الدول الشيعية والذاكرة الطائفية

Last Updated: 2024/04/03By

الدول الشيعية والذاكرة الطائفية

د. علي المؤمن

لا جدال في أن المذاهب الشيعية هي أكثر من عانى من فتنة حصر المذاهب، ومن الموقف الايديولوجي للسلطتين الأُموية والعباسية المعادي للتشيع. ولم تحظ المذاهب الشيعية بدعم عامل السياسة إلا في بلدان قليلة وفترات محدودة خلال القرون الرابع الى السادس الهجرية، وهي الفترات التي حكم فيها العلويون في شمال ايران، والحمدانيون في شمال العراق وسورية، والبويهيون في العراق وايران، والفاطميون في مصر وشمال أفريقيا، ثم الصفويين – في فترة متأخرة – خلال حكمهم إيران، وما عداها فقد كانت السلطات السنية  تحاسب من يتبع المذاهب الشيعية، وخاصة المذهب الجعفري، وتقتل أو تعتقل أو تنفي من يشتبه بتشيّعه، لأن الشيعة والحاكمين في أغلب العصور كانوا على طرفي نقيض، الأمر الذي وضع الشيعة في موقف المعارضة والمواجهة بشكل طبيعي.

لقد انتشر التشيع في ظروف استثنائية، على يد جمهرة من صحابة الرسول والتابعين الملتفِّين حول الإمام علي، كسلمان الفارسي، وأبي ذر الغفاري، وعمار بن ياسر، والمقداد الكندي، وحذيفة بن اليمان، وعبد الله بن عباس، وخزيمة بن ثابت، ومالك الأشتر، وأبي أيوب الأنصاري، وصعصعة بن صوحان، وقيس بن سعد بن عبادة، وعلي يد أئمة الشيعة من ولد الإمام علي وفاطمة، ولاسيما الإمامين محمد الباقر وجعفر الصادق، وتلامذتهم مثل أبان بن تغلب، وهشام بن الحكم الكندي، وبكير بن أعين الشيباني، وأبان بن عثمان، وعبد الله بن بكير، وحماد بن عثمان، ولم يكن فيهم قاض ولا وزير. وهذه الحقائق البديهية تتعارض مع الدعاية المركزة التي مارستها السلطات الأموية والعباسية والأيوبية وبعض قصّاصيها ومؤرخيها المتقدمين، أمثال ابن كثير وابن عبد ربه وابن حزم وابن طاهر البغدادي، ومن تبعهم من خصوم ومستشرقين، الذين ارجعوا التشيع إلى أصول يهودية وفارسية، كما مر.

والدول التي أسسها الشيعة وحكموها، هي دول الشيعة وليست دول التشيع، حالها حال الدول السنية؛ فقد كانت دولاً سلطانية سياسية وراثية، ولم تكن ملتزمة التزاما كاملا، في شرعية تأسيسها وعملها وسلوكياتها، بتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية وفق مذهب ال البيت، وخاصة في مجالات الحكم الإسلامي الشرعي، رغم أنها قدمت خدمات كبيرة للتشيع، وقامت بنشرته، وحمت الشيعة، ولذلك؛ شكلت ضرورة مصيرية لحماية الشيعة والمذهب، في مواجهة حملات القمع والتصفية. وأهم هذه الدول:

  • دولة المختار في وسط وغرب العراق، وعاصمتها الكوفة (66 -67 ه)
  • الدولة الإدريسية في المغرب العربي وجزء من الأندلس، وعواصمها وليلي ثم فاس (172- 373 هـ)
  • الدولة العلوية في شمال بلاد فارس، وعاصمتها طبرستان (آمل الحالية) (۲۰٥ ـ ۳۰٤ هـ)
  • الدولة البويهية في بلاد فارس والعراق، وعواصمهم شيراز والري وكرمان الإيرانية وبغداد العراقية (320 -447 هـ)
  • الدولة الحمدانية في شمال العراق وبلاد الشام، وعاصمتاها الموصل العراقية وحلب السورية (293- 406 هـ)
  • الدولة الفاطمية في شمال أفريقيا ومصر وبلاد الشام، وعاصمتها القاهرة (296- ٥٦۷ هـ)
  • الدولة العمّارية في شمال لبنان وغرب سوريا، وعاصمتها طرابلس (462 ـــ 502 ه)
  • دولة السربداران في شمال شرق بلاد فارس، وعاصمتها سبزوار (736 ـــ 788 ه)
  • الدولة المزيدية في وسط وغرب العراق، وعاصمتها الحلة (402 – 545 ه)
  • الدولة المشعشعية في جنوب غرب إيران وجنوب العراق، وعاصمتها الحويزة (844 ـــ 914 ه)
  • دولة الصفويين في بلاد فارس والعراق، وعاصمتها تبريز ثم قزوين ثم إصفهان (۹۰٥ ــــ ۱۱48هـ).

ولم تكن الدول الشيعية على مر التاريخ تمارس الإقصاء والتمييز الطائفيين، بل منفتحة على المذاهب والطوائف الأُخر، ولم تمارس أي نوع من فرض المذهب الشيعي أو الإقصاء لاتباع المذاهب الأُخرى؛ لأن طبيعة مذهب أهل البيت وتعاليمه وانفتاحه وتسامحه، لا تسمح بتحويلها الى دول طائفية ، ولم يذكر أي من المؤرخين السنة، حتى المعروفين بطائفيتهم، أن الدولة الإدريسية أو الطبرستانية أو الحمدانية أو البويهية أو الفاطمية وغيرها، إنها كانت تمارس سياسة الإقصاء المذهبي والطائفي أو فرض مذهب أهل البيت بالقوة، أو أنها مارست الانتقام الطائفي، ما يعني أن الذاكرة الطائفية لدى الدول الشيعية ظلت ممحية على الدوام، على العكس من سياسات فرض العقائد والمذاهب، والانتقام والاجتثاث الطائفي التي كانت تمارسها الدول الأموية والعباسية السلجوقية والأيوبية والمملوكية والعثمانية.

وربما كانت الدولة الصفوية، الوحيدة التي تطالها شبهات الممارسة الطائفية، والتشبه بالدول والحكومات السنية، لكن هذا التشبه كان يقتصر على الخطاب المذهبي والاستثمار الطائفي، وذلك بهدف مواجهة حروب الدولة العثمانية ومحاولاتها إسقاط الدولة الصفوية، وممارسة سياسة اجتثاث الشيعة في أراضي الدولة الصفوية، كما فعلت في تركيا وسوريا ولبنان والعراق.

جدير بالإشارة؛ إن الأُسرة الصفوية أُسرة موسوية علوية هاشمية، من ذرية السيد حمزة بن الإمام موسى بن جعفر، وكانت تقيم في شمال العراق، وهو ما دفع بعض المستشرقين الى نسبتهم الى الكرد، لأن الكردية لغتهم الأصلية، ثم هاجر جدهم الى منطقة أردبيل الإيرانية، وتصاهروا مع الآذريين المنسوبين الى الترك، وأصبحت لغتهم آذرية بالتدريج، تأثراً بلغة أهل المنطقة، وهو حال جميع الأُسر العلوية والعربية المهاجرة الى البلدان الإسلامية، ومنها إيران. والصفويون هم أبناء عمومة جميع أسر السادة الموسوية، ولاتزال فروع منهم تنتشر في إيران والعراق وآذربيجان وسوريا ولبنان وغيرهما. وكان شاهات الدولة الصفوية، ككل الملوك والزعماء، فيهم الصالح والطالح، لكن الدولة بشكل عام، قدمت خدمات تاريخية كبيرة للإسلام ولمذهب آل البيت. ولعل أفضل من كتب في هذا المجال السيد علاء نجف في كتابه المخطوط ((رجال المجد والعزة في سلالة الشريف حمزة بن الإمام موسى الكاظم))، وهي موسوعة في تراجم الأسرة الصفوية وأبناء عمومتها.

 

 

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment