض الشيعة باتجاه السلطة والدولة الإسلامية، هو السيد محمد باقر الصدر. كما ظهر فقيه آخر أسس لنهضة شيعية سياسية تنموية في لبنان، هو السيد موسى الصدر. ومن هنا؛ فإن الإمام الخميني، ومعه السيد محمد باقر الصدر، هما أول فقيهين في التاريخ الشيعي، بعد فقهاء العصر الصفوي، يستنهضون الشيعة باتجاه ثقافة السلطة وفقه السلطة. ولا نتحدث هنا عن مجرد نظريات وقواعد في الفقه السياسي الإسلامي، بل عن خطاب نهضوي وسلوك سياسي ثوري مدعوم فقهياً، وهو ما أثمر عن وضع أسس عصره الشيعي الذهبي بعد العام 1979، والذي نقل الشيعة من عصر التغييب والتهميش والقمع الى عصر المشاركة في قرار الشرق الأوسط، والقرار العالمي.

وعليه؛ فإن ظاهرة مشاركة الشيعة، كقوة محلية منظمة، في قيادة الدول والحكومات، إلى جانب السنة، هي ظاهرة جديدة، باستثناء التجارب الإيرانية التقليدية. ويمكن الإشارة في هذا المجال الى تجارب مشاركة الشيعة في الحكم في لبنان، وخاصة بعد العام 1982، وآذربيجان بعد العام 1992، وأفغانستان بعد العام 1996، والعراق بعد العام 2003، وسوريا، وخاصة بعد العام 2011، واليمن بعد العام 2013.

هذه التجارب الست المهمة للقوى السياسية الشيعية، والتي أخرجت أنظمة هذه البلدان من معسكر الأنظمة الطائفية الموغلة في تهميش الشيعة وقمعهم، إلى معسكر الأنظمة السياسية المحايدة مذهبياً؛ قلبت موازين المعادلة الطائفية السياسية في منطقة الشرق الأوسط، وتحولت إلى مصدر رئيس لقوة النظام الاجتماعي الديني الشيعي. هذا الانقلاب في المعادلة الطائفية السياسية؛ دفع الأنظمة الطائفية في المنطقة والجماعات الطائفية المحلية، إلى شن حروب شاملة ضد تجارب المشاركة الشيعية هذه، وضد القوى السياسية الشيعية التي تتصدرها، وضد إيران الداعمة لها، بمختلف الذرائع الطائفية والسياسية والدعائية، وصولاً إلى دفع الجماعات التكفيرية والقومية المسلحة للقيام بأعمال العنف والتفجير المروعة، فضلاً عن التخريب السياسي والتشويه الإعلامي.

 

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment