الدولة الإسلامية بين مبدأين ولاية الفقيه والشورى
الدولة الإسلامية بين مبدأين: ولاية الفقيه والشورى
د. علي المؤمن
المقدمة المنهجية
يعد الموضوع الذي نتناوله من المواضيع الجديدة في الفقه السياسي الإسلامي، وخاصة ما يتعلق بالمقارنة بين مبدأين أساسيين يحظيان بأصول تشريعية ثابتة، وقد أخذ هذا الموضوع بالتفاعل بقوة بعد العام 1979، وشهد اهتماماً خاصاً حينها، ولا سيما خلال فترة مناقشة دستور الجمهور الإسلامية الإيرانية، وكانت النقاشات تتسع لمناهج ومقاربات متعددة، فقهية وفلسفية وفكرية وسياسية، ولم تكن تقتصر على الجانب النظري، بل كانت لصيقة أيضاً بالجانب التطبيقي الذي سيقرره الدستور، ويرسم شكل النظام السياسي الجديد للدولة في إيران.
ولكن الأمانة العلمية تقتضي أن نشير الى ظهور هذا اللون من النقاش في النجف الأشرف منذ ستينات القرن الماضي، وتحديداً في أوساط الحركة الإسلامية العراقية الداعية الى تأسيس الدولة الإسلامية، والتجاذبات التي شهدتها أوساطها، بين القائلين بخيار قيام شورى المؤمنين بالدعوة الى تأسيس الدولة الإسلامية وقيادتها في عصر الغيبة وبين القائلين بحصر هذه المهمة بالفقيه العادل المتصدي، وعدم دلالة آية الشورى ((وأمرهم شورى بينهم))(1) على جواز قيام شورى المؤمنين بتأسيس الدولة الإسلامية وقيادتها(2). ثم تصاعد هذا النقاش النخبوي بعد ظهور أطروحة الإمام الخميني في العام 1969 م في النجف الأشرف، بشأن إقامة الدولة الإسلامية وقيادتها في عصر الغيبة، والتي حصرت هذه المهمة في الفقيه، وهو ما عرف بـ “ولاية الفقيه على الحكم” أو “ولاية الفقيه العامة”(3).
وظل هذا النقاش محصوراً في دائرة مدرسة آل البيت، وفي زمن غيبة الإمام تحديداً، لأن مهمة إقامة الدولة الإسلامية وقيادتها وشرعية السلطة منحصرة بالإمام المعصوم في عصر حضوره، وهو أمر محسوم ولا جدال حوله في إطار مدرسة آل البيت. أما ما يرتبط بمدرسة الخلفاء أو التسنن؛ فإن موروثها الفقهي والفكري التقليدي ليس لديه شكل محدد في موضوع شرعية السلطة والحكم، في حين تبنت الجماعات الإسلامية الحركية السنية(4) التي تأسست في العقود الأُولى من القرن العشرين، خيار “ولاية الشورى” في إقامة الدولة الإسلامية وقيادتها. وبالتالي؛ ستكون مقاربتنا في هذا البحث مقتصرة على عرض وجهات النظر في إطار فقه مدرسة آل البيت، وتحديداً في عصر غيبة الإمام، بما في ذلك موضوع الشورى بدلالاته التي حددتها مدرسة آل البيت.
ولتبيين مراد الباحث من مفردات عنوان البحث؛ نوضح هنا دلالاتها، للحيلولة دون حصول أي لبس خلال طرح إشكاليات البحث وقضاياه وموضوعاته:
1-الدولة الإسلامية: لم يفرق الموروث الكلامي والفلسفي والفقهي الإسلامي بين مفاهيم ومصطلحات (الدولة الإسلامية) و(الحكومة الإسلامية) و(النظام الإسلامي) وأشباهها، وفق دلالات العلوم القانونية والسياسية الحديثة، وظلت تدل على مضمون واحد، هو الحكم، والذي يستوعب المجالات السلطات السياسية والجهادية والتشريعية والقضائية. وقد أطلق المسلمون اسم: «دولة الرسول» ثم «دولة الخلافة» على الدولة الإسلامية في عصر صدر الإسلام، ثم أُضيف اسم الأسرة الحاكمة أو الحاكم المؤسس الى مفردة الخلافة والدولة والحكم.
ويمكن تعريف الدولة الإسلامية بأنها الكيان السياسي القانوني القائم على رقعة جغرافية، وتستند إلى الشريعة الإسلامية في تحديد غاياتها وأهدافها، وصياغة نظمها السياسية والتشريعية والقضائية والجهادية والاقتصادية والتعليمية والثقافية، وتنظيم علاقاتها الخارجية، وسياقات عملها وآليات حركتها بين مؤسساتها، وبينها وبين رعاياها، فضلاً عن معايير نصب حكامها وشروطهم وصلاحياتهم. وتقف مهمة تطبيق أحكام الشريعة في كل المجالات المذكورة على رأس مهامها، وبما يضمن تحقيق العدالة والكرامة الإنسانية، ونشر الإسلام بالطرق التي تحددها الشريعة الإسلامية.
والأرجح؛ أن مفردة الدولة الإسلامية لا يصح، وفق المعايير الشرعية الإسلامية، أن تطلق على الدول والحكومات والسلطنات التي حكمت المسلمين طوال التاريخ، باستثناء دولة الرسول ودولة الإمام علي ودولة الإمام الحسن بن علي. أما التعبير الشرعي الصحيح؛ فهو دولة المسلمين وليس الدولة الإسلامية، وهو ما سنأتي عليه في طيات البحث.
أما في العصر الحديث؛ فقد أدى تفاعل الفقه السياسي الإسلامي مع الواقع ومتطلباته الزمانية والمكانية، وأبرزها تأسيس دولة الحدود الجغرافية القاهرة، وتأسيس المنظومات القانونية الدولية والدستورية، إلى بروز مصطلح جديد معادل نسبياً للدولة الإسلامية؛ هو (الجمهورية الإسلامية)(5)، والذي يدل على الكيان السياسي ـ القانوني الذي يقوم على معايير الشريعة الإسلامية ويحكم بها، إضافة إلى التزامه بأحكام القانون الدولي والقانون الدستوري الحديث، وهو ما لم يكن يعرفه الموروث العقدي والفقهي الإسلامي من قبل.
2- مبدأ ولاية الفقيه: وهو مبدأ إسلامي خاص بمدرسة آل البيت، ويعني المنصب الحصري للفقيه أو الحكومة الحصرية للفقيه في زمن غيبة الإمام، وهو يستند إلى أصل تشريعي يتمثل في النصب الشرعي للفقيه العادل ولياً للأمة، بوصفه نائباً عاماً للإمام في عصر غيبته، الأمر الذي يحصر الحق الشرعي في تأسيس الدولة الإسلامية ورئاستها به، بوصفها أحد مظاهر ولايته، الى جانب الولايات أو المناصب الأُخرى، كولاية الفتوى وولاية القضاء وولاية الأموال وولاية الحسب. أما ما يعنينا في هذا البحث؛ فهي ولاية الحكم، دون ولايات الفقيه الأُخر.
3- مبدأ الشورى: وهو مبدأ إسلامي عام يستوعب كل مجالات حياة المسلمين، السياسية والاجتماعية والتشريعية وغيرها. وقد تحوّل هذا المبدأ في عصر فقه الدولة الإسلامية الحديثة الى أداة لاختيار مسؤولي الدولة الإسلامية، واتخاذ القرار بصورة جماعية، وتقوية قرار الحاكم وتعميقه عبر بالرأي والمشورة، والتشريع. ويمكن القول إن الشورى في مفهومها الفقهي السياسي الإسلامي الحديث، تقابل الاستبداد والتفرد بالرأي والحكم والسلوك، وتنسجم مع احترام رأي الأُمة أو أغلبيتها بكلمة أدق، والعمل بمقتضاها في المساحات التي تتعارض مع ثوابت الشريعة الإسلامية.
وقد تم تقسيم الدراسة الى أربعة مباحث أساسية، حملت عناوين: الدولة الإسلامية، مبدأ الشورى، مبدأ ولاية الفقيه وخيار الجمع بين الشورى وولاية الفقيه. وقد اعتمدت الدراسة المنهج الوصفي التحليلي والمنهج المقارن.
الكلمات المفتاحية: الدولة الإسلامية، الفقه السياسي الإسلامي، فقه الدولة الإسلامية، الشورى، شورى الأُمة، ولاية الأُمة، مناصب الفقيه، ولاية الفقيه العامة، ولاية الفقيه وشورى الأُمة.
المبحث الأول
الدولة الإسلامية
النظريات الحديثة في الدولة الإسلامية
في مرحلة تدوين فقه الدولة الإسلامية الحديثة، برزت عدة نظريات وأطروحات فقهية في موضوع الدولة الإسلامية، وهي تنقسم إلى اتجاهين رئيسين:
الأول: لا يؤمن بقيام دولة إسلامية شرعية في عصر الغيبة، استناداً إلى بعض الروايات والمنقولات التي تعد كل راية، قبل المهدي، راية ضلال، وأصرّ هذا الاتجاه على التفسيرات الخاصة التي تحمل رؤى مسبقة، وهو بذلك لا يعبّر عن الظهور الموضوعي أو الفهم الموضوعي للروايات. هذا الاتجاه يرى أن إقامة الحكومة الإسلامية، هو حق خاص بالإمام المعصوم؛ فلا ولاية للفقيه على الحكم، ولا شورى للأمة، وإنما هناك ولاية للفقيه في الأمور الحسبية(6).
الثاني: يؤمن بقيام الدولة الإسلامية في عصر الغيبة. ويضم هذا الاتجاه النظريات التي تؤمن بشرعية قيام الدولة الإسلامية في عصر الغيبة، لكنها تختلف في عدد من أسسها وأدلتها الشرعية، وتلتقي في معظم الأهداف والنتائج، وفي مقدمتها هدف إقامة الدولة الإسلامية وتحكيم الشريعة، وحماية الدين وتحقيق غاياته والدفاع عن المسلمين ومقدراتهم. أما الأساس الأهم الذي تختلف فيه هذه النظريات؛ فهو صاحب الولاية في الدولة ومصدر شرعيتها، حتى أصبح هذا الأساس معيار تقسيم نظريات الدولة الإسلامية الحديثة، وأشهرها: النظرية القائمة على مبدأ الشورى، والنظرية القائمة على مبدأ ولاية الفقيه المنصوب، ونظرية الجمع بين مبدأي ولاية الفقيه والشورى.
معايير إسلامية الدولة
تتلخص معايير إسلامية الدولة من الناحية النظرية في ثلاثة محاور أساسية: شرعية الحاكم، حاكمية الشريعة وحاكمية القانون:
1- شرعية الحاكم: الحاكم هو رئيس الدولة الشرعي الذي تقرر الشريعة الإسلامية شروطه وصلاحياته في عصر غيبة الإمامة، وأهمها: الفقاهة، بمعنى الاجتهاد في الشريعة الإسلامية، والعدالة، بمعنى التقوى والنزاهة والأمانة، والكفاءة، بمعنى القوة والقدرة الإدارية والقيادية، وأخيراً المقبولية العامة، وتعني انتخاب الأُمة للحاكم الشرعي من بين من تتوافر فيهم الشروط المذكورة، سواء انتخاباً مباشراً أو غير مباشر. وحين تتحول هذه الشروط والصلاحيات الى بنود دستورية وقانونية، عبر التقنين الدستوري والتقنين التشريعي؛ فإنها تكون ملزمة لجميع رعايا الدولة الإسلامية، بمن فيهم الفقهاء وغير الملتزمين دينياً وغير المسلمين. ثم تتدخل إرادة أهل الخبرة من نواب الشعب في تطبيق المواد الدستورية المعنية، عبر اكتشاف الشخص الذي تنطبق عليه المواصفات.
2- حاكمية الشريعة: تتدخّل الشريعة الإسلامية في كل جوانب الدولة الإسلامية ومؤسساتها وسلوك رعاياها، وفي صياغة مضامينها وشكلها ومؤسساتها، وفي شروط من يمارس السلطة وصلاحياته. وتتجسد حاكمية الشريعة الإسلامية في عقيدة الدولة، وشرعية حاكمها وسلطاتها، وتشريعاتها ومظاهرها وأساليب ووسائل ممارسة حكامها ومسؤوليها وموظفيها، وتكون جميعها مستنبطة من أصول التشريع الإسلامي واجتهاد الفقهاء العدول الأكفاء.
3- حاكمية القانون: وهو شرط في الدولة الإسلامية الحديثة لكي يتوحد موقفها القانوني، أي منظومتها التشريعية المستندة الى أحكام الشريعة الإسلامية، من خلال عملية التقنين التي يقوم أصحاب الاختصاص من قانونيين وفقهاء. وتتجسد وحدة الموقف هذه في نظام قانوني مدوّن ملزِم للدولة وحاكمها وسلطاتها وجميع رعاياها. وتتمثل حاكمية القانون في مجموعة معايير أساسية، أهمها: وجود دستور للدولة يدونه الخبراء ويصادق عليه الحاكم الشرعي وتقره الأُمة، سمو دستور الدولة، سيادة القانون ونظمه على كل الصعد، تساوي الحكام والمحكومين أمام القانون، تدرج القواعد القانونية، الرقابة المتبادلة بكل أنواعها على الدولة وسلطاتها من قبل الحاكم الشرعي والحكومة ومجلس نواب الأُمة والقضاء والأُمة، والفصل بين سلطات الدولة الأربعة المتمثلة في الحاكم الشرعي والتشريع والتنفيذ والقضاء.
المبحث الثاني
مبدأ الشورى
مبدأ الشورى
وفق المحددات التي وضعتها الشريعة الإسلامية؛ فإن مبدأ الشورى يعد وعاءً جامعاً لكثير من المفاهيم التي يمكن أن تكون مصداقاً له، وكل مفهوم منها له اصطلاح خاص في الاتجاهات السياسية الإسلامية، وفق قراءته وفهمه لدلالات الآيات والأحاديث المتعلقة بالشورى، فتكون الشورى عند بعضهم شورى الأُمة، وعند الآخر شورى نخبة الأُمة وعند الثالث شورى الحاكمين. كما تختلف هذه الاتجاهات في تطبيق مبدأ الشورى، فيما لو كان قائماً على الفرز التلقائي للحاكم والحاكمين أو عبر الاختيار والانتخاب الخاص أو عبر الانتخاب العام لكل رعايا الدولة الإسلامية، فضلاً عن على اختيار الحاكمين وتقنين التشريعات وممارسة السلطة واتخاذ القرارات، وفيما لو كانت المشورة تقتصر على المسلمين التابعين قانونياً الى الدولة الإسلامية أو عموم مواطني الدولة الإسلامية من أتباع الديانات والمشارب الأُخر، أو أنها تشمل عموم المسلمين، بمن فيهم التابعين لدولة غير الدولة الإسلامية.
ويستند مبدأ الشورى الى عدد من الآيات القرآنية التي تختلف في أسباب نزولها ومناسباتها وموضوعاتها، ودلالاتها أحياناً، وكذلك الى سنة رسول الله وأئمة آل البيت. وقد ورد لفظ (شورى) ومشتقاته في عدد من الآيات، وتحديداً قوله (تعالى): ((فَبِـمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقـَلْبِ لانْفَضـُّوا مـِنْ حـَوْلـِكَ فَاعـْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَـاوِرْهُمْ فِـي الأَمـْرِ فَـإِذَا عَـزَمْتَ فَـتَوَكَّـلْ عَـلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الـْمُتَوَكِّلِينَ))(7)، وقوله: ((وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ))(8). ويذكر المفسرون إن الرسول (ص) قال بعد نزول آية ((وشاورهم في الأمر)): ((أما أنّ الله ورسوله لغنيان عنها، ولكن جعلها الله (تعالى) رحمة لأمتي؛ فمن استشار منهم لم يُعدم رُشداً ومن تركها لم يُعدم غيّاً))(9). وفي الحديث النبوي دلالة واضحة على أن المراد من الآية هو التنبيه الى (تدبير سلوكي) يتمثل أهمية استشارة الصحابة أو المسلمين والاستماع الى رأيهم، من أجل تقريب قلوبهم وتحبيبهم الى النبي، أي أن فيها دلالة على سلوك الحاكم وليس على أصل انتخابه أو إلزامه بالرأي الذي خرج بها المستشارون.
أما الآية الأُخرى ((وأمرهم شورى بينهم))؛ فهي تحمل الدلالة نفسها، ولا دلالة فيها على أن الأمر هو الحكم، ولو كان المقصود بـ (الأمر) هو الحكم وإدارة الدولة؛ فلا يعني ذلك الشورى في اختيار الحاكم، وهو ما تدل عليه سيرة أئمة آل البيت، وإلّا لكان لزاماً أن تتدخل الأُمة في ترشيح الأنبياء والأئمة والأوصياء واختيارهم. وربما يكفي حديثاً واحداً للإمام علي يكشف بوضوح عن رأيه بالشورى وإلزامها، وهو قوله لعبد الله بن عباس: ((لك أن تشير عليّ وأرى فإذا عصيتك فأطعني))(10)، لأنّ الإمام يرى أن من حق المسلمين أن يشيروا عليه، لكن من حقه أن يأخذ أو لا يأخذ بالرأي، وأن من حقه أن يرجّح بين الآراء، مع تأكيده على أهمية الشورى لاستقامة الرأي وتصويبه كما يقول: ((في الشورى سبع خصال: استنباط الصواب، واكتساب الرأي، والتحصن من السقطة، وحرز من الملاقة، ونجاة من الندامة، وألفة القلوب وأتباع الأثر))(11).
وبالتالي؛ فإن الشورى في عصر رسول الله والأئمة كان لها مظهر واحد فقط، وهو استماع النبي والإمام الى آراء الأصحاب أو نخبة الأُمة، دون أن تكون آراءهم ملزمة له. هذه هي الدلالة الحصرية لآيات الشورى وأحاديثها، وهي دلالات لا يمكن أن تتغير بعد رحيل رسول الله وغيبة الإمام، كما لا يمكن إعادة إنتاج دلالاتها بسبب عدم حضور الإمام. نعم يمكن الاستلهام منها والاستفادة من آفاقها ومقاصدها، في تنظيم حياة المسلمين وأساليب حكمهم واختيار حكامهم، كنوع من التدبير، ولكن دون إقحام الآيات والأحاديث ودلالاتها في دوامات التحولات السياسية والتفسيرات المزاجية والاستحسانية. وفي الوقت نفسه؛ فإن إعادة استنطاق الأحاديث والآيات في عصر الغيبة؛ مقيد بما أمر به الأئمة شيعتهم للعمل وفق أحاديثهم الصحيحة، والتي حصرت هذه المهمة بعلماء الأُمة وما يرادف مصطلح العلماء من مصطلحات أخرى، كالفقهاء والمحدثين وأهل الذكر، كما سيأتي، وليس الأمر متروك للأُمة لتحدد ما تراه مناسباً من شؤون الدولة والحكم، خاصة إذا تحولت الأُمة الى حالة استلاب الوعي والعقيدة، واختارت ما يتعارض مع ثوابت الإسلام. وبالتالي؛ فإن مفهوم شورى الأُمة وولايتها على نفسها في عصر الغيبة يتعارض تعارضاً بديهياً مع ثوابت مدرسة آل البيت وسيرتهم.
الدولة والشورى
وفق دلالات الآيات والأحاديث؛ فإن تطبيق مبدأ الشورى في عمل الدولة الإسلامية في عصر الغيبة، يتسع لأغلب آليات ممارسة السلطة، وذلك من خلال مجالس شورى الإشراف والتخطيط والتشريع والتنفيذ والرقابة والتحكم والقضاء، ومنها ما هو منتخب انتخاباً عاماً من قبل رعايا الدولة الإسلامية، ومنها ما هو منصوب من قبل الحاكم، ويعني ذلك استناد الحاكمين في قراراتهم وأدائهم إلى المتخصصين من جهة، وأمة الدولة الإسلامية من جهة ثانية، عبر آليات وسياقات مؤسَسية، مما يحول دون تفردهم بالقرارات والممارسات العامة، إضافة الى تعبير دستور الدولة يعبر عن إرادة الشعب وإجماعه، كجزء من حقوقه(12)، وهو ما يضمن أيضاً تطبيق العدالة في الدولة الإسلامية، عبر تدخّل الشعب في اغلب تفاصيل حركة الدولة، ومشاركته في القرار على مختلف المستويات، وممارسته الرقابة على أجهزة الحكم(13).
ونستنتج مما سبق بأن تطبيق مبدأ الشورى في الحكم هو على ثلاثة أنواع:
1- الشورى أداةً لاختيار حاكمي الدولة ومسؤوليها، وفق الشروط التي حددها فقه الدولة الإسلامية وقننها نظامها القانوني.
2- الشورى مركزاً لاتخاذ القرار بصورة جماعية في السلطتين التنفيذية والتشريعية، وبأكثرية أصوات من انتخبهم الشعب، بدلاً من القرار الفردي.
3- الشورى أداةً لتقوية السلطات؛ إذ تمدّها بالرأي والمشورة، أي أن الشورى هنا لا تكون في موقع اتخاذ القرار، بل يكون القرار متروكاً لصاحب السلطة، والذي يقوم بترجيح آراء المستشارين. وهذا النوع من الشورى خاص برئيس الدولة وبعض السلطات الاختصاصية.
الشورى وانتخاب رئيس الدولة الإسلامية
يذهب القائلون بولاية الفقيه العامة أو ولاية الفقيه على الحكم الى حصر منصب الحاكم الأعلى للدولة ورئاستها بالفقيه المتصدي، وفق معيار المقبولية العامة، كما سنأتي. بينما يذهب بعض الاتجاهات الفكرية السياسية في مدرسة الإمامة الى حصر حق الولاية بالأُمة التي تنتخب من تفوِّضه في رئاسة الدولة، ليكون وكيلاً عنها وليس ولياً عليها في إدارة الدولة وممارسة الحكم، وهي بذلك لا تحصر رئاسة الدولة بالفقيه؛ إذ يمكن لجميع أفراد الأمة احتلال موقع رئاسة الدولة الإسلامية من دون اشتراط العلم الشرعي أو الفقاهة. وهي بذلك توسع دائرة الشورى لتشتمل على كل الأُمة أو كل شعب الدولة، كما تحولها الى ولاية حصرية للأُمة في اختيار من يكون وكيلاً عنها في رئاسة الحكم. وإذا كانت هذه النظرية لا تمانع من أن يكون رئيس الدولة فقيهاً؛ فلأنه مواطن منتخب، وليس لأنه فقيه، وأن الانتخاب الشعبي هو الذي يمنح الحاكم الأعلى شرعية ممارسة الحكم. ويذهب مفكرو هذا الاتجاه إلى عدم وجود شكل محدد للنظام السياسي في الإسلام، وعدم وجود ولاية لأحد على أحد من المسلمين، وبذلك تضع هذه النظرية موقع رئاسة الدولة، أو ولاية الحكم، في إطار الشكل وليس المضمون. وتتطابق هذه النظرية في نظامها السياسي وطبيعة ممارسة السلطة مع الديمقراطيات التقليدية.
وتواجه هذه النظرية العديد من العقبات الشرعية، فضلاً عن العقبات النفسية لدى الأمة، وهي لا تمتلك من الأدلة ما تعتدّ به؛ بالنظر لغربتها عن مبدأ الإمامة وامتداداته، وغياب معظم الأبعاد الدينية والروحية لمبدأ الإمامة من مضامين الدولة وأشكالها وفي علاقة القاعدة بالقمة؛ إذ ستكون هذه العلاقة مجرد علاقة سياسية ضعيفة، وعقد اجتماعي هش، من حيث المضامين الدينية التي تؤكد عليها مدرسة أهل البيت.
دور الأُمة في الدولة الإسلامية
يرتبط دور الأُمة في الدولة الإسلامية ارتباطاً مباشراً بتطبيق مبدأ الشورى، بغض النظر عن الاختلاف بين النظريات الإسلامية السياسية في شكل هذا الدور ومضمونه. الأُمة بالمعنى العام هي كل الأمة الإسلامية في كل مكان، والأُمة بالمعنى الخاص هم المسلمون القاطنون في إقليم الدولة الإسلامية، ويحملون جنسيتها، أو ما يمكن أن نطلق عليهم مصطلح «الشعب» أو «المواطنين»؛ فهذا المصطلح (الوضعي في شكله القانوني) تفرضه مقتضيات الزمان والمكان القهرية، وفي مقدّمها معادلات الجغرافية السياسية والقانون الدولي وأمن الدولة وغيرها، وبذلك تكون الأمة هي أحد أركان الدولة الإسلامية الحديثة الأربعة، إلى جانب الحكومة والأرض والقانون(14)، وهو ما نقصده في بحثنا.
ويمكن التعبير عن دور الأُمة بالحقوق والواجبات العامة والسياسية لشعب الدولة الإسلامية. وتعبير الحقوق والواجبات يعني أن هذا الدور ليس مجرد حق للأمة تأخذه أو ضمنه لها؛ بل أن لهذا الحق وجهاً آخر هو الواجب، أي واجب الأمة تجاه الدولة الإسلامية، والذي يتلخص في دعمها والولاء لولي الأمر وتقديم المشورة لسلطات الدولة ونصح مسؤوليها، ولهذا الواجب بعد ديني وعبادي عام، تكشف عنه دوافعه، وأبرزها: المسؤولية، الشورى، الدعوة إلى الخير، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والنصيحة لأولي الأمر.
وتتجلى حقوق الأُمة وواجباتها القانونية في نوعين من المشاركة:
1 – المشاركة المباشرة، والمتمثلة في الاشتراك في الاستفتاءات والانتخابات العامة (الترشيح والتصويت).
2 – المشاركة غير المباشرة، عبر ممثلي الشعب في المؤسسات الشورية.
ولا شك أن دور الأمة في تحقيق مبدأ الشورى لا يتجاوز دائرة المباحات والظنيات، أي أنه يتصل بالقضايا والموضوعات التي ليس فيها أحكام توقيفية ورأي شرعي قاطع؛ فالأُمة لا تمتلك الحق في تقرير ما يتعارض والشريعة الإسلامية، ولذلك؛ وضعت الشريعة الإسلامية قيوداً تحول دون حصول مثل هذه الأمور، ومنها تحديد مواصفات رئيس الدولة وإعطاؤه صلاحيات المراقبة والإشراف الشرعي العقدي والفقهي.
الشورى في مقابل الاستبداد
يمثل الاستبداد السياسي نمطاً من أنماط ممارسة السلطة، وكان ولا يزال سمة الحكومات المطلقة التي ينفرد فيها الحاكم أو الجماعة أو الأُسرة بالرأي، ولا يسمح لأي رأي آخر أو مشورة، ولا سيما من الشعب، الذي يتعامل معه تعامل الأب مع أسرته أو السيد مع خدمه. في حين تضمن الشريعة الإسلامية القضاء على كل ألوان العبودية والاستبداد والظلم. وكان لزاماً على الدولة التي تفرزها الشريعة، وضع الآليات التي تحقق هذا المبدأ. في حين ظل التناقض قائماً في التجربة التاريخية لدول المسلمين السلطانية، بين انتسابها إلى الإسلام ونظريتها وممارستها، فضلاً عن تجربة الحكومات الثيوقراطية التي تنتسب إلى المسيحية، دفع العلمانيين إلى الربط بين الحكم الديني والاستبداد، وأسقطوا تلك التجارب على مفهوم الدولة الإسلامية، وقالوا باستحالة أن يكون الحكم الديني شعبياً.
وقد شرّعت الأحكام السلطانية لجميع أساليب الوصول الى السلطة وإدارة الحكم وشرعية الحاكم، ولا سيّما أُسلوبي التوريث والغلبة، وإن افتقد هذا الحاكم إلى شرائط العلم الشرعي والعدالة والكفاءة والبلوغ والالتزام الديني الشخصي. كما أعطته صلاحيات مطلقة؛ يمارسها على وفق رغباته ومصالحه ومفاسده المفصلة على مقاسه، والتي يعطيها بُعداً عاماً؛ فتكون مصالح السلطان هي مصالح العباد، وهي مصالح الأُمّة، وهي المصالح الشرعية المرسلة. وتكون سياسة السلطان هي السياسة الشرعية حصراً، وما عداها فهي سياسة خارجة عن الشرعية. أي أنّ الأحكام السلطانية أطلقت يد الحاكم؛ لتكون أحكامه وسياساته ومصالحه وأوامره أحكاماً دينية شرعية وفقهية، وهو ما يتعارض تعارضاً بيّناً مع بديهيات مبدأ الشورى. كما تلقي الأحكام السلطانية على الأُمّة واجب الطاعة المطلقة للحاكم، وتحرِّم الخروج عليه؛ لأنّها تعدّه خليفة رسول الله وأمير المؤمنين وولي أمر الأُمّة ورئيس الدولة الإسلامية، وإن كان غلاماً، أو خاضعاً لحكم جارية غير مسلمة، أو متجاهراً بكل أشكال الموبقات والكبائر والذنوب، أو أنّه وصل إلى الحكم من خلال قتل الحاكم الفعلي. وهنا تقع منظومة الأحكام السلطانية ـ غالباً ـ في أكبر مفارقة وتناقض؛ فهي تحرّم الخروج على (أمير المؤمنين)؛ ولكن إذا تغلب على أمير المؤمنين أي شخص آخر وقتله أو عزله، وحلَّ محله؛ فإنّ القاتل الجديد المتغلب يكون حاكماً شرعياً مفترض الطاعة وأمير المؤمنين خليفة رسول الله أيضاً؛ لأنّه يمثل الأمر الواقع السلطوي، وليس الواقع الشرعي.
وفي المقابل؛ تضع منظومة الفقه السياسي الإسلامي الحديث شروطاً شرعية مؤصّلة مشددة للحاكم؛ أهمها: العلم بالشريعة (الفقاهة)، والعدالة، والكفاءة القيادية والإدارية، وهي شروط مستدامة؛ فإذا فقد الحاكم أحدها خلال مسيرة حكمه؛ تم عزله من قبل أهل الحل والعقد أو حكماء الأُمّة، وهم الحكماء الذين يراقبون استمرار الحاكم الأعلى في امتلاك شروط الحكم، ويراقبون أداءه وسلوكه. ولا تَعدُّ هذه المنظومة أُسلوبي الغلبة والوراثة ضمن أساليب شرعية الحاكم. كما يفرض الفقه السياسي الإسلامي على الحاكم العمل بآليات الشورى، ويشدد على دور الأُمّة وحقوقها؛ ولا سيّما حق اختيار الحاكم الأعلى، وانتخاب عموم الحكّام، وحق الرقابة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتعبير عن الرأي. وفي الوقت نفسه؛ لا تهدف الدولة الإسلامية الى إطلاق الحريات؛ إنما تهدف تحقيق العدل والقسط؛ فالاستبداد لا يقابل الحرية، كما هو في الفكر الديمقراطي، بل يقابل العدل، وهو العدل الشامل في كل مجالات الحياة؛ فالعدالة السياسية، كما قررته الشريعة الإسلامية، لا تنفصل عن العدالة الاجتماعية والعدالة الاقتصادية وغيرها، ويقضي ذلك بعدم تجزئة الحرية والحق، أو النظرة إليهما نظرة أحادية ذاتية، وهو ما يمكن مشاهدته في تعامل الأنظمة الديمقراطية التقليدية مع حقوق الشعوب الأخرى وحرياتها، بل ومع كثير من الفئات الاجتماعية في داخل البلدان التي تحكمها تلك الأنظمة.
المبحث الثالث
مبدأ ولاية الفقيه
مقدمة حول مبدأ ولاية الفقيه
مبدأ ولاية الفقيه ليست أُطروحة أو نظرية أو فكرة جاء بها شخص محدد أو عالم معين أو فقيه بعينه، بل هي القاعدة الحصـرية التي يقف عليها كيان المرجعية الدينية والنظام الاجتماعي الديني الشيعي والدولة الإسلامية في مدرسة آل البيت، منذ نشوئه في عصر غيبة الإمام المهدي قبل (1200) عام تقريباً وحتى الآن، وبدون ولاية الفقيه لا يبقى أيّ أصل شرعي لمرجع وفتوى وفقيه وحوزة وتقليد واجتهاد. وقد تأسست المرجعية الدينية على مبدأ ولاية الفقيه حصـراً، لأنه المبنى الفقهي الذي يشرِّع للمرجعية الدينية وللنظام الاجتماعي الديني الشيعي وللدولة الإسلامية هو مبدأ ولاية الفقيه. وبذلك؛ فإنّ مبدأ ولاية الفقيه هو محل إجماع فقهاء الشيعة، الماضين منهم والأحياء، دون استثناء، برغم اختلافهم في مساحاتها وصلاحياتها؛ فكل فقيه لديه ولاية تلقائية على الفتوى وعلى الحقوق الشـرعية وعلى القضاء وعلى الأُمور الحسبية. والمقصد الشرعي للحسبة هو حفظ النظام العام للمجتمع، ودرء المفاسد عنه وجلب المصالح له. وإذا رفض الفقيه هذه الولاية فلا معنى لاجتهاده وتقليده. أمّا المكلّف الشيعي؛ فإنّ تقليده مرجعاً دينياً يعني أنّه تولاه في أُمـوره الدينية الفقهية، وآمن عملياً بولاية الفقيه الذي يقلده.
ومبدأ ولاية الفقيه هي مقولة فقهية تخصصية، وليست مقولة سياسية أو مناطقية، ولا علاقة لها بمتغيرات السياسة وعموم الشأن العام. أي أنّ بحثها ومقاربتها مهمة الفقهاء حصراً؛ شأنها شأن أي موضوع فقهي آخر يدخل في أبواب العبادات والمعاملات. وهو ما ينطبق على موضوع الخلاف بين الفقهاء في مساحات ولاية الفقيه؛ فهو خلافٌ علمي بحت، يعود إلى القـراءات المختلفـة لمصـادر الاستـدلال الفقهي، ووعي مقاصد الشـريعة وغايات النظام الفقهي. وأبرز مساحات ولاية الفقيه المختَلف عليها بين الفقهاء هي مساحة الحكم؛ أي الولاية على الحكم؛ فالفقهاء الذين قادتهم أدلتهم إلى شمول الولاية لموضوع الحكم؛ يعتقدون بولاية الفقيه العامة. أمّا الفقهاء الذين لم يقتنعوا بأنّ الأدلة تفيد بشمول الولاية لموضوع الحكم؛ فإنّهم يعتقدون بولاية الفقيه الخاصة، أي الولاية التي تقتصر على موضوعات الفتوى والقضاء والمال الشرعي والحسبة.
كما أن الخلاف بين الفقهاء حول مساحة ولاية الفقيه، تخصيصاً وتعميماً وإطلاقاً؛ لا علاقة بحوزة علمية دون أُخرى؛ فهناك فقهاء معاصرون في النجف يعتقدون بولاية الفقيه العامة، وآخرون يعتقدون بولاية الفقيه الخاصة(15). ومن خلال مراجعة كتاب «عقائد الإمامية» للفقيه النجفي الشيخ محمد رضا المظفر (ت 1964 م) ـ مثلاً ـ سنجد أنّه أشار إلى ولاية الفقيه العامة المطلقة منذ خمسينات القرن العشرين الميلادي(16)، أي قبل أن يطرحها الإمام الخميني ويفصِّلها في النجف في أواخر ستينات القرن الماضي. ومن فقهاء النجف الذين طرحوا ولاية الفقيه العامة بالمساحة نفسها التي يقول بها الشيخ المظفر، يمكن الإشارة إلى السيد محمد باقر الصدر(17)، والسيد محمد الصدر(18)، والشيخ محمد إسحاق الفيّاض(19) وغيرهم. وفي المقابل هناك مراجع وفقهاء كبار أحياء في حوزات قم وطهران ومشهد لا يعتقدون بولاية الفقيه العامة، أي عدم شمول الولاية على موضوع الحكم، وهو اجتهاد شخصي، لا علاقة له بحوزة علمية دون أُخرى.
ويستند مبدأ ولاية الفقيه إلى دعامة النصب الشرعي للفقيه العادل الكفوء ولياً للأمة، بوصفه نائباً عاماً للإمام المهدي (ع) في عصر غيبته، الأمر الذي يحصر الحق الشرعي في رئاسة الدولة الإسلامية به، بوصفها أحد مظاهر ولايته، دون أن يكون للشورى مدخلية في منحه شرعية الحكم؛ لأنها شرعية مكتسبة من ولاية الإمام المعصوم، ولكن الشورى يمكن أن تكون معياراً للتفاضل بين الفقهاء الجامعين لشروط القيادة فيما لو تعددوا. أما البيعة فهي مظهر لإعلان الطاعة من جانب الأمة. ويتولى الولي الفقيه من أمور المسلمين ما كان يتولاه النبي (ص) والإمام (ع)؛ لأنه مفوض من قبل الإمام في قيادة المجتمع عند غيبته، كما يقول الإمام الخميني في بحث «الحكومة الإسلامية»(20). أما تأسيس الدولة الإسلامية فهو واجب كفائي على الفقهاء العدول، ولو أقامها أحدهم وجب على الفقهاء الآخرين عدم مزاحمته في مساحة ولايته.
مبدأ ولاية الفقيه: الثابت التأسيسي للنظام الاجتماعي الديني الشيعي
دخلت مدرسة الإمامة بعد بدء عصر غيبة الإمام المهدي؛ مرحلة جديدة، تتطلب تحديد شكل النظام الشيعي ومضمونه وصاحب الحق الشرعي في قيادته. حينها لجأ المحدِّثون والفقهاء الشيعة إلى أحاديث الأئمة التي أناطت هذا المنصب بالفقهاء أو العلماء أو رواة الحديث، وهي تسميات لمعنى واحد. وقد مرّ هذا المبدأ بثلاث مراحل رئيسة:
- مرحلة النيابة الخاصة (السفراء الأربعة)
- مرحلة النيابة العامة (المحدثون والفقهاء)
- مرحلة النيابة العامة في ظل حكم الفقيه.
وكان من لوازم تمسك المجتمع الشيعي بزعامة نائب الإمام؛ وجود قواعد تشريعية تشد القاعدة بالقمة، وكان في مقدمة هذه القواعد رجوع عامة الشيعة إلى المحدث أو الفقيه في مسائلهم الشرعية، بوصفه المتخصص في الشأن الديني والمتولّي للفتوى الشرعية. وهنا برز اصطلاح «التقليد» الذي كان له وجود سابق على عصر الاجتهاد في مذهب أهل البيت؛ إذ يعود إلى حديث الإمام الحسن العسكري: «فأما من كان من الفقهاء صائناً لنفسه، حافظاً لدينه، مخالفاً لهواه، مطيعاً لأمر مولاه، فللعوام أن يقلّدوه»(21). وكذلك من خلال الاستفادة أيضاً من الكثير من الأحاديث الأُخر؛ كقول الإمام علي: «العلماء حكّام على الناس»(22). ورواية عمر بن حنظلة، عن الإمام الصادق حول جعل الفقيه حاكماً على الناس، قال: «من كان منكم ممن قد روى حديثنا، ونظر في حلالنا وحرامنا، وعرف أحكامنا، فليرضوا به حكماً، فإنّي قد جعلته عليكم حاكماً»(23). فضلاً عن أحاديث داعمة أُخر، وهي في مجملها تدل على صلاحية الولاية الدينية والقيادة الاجتماعية الشاملة للفقيه كحد أدنى. وهكذا برز وجود مرجعية الفقهاء، مجسداً للزعامة الشيعية، ثم لحركة الاجتهاد والتقليد، وبات موقع الفقيه المرجع يمثّل الولاية العلمية والزعامة الدينية الاجتماعية في عصر غيبة الإمام المهدي، والامتداد الشرعي لخطي النبوة والإمـامة، وله الحجيـة في الفتـوى والقضاء والحسبـة وتـداول المال الشـرعي والحكم(24).
ويذهب الفقهاء إلى أن الدلالات الجوهرية لهذه الأحاديث تحدد خمسة وظائف أو صلاحيات حصرية للفقيه، وكل واحدة منها تمثّل ولاية فرعية من ولاية الفقيه:
1 ـ وظيفة فقهية، تتمثل في الإفتاء.
2 ـ وظيفة تحكيمية، تتمثل في القضاء.
3 ـ وظيفة مالية، تتعلق بشؤون الحقوق الشرعية.
4 ـ وظيفة حسبية، تتعلق بإدارة المجتمع الشيعي.
5 ـ وظيفة سياسية، تتعلق بإقامة الدولة الإسلامية وقيادتها.
ويجمع الفقهاء على الوظائف الأربعة الأُول، ولكنهم يختلفون على الوظيفة الخامسة المتمثلة في صلاحية إقامة الدولة الإسلامية وقيادتها. أما الوظائف الأربعة الأُخر المذكورة المترشحة عن ولاية الفقيه، فلا خلاف عليها. أما الولاية نفسها؛ فيعدّون مبدأها جزءاً من عقائد الإمامية البديهية المجمع عليها، والتي لا تحتاج إلى عناء في الاستدلال عليها كما يقولون(25). وقد كانت هذه المخرجات كافية لفقهاء الشيعة ومحدثيهم وزعمائهم ليؤسسوا للنظام الاجتماعي الديني الشيعي الذي يترأسه الفقيه، ويحافظوا على وحدة النسيج الاجتماعي والسياسي لأتباع أهل البيت، ووحدة كيان مدرسة الإمامة ووحدة قيادتها، وما يترتب على ذلك من ترابط وثيق بين القاعدة والقيادة التي تجسدت في «ولاية الفقيه» أو «المرجعية الدينية». وقد كان هذا النظام نوعاً من الحكومة أو الدولة ناقصة السيادة، وبه كان يتلخص الفقه السياسي لمدرسة الإمامة حينها. ولم تكن الأحكام الخاصة بهذا الكيان مصنّفة في باب فقهي مستقل؛ لعدم شعور الفقهاء الشيعة بالحاجة إلى ذلك، أو للحيلولة دون تأليب الحكام الطائفيين عليهم(26). واستمر هذا الحال قروناً طويلة، كان فيها الفقهاء يقفون على رأس النظام الاجتماعي الديني الشيعي؛ بما يشكّل مزيجاً من القيادة الدينية والإدارة الاجتماعية.
تأصيل مبدأ ولاية الفقيه
لقد بحث المحدثون والفقهاء هذا الموضوع في كتب الحديث والفقه منذ عصر الشيخ المفيد، الذي أشار إلى مبدأ ولاية الفقيه في كتابه «المقنعة» قبل نحو (1050) عاماً. وتبلور مفهوم ولاية الفقيه النائب عن الإمام المهدي بمرور الزمن، بعد أن أخذ نصيبه من التأصيل. إلّا أنّ البحوث الفقهية الاستدلالية للشيخ محمد بن مكي الجزيني العاملي المعروف بالشهيد الأول (ت 786 ه/ 1384 م)، كانت علامة فارقة في هذا المجال، ولا سيما كتابه «اللمعة الدمشقية»، حتى إنّ بعض الفقهاء المعاصرين يعدّه أول من طبّق هذا المبدأ بصورته الشاملة؛ إذ يقول الفقيه المعاصر الشيخ عبد الهادي الفضلي في معرض تحليله لأسباب إعدام الشيخ العاملي: «أمّا الإدانة فكانت لأنّه كان يقول بمبدأ ولاية الفقيه، وكوّن له تحت مظلتها مرجعية كبيرة في ربوع الشام… وبدفع قوي من هذه المرجعية تحرك في ربوع الشام لتجميع فلول الشيعة، وجمع أمرهم، وإقامة سلطة سياسية شرعية لهم، فجبى الأموال وأعدّ الرجال، واتصل بحكومات الشيعة في وقته سراً وعلانية»(27).
ثم جاء الشيخ علي الكركي العاملي (ت 940 ه/ 1533 م) ليكمل صياغة مفهوم «نيابة الإمام» الحصرية، والمفضية الى مبدأ ولاية الفقيه، ويضعه إطاراً وركيزة أساسية للفقه السياسي لمدرسة الإمامة في عصر الغيبة، ويحوّله إلى واقع عملي، حيث «سار الشيخ الكركي في مرجعيته العامة وزعامته للطائفة؛ سيرة الشهيد الأول؛ فقد كان يقول بولاية الفقيه، وأدار في هديها وبحكم نيابته عن الإمام المهدي، شؤون الدولة الصفوية. وكان شاهات الدولة الصفوية عموماً يظهرون ولاءهم للولي الفقيه، ويعتبرون أنّ الملك له في الأساس، وهم مفوّضون عنه»(28).
ونشير هنا إلى وثيقة كتبها الشيخ جعفر الجناجي النجفي المعروف بكاشف الغطاء (ت 1228 ه/ 1813 م)، وتُعدّ من وثائق التحوّل الذي شهده تطبيق مبدأ «ولاية الفقيه». هذه الوثيقة عبارة عن تفويض منحه الشيخ جعفر كاشف الغطـاء إلى السلطان فتح علي شـاه القاجـاري، تُمَكِّن الأخير من التصـرف في الشأن السياسي العام والخراج والزكاة، جاء فيها: «أذِنتُ للسلطان فتح علي شاه في أخذ ما يتوقف عليه تدبير العساكر والجنود، ورد أهل الكفر والطغيان والجحود، من خراج أرض مفتوحة بغلبة الإسلام، وما يجري مجراها». ثم يوصي الشاه بتنفيذ عدد من القضايا ذات العلاقة بالجوانب السياسية والمالية والدعوية(29).
وقد ظهر في النصف الأول مـن القـرن الثالث عشر الهجري (التاسع عشـر الميلادي)، عدد من البحوث الفقهية التي ركزت مبدأ نيابة الفقيه العادل الجامع لشـروط التقليد للإمام المهدي، وتحدثت عن صلاحيات الفقيه وحدودها ومساحات ولايته وأنواعها، وهي عموماً بحوث أدخلت الفقه السياسي الشيعي مرحلة جديدة، وأهمها:
1ـ «ولاية الحاكم الشرعي» للشيخ أحمد النراقي (ت 1245 هـ/ 1829 م)، وهو عبارة عن فصل من كتاب «عوائد الأيام»، ويُعدّ باكورة البحوث الفقهية الاستدلالية الجامعة التي أكدت اختصاص الفقيه (الجامع للشرائط) بولاية الحكم والإفتاء والقضاء وإقامة الحدود والتصرف في الأموال الشرعية وشؤون القاصرين، بمساحة الولاية نفسها التي كانت للنبي والأئمة؛ إلّا أنّ يقـوم دليـل شـرعي على الاستثناء. ورغم أن الشيخ النـراقي لم يصرح بولاية الفقيه على الحكم واختصاصه برئاسة الدولة الإسلامية، بالنظر لما يبدو من ابتعاد هذا الموضوع عن الواقع، وكأنه من أشد الموضوعات افتراضاً آنذاك، إلّا أنّ منهجية البحث واستدلالاته واستنتاجاته تشير بمجموعها إلى رأي الشيخ النراقي باشتمال ولاية الفقيه على شؤون الدولة والحكم أيضاً وعدم اقتصارها على الفروع الأربعة المجمع عليها.
2 ـ «الولايات والسياسات» للشيخ مير فتاح حسين المراغي (ت 1250 ه/ 1834 م)، وهي ثلاثة بحوث مستقلة من كتاب «العناوين» الفقهي الاستدلالي. وقد درس المؤلف في أحدها موضوع ولاية الفقيه، وأثبت فيه الولاية العامة للحاكم الشرعي (الفقيه). وبالرغم من أهمية كتاب «العناوين» في الاستدلال على موضوعات ولاية الفقيه؛ إلّا أنّها لم تحظ بالاهتمام.
3 ـ «الجهاد» و«المكاسب المحرمة» للشيخ محمد حسن النجفي المعروف بصاحب الجواهر والجواهري (ت 1266 هـ/1850 م)، وهي بحوث من كتاب «جواهر الكلام». وقد تطرق في باب «المكاسب المحرمة» إلى موضوع شرعية ولاية الحكم والقضاء، بالنسبة للحاكم العادل، وأحكام الأراضي الخراجية. كما بحث في باب «نفوذ تصرفات الأولياء» بعض شؤون ولاية الحاكم الشرعي (الفقيه).
4 ـ «مناصب الفقيه» للشيخ مرتضى الأنصاري (ت 1281 هـ/ 1864 م)، وهي مجموعة بحوث متفرقة من كتاب «المكاسب» الفقهي الاستدلالي. وقد وردت معظم بحوث ولاية الفقيه في قسم البيع منه. واستدل فيه على أنّ الولاية على الأنفس والأموال هي من اختصاص الفقيه الجامع لشَرطي الأعلمية والعدالة وغيرهما، وأنّ ولايته تشمل أيضاً الولاية على الحكومة والعمل على إقامتها، والقضاء، وإقامة الحدود، والفتوى.
وسار الفقهاء الذين برزوا بعد الشيخ الأنصاري على منهجه الفقهي، ومبناه الاجتهادي في هذا المجال، ومنهم: السيد محمد بحر العلوم (ت 1326 ه/ 1908 م) في باب «الولايات» من كتاب «بُلغة الفقيه»، والشيخ الميرزا محمد حسين النائيني في «كتاب البيع».
وقد شكّل ظهور الآراء الفقهية للإمام الخميني (ت 1989 م)، البداية الحقيقية للنهضة المنهجية في بحوث ولاية الفقيه(30)؛ فكانت المرة الأُولى في تاريخ الفقه الشيعي التي يؤسس فيها أحد الفقهاء لأُطروحة فقهية متكاملة في شمول ولاية الفقيه على وظيفة الحكم، ويدعو صراحة إلى تطبيقها. وقد اعتمد الإمام الخميني كتاب «المكاسب» للشيخ الأنصاري؛ ليكون محور دروسه الفقهية التي يلقيها على طلبة الدراسة العليا (البحث الخارج) في النجف الأشرف. وقد طرح في قسم المكاسب المحرمة موضوعات: کـ «معونة الظالم»، و«حرمة الولاية من قبل السلطان الجائر»، و«جوائز السلطان»، و«الخراج ومقاسمة السلطان الجائر»، و«أداء الزكاة إلى السلطان الجائر». كما طرح الإمام الخميني موضوع: «ولاية الفقيه» في قسم البيع، وعدّها فكرة علمية واضحة لا تحتاج إلى برهان، بمعنى أنّها بديهية لمن يفهم عقائد الإسلام ومنظومة أحكامه الشاملة.
ورافقت ثورة الإمام الخميني ودولته بعد العام 1979؛ نهضةً بحثية علمية متفردة في موضوعات ولاية الفقيه خاصة، والفقه السياسي الإسلامي الشيعي عامة، حتى إنّ المؤلفات والدراسات الفقهية في هذا المجال بلغت أرقاماً قياسية كمّاً ونوعاً؛ فمجموع ما صدر خلال العقود الأربعة الأخيرة كان أكثر بكثير مما كتب خلال ألف عام سبقتها(31). ولعل من أهم ما صدر في هذه المرحلة: «الإسلام يقود الحياة» للسيد الشهيد محمد باقر الصدر (ت 1980 م)، و«أساس الحكومة الإسلامية» للسيد كاظم الحائري، و«دراسات في ولاية الفقيه وفقه الدولة الإسلامية» للشيخ حسين علي المنتظري (ت 2009 م)، و«الفقه السياسي» للشيخ عباس علي عميد الزنجاني (ت 2011 م).
وعلى مبدأ ولاية الفقيه العامة أو مبدأ ولاية الفقيه على الحكم؛ تأسست الجمهورية الإسلامية في إيران في العام 1979، وتم تحويل أحكامها ــ وفق آراء الإمام الخميني ــ في دستور الدولة الذي أقره الشعب وصادق عليه الولي الفقيه، وبذلك تعد الجمهورية الإسلامية أول دولة إسلامية في التاريخ تقوم على مبدأ ولاية الفقيه، وتلتزم بضوابط الشريعة الإسلامية في تأسيسها وفي الوصول الى السلطة وإدارتها، بخلاف الدول الشيعية الأُخر في التاريخ، كالفاطمية والحمدانية والبويهية والصفوية وغيرها، والتي قامت على قواعد الفقه السلطاني، الذي يجيز الغلبة والتوريث والنظام الملكي.
المبحث الرابع
الجمع بين مبدأي الشورى وولاية الفقيه
الجمع النظري بين المبدأين: شرط المقبولية العامة في الولي الفقيه
بما أن الأصل التشريعي لمبدأ ولاية الفقيه يعطي الولاية لجميع الفقهاء جامعي شرائط الاجتهاد والعدالة وغيرهما؛ فقد كان من المهم وضع معايير ليكون الولي الفقيه المتصدي للشأن العام وتأسيس الدولة الإسلامية وقيادتها فقيهاً واحداً وليس كل الفقهاء. وهذا هو الفرق الأساس بين ولاية الفقيه وولاية الإمام المعصوم؛ فالإمام لا تنفصل شخصيته عن منصبه، بينما هما منفصلان في الولي الفقيه، أي أن الولاية المفوضة للفقيه في عصر الغيبة هي للمنصب وليس للشخص، لأنه ليس وليّاً بذاته؛ إنما لأنه حاز شروط المنصب.
وهنا تأتي المقبولية العامة لتفرز الفقيه الحاكم من بين الفقهاء الأحياء الحائزين على شروط الولاية، ليكون الفقيه الحاكم ورئيس الدولة واحداً، وليس جميع الفقهاء الحائزين تلقائياً على صلاحيات ولاية الفقيه، أو بالقوة حسب التعبير الأُصولي؛ فليس من الشرعي والعقلائي أن يكون على رأس النظام أو الدولة أكثر من شخص. ولا يمكن حل هذه الإشكالية إلّا بتطبيق مبدأ المقبولية العامة للفقيه، أي الفقيه الذي يحوز على قبول الشعب واختياره، سواء بالانتخاب المباشر أو غير المباشر.
ولعل أول من طرح شرط المقبولية العامة في المرجع المتصدّي أو الولي الفقيه هو السيد محمد باقر الصدر، الذي يعبِّر عن هذه المقبولية بتكامل ولاية الأُمّة وولاية الفقيه؛ إذ أطلق على الولاية الأُولى تسمية «خلافة الأُمّة»؛ باعتبار الخلافة الممنوحة للإنسان على الأرض، وأسمى الولاية الثانية «شهادة الفقيه»؛ باعتبار نيابة الفقيه العامة عن الإمام المعصوم. ومن خلال اختيار الأُمّة لفقيه بعينه سيلتقي خط الخلافة بخط الشهادة، ويكون هذا الفقيه حينها مجسّداً للخطين. ويشترط الشهيد الصدر في الولي الفقيه أن يكون مرجعاً دينياً، ومرشحاً من قبل مجلس المرجعية (أهل الحل والعقد)، ومنتخَباً من قبل الأُمّة، في حال تعدد المرجعيات المتكافئة المرشحة.
وتقف هذه الأُطروحة على أربع قواعد شرعية:
- لا ولاية بالأصل إلّا للَّه تعالى.
- النيابة العامة عن الإمام المعصوم هي للمجتهد المطلق العادل الكفوء، وهو مصدر الولاية الممنوحة للفقيه، بمعنى القيمومة على تطبيق الشـريعة، وحق الإشراف الكامل على المجتمع والدولة.
- الخلافة العامة للأُمّة على أساس قاعدة الشورى، وهي التي تمنحها حق ممارسة أُمورها بنفسها ضمن إطار الإشراف والرقابة الدستورية من قبل نائب الإمام (المرجع المتصدّي أو الولي الفقيه).
- فكرة أهل الحل والعقد، التي طبقت في الحياة الإسلامية، والتي تؤدي بتطويرها على النحو الذي ينسجم مع قاعدة الشورى وقاعدة الإشراف الدستوري من قبل نائب الإمام إلى افتراض مجلس يمثل الأُمّة (مجلس الشورى)، وينبثق عنه بالانتخاب(32).
وهنا يتحدث السيد محمد باقر الصدر عن الحالة الثالثة، أي حالة تفعيل ولاية المجتهد المتصدّي في ظل وجود الدولة الإسلامية، القائمة على مبدأ ولاية الفقيه العامة. ولكن يمكن الاستفادة من هذه الأُطروحة أيضاً في الحالة العادية المتوارثة، أي حالة عدم وجود الدولة وعدم وجود حراك نهضوي عام. وهو ما أشار إليه السيد الصدر أيضاً في أُطروحته «المرجعية الرشيدة».
وبناء على ذلك؛ يخلص الشهيد الصدر إلى أن الإسلام يرفض نظرية القوة والغلبة في تكوين الحكومة ونظرية التفويض الإلهي الإجباري، ونظرية العقد الاجتماعي، ونظرية تطور الدولة عن العائلة. ويذهب إلى أن الدولة ظاهرة نبوية وتصعيد للعمل النبوي. أما من الناحية الوظيفية؛ فإن وظيفة الدولة – كما يقول – هي تطبيق الشريعة الإسلامية التي وازنت بين الفرد والمجتمع، وتحميه، لا بوصفها وجوداً (هيغلياً) مقابلاً للفرد؛ بل بوصفها تعبيراً عن مجموعة الأفراد(33).
وبذلك تضمن الدولة الإسلامية في عصر الغيبة تحقيق ثلاثة أهداف شرعية:
- تكامل خطي الشهادة والخلافة، والتحامهما، من خلال انتخاب خط الخلافة (الأُمّة) لمصداق خط الشهادة (الفقيه)؛ فيتجسد الخطان في الفقيه الحاكم؛ الأمر الذي يجعل مساحة ولايته (وفقاً لمبدأ ولاية الفقيه) كولاية المعصوم؛ كما يقول السيد محمد باقر الصدر(34) والإمام الخميني(35).
- ممارسة الأُمّة دورها الحقيقي في الاستخلاف على الأرض، من خلال انتخاب ولي أمرها.
- تأكيد الحيلولة دون حصول التعارض والتزاحم بين الفقهاء، واقتصار الولاية على الحكم وقيادة المجتمع على الفقيه الحاكم دون غيره.
ويجمع فقهاء الشيعة الإمامية على أنّ النصب المباشر للولاية هو من الله (تعالى)، كما في حالة النبي والأئمة الاثني عشر، ولا تنعقد الإمامة لغير المنصوب إلهياً مع وجوده والتمكن منه. أمّا في حال غياب المعصوم؛ فإنّ الفقيه يقوم مقام الإمام في قيادة الأُمّة، وفق النصوص الشرعية التي مر ذكرها، أي أنّ الفقيه العادل منصوب بصفاته من الإمام المعصوم(36)، وأنّ ولايته شرّعها الحديث الشـريف، كما سبق. وهنا نذكر الرأيين الفقهيين الأساسيين بشأن دور قبول الأُمّة في منح الشرعية للفقيه:
الأول: يقول بأنّ انتخاب الناس ليس له أثر في تعيين الفقيه للقيادة، ولا علاقة لجمهور المؤمنين بإنشاء هذه الولاية بالأصل، ولكن بما أنّ لكل الفقهاء العدول هذه الولاية، فلا بدّ من إيجاد صيغة تحدد الفقيه المتصدّي، أي المرجع الذي يقوم بمهام قيادة المجتمع أو الحكم، وتكون له الولاية الفعلية دون غيره من الفقهاء، وهو تدبير عقلائي؛ إذ لا بدّ للمجتمع أو الدولة من قائد أو مرشد أو مدير واحد، وإلّا سينهار المجتمع تلقائياً بوجود أكثر من قائد وولي ومدير. أي أنّ دور الجمهور أو الأُمّة ينحصر في اختيار أحد هؤلاء الفقهاء، سواء اختياراً مباشراً أو عبر مجلس أهل الخبرة، دون أن يكون لهذا الدور أثر في منح الشرعية للفقيه المتصدّي أو الحاكم. وبذلك تكون المقبولية العامة مجرد أداة لتفعيل الولاية والقيادة. ويطلق على هذه النظرية: ولاية الفقيه المنصوب.
الثاني: يعتقد بأنّ للأُمّة حق اختيار ولي أمرها ورئيسها وقائدها الشرعي من بين من عيّنهم المعصوم تعييناً نوعياً في زمان غيبته. أي أنّ اختيار الأُمّة ليس اختياراً مفتوحاً ومطلقاً، بل تقوم الأُمّة باختيار قائدها ووليها الشرعي من بين الأشخاص الذين تتوافر فيهم شروط الولاية ومواصفاتها، وفي مقدمتها الاجتهاد والعدالة والفقاهة. وبهذا الاختيار تنعقد الولاية للفقيه الذي قبلت الأُمّة بقيادته. وهنا لا يكون دور الأُمّة مجرد تفعيل للولاية، بل إنّها تشارك في منح الشرعية للفقيه المتصدّي. فشـرعية الولاية هنا مشتركة بين النص الشرعي الذي يمنح الولاية لكل الفقهاء وبين اختيار الأُمّة التي تمارس دورها في الخلافة، وتفوِّضه لواحد من هؤلاء الفقهاء. ويطلق على هذه النظرية اصطلاح ولاية الفقيه المنتخب، وهي نظرية حديثة تتوسط نظرية ولاية الفقيه، ونظرية الشورى؛ إذ إنها تشترط الفقاهة في ولي الأمر، ولكن اختياره يتم في إطار الشورى التي تمثلها الأمة. وانتخاب الأمة هو الذي يمنحه شرعية ممارسة الحكم، كما أن أساليب إدارة السلطة متروكة للأمة أيضاً من خلال ممثليها. وبذلك تكون للأمة ولاية الحكم، وللفقيه ولاية الرقابة والإشراف والإدارة العليا، بوصفه نائباً للإمام المعصوم، ومظاهرها قيادة الأمة ورئاسة الدولة الإسلامية. وطبقاً لهذه النظرية، فإن الشورى تكون ملزِمة للولي الفقيه.
وسواء كانت المقبولية العامة شريكة في منح الشـرعية لولاية المرجع المتصدّي، أو أداةً لتفعيل الولاية من خلال ترجيح فقيه على آخر؛ فإنّ النتيجة واحدة، وتتمثل في ضرورة المقبولية العامة كشـرط من شروط المرجعية المتصدّية، وأنّ قيادة الأُمّة الشرعية تتمثل في الفقيه الجامع لشـروط المرجعية والولاية حصراً. وبالتالي؛ فإن الخلاف بين الرأيين الفقهيين المذكورين هو خلاف نظري، ولا يترتب عليه أي أثر واقعي؛ ففي كليهما يتدخل الشعب (اُمّة الدولة الإسلامية) في اختيار الفقيه الحاكم، تدخلاً مباشراً أو غير مباشر، بعد أن تحرز فيه الشروط التي يجب توافرها، والتي ثبتتها المدوّنات الفقهية، والمدوّنات القانونية، كما يمارس الرقابة على الفقيه الحاكم عبر مجلس خبراء القيادة المنتخب شعبياً، وصولاً الى قدرة الشعب قانونياً على عزل الولي الفقيه الحاكم عبر مجلس الخبراء المنتخب شعبياً.
مقارنة بين مبدأ ولاية الفقيه، ومنهج الجمع بين مبدأي ولاية الفقيه والشورى
الاختلاف بين نظرية ولاية الفقيه المنصوب، ونظرية ولاية الفقيه المنتخب أو ما يعرف بمنهج الجمع بين مبدأي ولاية الفقيه والشورى، لا يتجاوز الجانب النظري غالباً كما سبق، ويكاد ينعدم في الجانب التطبيقي، ويمكن القول إنها النظرية الحاكمة في الواقع السياسي الإيراني القائم، على مستوى الدستور والتطبيق. ورغم أن أغلب فقهاء الجمهورية الإسلامية يذهبون الى تسميتها بالمطلقة، ولكنها على المستوى التطبيقي هي مقيّدة، بمعنى المقيدة بالدستور، وليس بمعنى الناقصة. وبالتالي؛ فإن النتائج التي تفرزها النظريتان تظل واحدة، ولا سيما فيما يتعلق بمساحة حاكمية الولي الفقيه وصلاحياته وهيكلية النظام السياسي.
ويتلخص جذر الاختلاف في زاوية النظر إلى انتخاب ولي الأمر؛ فنظرية ولاية الفقيه تقول: إن انتخاب الخبراء (أهل الحل والعقد) لا يمنح ولي الأمر الشرعية، بل هو كشف وتفاضل. وتقول النظرية الأخرى: إن هذا الانتخاب يمنح الشرعية الدينية والمشروعية القانونية للفقيه لكي يمارس الحكم، على اعتبار أن الحكومة الإسلامية هي عقد شرعي بين الأمة والحاكم المنتخب. ويقود هذا الاختلاف النظري إلى فروق نظرية أخرى، كدور بيعة الأمة وانتخابها، وموقع الشورى، وعلاقة أجهزة الدولة بالشورى، وعزل الفقيه وغيرها. فمثلاً يتم عزل الفقيه الحاكم في نظرية ولاية الفقيه المنتخَب عبر الخبراء (أهل الحل والعقد) إذا فقد أحد الشروط المطلوبة، وهو عزل شرعي وقانوني، ولكن في نظرية ولاية الفقيه المطلقة، فإن الفقيه الحاكم يُعزل ذاتياً إذا فقد أي شرط، ويكون دور الخبراء هو الكشف عن العزل، أي أن دور الخبراء في نظرية ولاية الفقيه هو «الإخبار عن الحكم»، وفي نظرية ولاية الفقيه والشورى «إنشاء الحكم».
ومما سبق يظهر أن اتجاهات الفقه السياسي الإسلامي المعاصرة لا تحول دون تولي الفقيه العادل الكفوء قيادة المجتمع ورئاسة الحكومة الإسلامية، وملء منطقة الفراغ التشريعية والتنفيذية والقضائية، والإشراف على تطبيق أحكام الإسلام وإقامة حدوده وفرائضه، مما لا خلاف فيه بين الفقهاء. وحتى الاتجاه الفكري الإسلامي الذي يحصر الولاية بمبدأ الشورى؛ فإنه لا يمانع من تولي الفقيه للحكم إذا انتخبته الشورى؛ فالقدر المتيقن لدى النظريات الثلاث (ولاية الفقيه المطلقة، ولاية الشورى والولاية المشتركة بينهما) هو اشتراكها في فتح الأبواب أمام الفقيه لتولي الحكومة الإسلامية، وهو ما يمكن أن يكون قاعدة لتوحيد الركائز العملية أو التطبيقية التي أفرزها الفقه السياسي الإسلامي بمختلف اتجاهاته؛ إذ إنها توافق على قرار أهل الحل والعقد في نصب ولي الأمر وعزله، وكون أهل الحل والعقد هم أهل العلم والخبرة الذين ترتضيهم الأمة، وأن الفقيه العادل الكفوء هو أصلح من يتولى الحكم (حسب نظرية الشورى) أو أن ولاية الحكم محصورة به (حسب النظريتين الأخريين)، أي إنها جمعت بين إمامة الفقيه وشورى الأمة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الإحالات
- سورة الشورى، الآية 38.
- وهو ما ظل يدور في أوساط حزب الدعوة الإسلامية منذ تأسيسه في العام 1957، إذ تأسس على ولاية الشورى كما وضعها السيد محمد باقر الصدر، ثم نشأ النقاش داخل الحزب بعد العام 1961 حول دلالة آية الشورى على ولاية الحكم، وفق ما أثاره الشهيد الصدر، وكذلك وفق ما فصّله الشيخ عبد الهادي الفضلي، أحد قادة الحزب، حين تصاعد النقاش في أواسط ستينات القرن الماضي. أنظر: علي المؤمن، «جدليات الدعوة: حزب الدعوة الإسلامية وجدليات الاجتماع الديني والسياسي»، الفصل الثالث. وكذلك «مذكرات الشيخ عبد الهادي الفضلي»، تدوين جودت القزويني.
- صدر في العام 1971 في النجف الأشرف بعنوان «دروس في ولاية الفقيه»، ثم بعنوان «الحكومة الإسلامية» في الطبعات اللاحقة.
- وهي جماعة الإخوان المسلمين في مصر التي أسسها الشيخ حسن البنا في مصر في العام 1928، في حين تبنى حزب التحرير الذي أسسه الشيخ تقي الدين النبهاني ولاية الخلافة، كما هو في الموروث الفقهي السني. أنظر: حسن البنا، أنظر: حسن البنا، «رسائل الإمام حسن البنا»، وتقي الدين النبهاني، «الدولة الإسلامية».
- وهو شكل الدولة ونظامها السياسي والدستوري الذي تأسس في إيران في العام 1979. وقد سبقتها باكستان في وضع هذه التسمية، لكن ما يعنينا في البحث ــ كما ذكرنا ــ هو الدولة الإسلامية في فقه مدرسة آل البيت.
- وهو من الموروث الفقهي في مدرسة آل البيت. وقد روى كثيراً من رواياته الشيخ الحر العاملي في «وسائل الشيعة»، ج 15، باب جهاد العدو، وتحديداً الروايات الواردة في ص 45 ـ 56، وباب وجوب النصيحة، ص 211، والعلامة المجلسي في «بحار الأنوار»، ج 47، ص 297، ج 52، ص 136، ج 52، ص 139، وهي بمجموعها تتقارب في المضمون مع الحديث المروي عن الإمام جعفر الصادق (ع): ((كل راية ترفع قبل قيام القائم فصاحبها طاغوت يعبد من دون الله عز وجل))، الذي رواه الحر العاملي في «وسائل الشيعة»، ج 15، باب جهاد العدو، ص 52. وقد تناول السيد كاظم الحائري هذا الموروث بكل رواياته وتفسيراته، وفنده في كتابه: «المرجعية والقيادة»، ص 73 ـ 119، فضلاً عن إشارات الإمام الخميني في محاضراته «الحكومة الإسلامية»، ص 45 ـ 68.
- سورة آل عمران، الآية 159.
- سورة الشورى، الآية 38.
- رواه السيوطي في «الدر المنثور»، ج 2 ص 80.
- «نهج البلاغة»، الحكمة 321.
- كما ورد في «العقد الفريد»، محمد بن طلحة القرشي النصيبي، ص 42.
- أُنظر: عميد زنجاني، عباس علي، «مجالس الشورى: العمود الفقري للنظام السياسي الإسلامي»، من كتاب «مقالات المؤتمر الرابع للفكر الإسلامي» (مصدر سابق)، ص130.
- المصدر السابق؛ وأُنظر أيضاً: «دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية»، المادة 7.
- روبرت ماكيفر، «تكوين الدولة»، ترجمة: د. حسن صعب، ص 63 – 91.
- أُنظر: علي المؤمن، «الاجتماع الديني الشيعي: ثوابت التأسيس ومتغيرات الواقع»، ص 73.
- الشيخ محمد رضا المظفر، «عقائد الإمامية»، في إطار حديثه عن عقيدة الشيعة في المجتهد، ص47.
- وخاصة في سلسلة بحوثه الستة المجموعة في كتاب «الإسلام يقود الحياة».
- وخاصة في كتابه «مبحث ولاية الفقيه» الذي كتبه في العام 1970، وتقريرات دروس أُستاذه الإمام الخميني.
- الشيخ محمد إسحاق الفياض، «الأُنموذج في منهج الحكومة الإسلامية».
- الإمام الخميني، «الحكومة الإسلامية»، 43.
- كما جاء في: «تفسير الإمام العسكري»، ص 120. الطبرسي، «الاحتجاج»، ج 2، ص 263. الحر العاملي، «وسائل الشيعة»، ج 27، ص 131.
- الآمدي، عبد الواحد، «غرر الحكم ودرر الكلم»، ص ٥٠٧.
- الكليني، «الكافي»، ج ٧، ص ٤١٢، ح 5.
- وهي موجودة غالباً في أبواب الاجتهاد والتقليد، ومن أبرز أدلة حجية فتوى الفقيه: آيتا التفقه في الدين وسؤال أهل الذكر في القرآن الكريم، وأحاديث الرسول والأئمة حول منزلة العلماء وأقوالهم وفتاويهم والرجوع إليهم، وكذلك المبنى العقلائي برجوع الجاهل إلى العالم وغيرها. أُنظر كنموذج: السيد محسن الحكيم، «شرح العروة الوثقى»، ج 1، وكذا التعليقات على الشـرح وعلى أصل الكتاب من كثير من الفقهاء.
- وأبرزهم المحقق الكركي في كتاب «صلاة الجمعة»، والشيخ محمد حسن النجفي في «جواهر الكلام»، والشيخ النراقي في «عوائد الأيام» وغيرهم، إذ احتجوا بالإجماع بشأن ثبوت الزعامة العامة للفقيه وشمول صلاحياته على الحكم. ويمكن مراجعة كتاب «الاجتهاد والتقليد والاحتياط» للسيد علي السيستاني، تحرير: السيد محمد علي رباني، ص 118، للاطلاع على نصوص هؤلاء الفقهاء بشأن الاتفاق والإجماع على الولاية العامة للفقيه.
- علي المؤمن، «الفقه والدستور: التقنين الدستوري الوضعي للفقه السياسي الإسلامي»، ص 116 ـ 134.
- الشيخ عبد الهادي الفضلي، «أصول التشريع في الإسلام»، ص 92.
- أُنظر: علي المؤمن، «الاجتماع الديني الشيعي»، ص 73 ــ 96.
- المصدر السابق نفسه.
- والتي بدأها في بحوثه التي ألقاها على طلبته في النجف الأشرف، في الفترة من 21 كانون الثاني إلى 10 شباط من العام 1970، في (24) درساً.
- علي المؤمن، «النظام السياسي الإسلامي الحديث وخيارات الديمقراطية والثيوقراطية والشورى»، ص 23.
- السيد محمد باقر الصدر، «لمحة فقهية عن مشروع دستور الجمهورية الإسلامية»، من كتاب «الإسلام يقود الحياة»، ص 13 و14.
- المصدر السابق، ص 16 ـ 17.
- أُنظر: السيد محمد باقر الصدر، «خلافة الإنسان وشهادة الأنبياء»، من كتاب «الإسلام يقود الحياة»، ص 151 ـ 153.
- أُنظر: الإمام الخميني، «الحكومة الإسلامية»، ص 48.
- أي ليس تعييناً شخصياً بالاسم، أُنظر: السيد محمد باقر الصدر، «الإسلام يقود الحياة»، ص 146.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر والمراجع
أ – الكتب
- الآمدي، عبد الواحد التميمي، «غرر الحكم ودرر الكلم»، ط 2، تحقيق: السيد مهدي الرجائي، دار الكتاب الإسلامي، قم، 1987 م.
- ابن الفراء، الشيخ محمد بن الحسين الحنبلي، «الأحكام السلطانية»، تحقيق: الشيخ محمد حامد الفقي، مكتبة الحلبي، القاهرة، مصر، 2000 م.
- إمام، الدكتور إمام عبد الفتاح، «الطاغية: دراسة فلسفية لصور الاستبداد السياسي»، سلسلة عالم المعرفة (183)، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، 1994 م.
- الإمام علي، «نهج البلاغة»، جمع: الشريف الرضي محمد بن الحسين الرضي، ضبط: د. صبحي الصالح، دار الكتاب اللبناني، بيروت، لبنان، 1985 م.
- بلقزيز، الدكتور عبد الإله، «الدولة في الفكر الإسلامي المعاصر»، ط 2، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، لبنان، 2004 م.
- البنا، الشيخ حسن، رسائل الإمام حسن البنا، دار الرسالة، بيروت، 1981 م.
- الترابي، الدكتور حسن، «السياسة والحكم»، دار الساقي، بيروت، لبنان، 2003 م.
- التسخيري الشيخ محمد علي، «الدولة الإسلامية: دراسات في وظائفها السياسية والاقتصادية»، سلسلة كتاب التوحيد (6)، مجلة التوحيد، قم، 1994 م.
- الحائري السيد، كاظم، «أساس الحكومة الإسلامية»، الدار الإسلامية، بيروت 1979م.
- الحائري، السيد كاظم، «المرجعية والقيادة»، مكتب آية الله الحائري، قم، 1418 ه.
- الحائري السيد، كاظم، «ولاية الأمر في عصر الغيبة»، مؤسسة الفكر الإسلامي، قم، 1417 هـ.
- الحر العاملي الشيخ، «وسائل الشيعة»، دار إحياء التراث، بيروت 1382 م.
- الحكيم، السيد محسن الطباطبائي، «مستمسك العروة الوثقى»، دار إحياء التراث، بيروت، لبنان، (د. ت).
- الخميني، الإمام روح الله الموسوي، «الحكومة الإسلامية»، مؤسسة تنظيم ونشر مؤلفات الإمام الخميني، طهران، 1996 م.
- الخميني، الإمام روح الله الموسوي، «كتاب البيع»، مؤسسة تنظيم ونشر آثار الإمام، طهران 1993 م.
- «دستور الجمهورية الإسلامية في إيران»، مديرية الترجمة والنشر في رابطة الثقافة والعلاقات الإسلامية، طهران، إيران، 1997 م.
- دو فرجيه، موريس «في الدكتاتورية»، ترجمة: د. هشام متولى، منشورات عويدات، بيروت، 1989 م.
- السنهوري، الدكتور عبد الرزاق، «إسلامية الدولة والمدنية والقانون»، إعداد: د. محمد عمارة، دار السلام، القاهرة، 1988 م.
- السيستاني، السيد علي، «الاجتهاد والتقليد والاحتياط»، تحرير: السيد محمد علي رباني، ط2 منقحة، (د. ن)، 1437ه.
- شاخت، جوزيف، وبوزورت، كليفورد، «تراث الإسلام»، ج 1 و2، ترجمة: د. حسين مؤنس، ود. إحسان صدقي العهد، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، ط 3، 1998 م.
- الشاوي، الدكتور توفيق محمد، «فقه الحكومة الإسلامية بين السنة والشيعة»، منشورات العصر الحديث (د.م)، 1995 م.
- مؤسسة الإمام شمس الدين للحوار، «ولاية الأمة على نفسها مقابل نظام ولاية الفقيه العامة»، بيروت،
- الصدر، السيد محمد، «مبحث ولاية الفقيه»، تحقيق: مؤسسة المنتظر، دار البصائر، بيروت، لبنان، 2013 م.
- الصدر، السيد محمد باقر، «الإسلام يقود الحياة»، دار التعارف للمطبوعات، بيروت، لبنان، 1990 م.
- الصدر، السيد محمد باقر، «اقتصادنا»، دار التعارف للمطبوعات، بيروت، لبنان، ط 13، 1986 م.
- الطبرسي، «الاحتجاج»، ط 2، مؤسسة الأعلمي، بيروت، 1983 م.
- عميد زنجاني، الشيخ عباس علي، «النظام السياسي والقيادة في الإسلام»، مؤسسة أمير كبير، طهران، ط 3، 1994 م.
- الفضلي، الشيخ عبد الهادي، تاريخ التشريع الإسلامي، مؤسسة أم القرى، قم، 1418 هـ.
- الفضلي، عبد الهادي، «هكذا قرأتهم»، ج 2، دار المرتضى، بيروت، 2003.
- الفياض، الشيخ محمد إسحاق، «الأُنموذج في منهج الحكومة الإسلامية»، نسخة (pdf).
- كديور، الشيخ محسن، «نظريات الحكم في الفقه الشيعي: بحوث في ولاية الفقيه»، دار الجديد، بيروت، 2000 م.
- الكليني، الشيخ محمد بن يعقوب، «الأُصول من الكافي»، دار التعارف ودار صعب، بيروت، لبنان، ط 4، 1401 ه.
- مؤسسة الإمام شمس الدين للحوار، «ولاية الأمة على نفسها مقابل نظام ولاية الفقيه العامة»، بيروت، 2017 م.
- المؤمن، علي، «الاجتماع الديني الشيعي: ثوابت التأسيس ومتغيرات الواقع»، دار روافد، بيروت، لبنان، 2021 م.
- المؤمن، علي، «جدليات الدعوة: حزب الدعوة الإسلامية وجدليات الاجتماع الديني والسياسي»، مركز دراسات المشرق العربي، بيروت، 2016 م.
- المؤمن، علي، «الفقه والدستور: التقنين الدستوري الوضعي للفقه السياسي الإسلامي»، مركز دراسات المشرق العربي، بيروت، لبنان، 2018 م.
- المؤمن، علي، «الفقه والسياسة: تطور الفقه السياسي الإسلامي حتى ظهور النظريات الحديثة»، دار الهادي، بيروت، لبنان، 2003 م.
- المؤمن، علي، «النظام السياسي الإسلامي الحديث وخيارات الديمقراطية والثيوقراطية والشورى»، ط 2، دار روافد، بيروت، لبنان، 2017 م.
- ماكيفر، روبرت، «تكوين الدولة»، ترجمة: د. حسن صعب، دار العلم للملايين، بيروت، 1984 م.
- الماوردي، علي بن محمد حبيب البصري، «الأحكام السلطانية والولايات الدينية»، دار الكتب العلمية، بيروت، 1985 م.
- المجلسي، الشيخ محمد باقر، «بحار الأنوار»، ط 2، تحقيق: السيد محمد مهدي الخرسان وآخرون، مؤسسة الوفاء، بيروت، لبنان، 1983 م.
- المظفر، الشيخ محمد رضا، «عقائد الإمامية»، دار التعارف للمطبوعات، بيروت، لبنان، ط 4، 1983 م.
- المنتظري، الشيخ حسين علي، «دراسات في ولاية الفقيه، وفقه الدولة الإسلامية» ج 1 وج 2، المركز العالمي للدراسات الإسلامية، ط 2، قم، 1409 هـ.
- موسى، فرح، «سلطة الفقهاء وفقهاء السلطة عند الإمام الخميني»، دار الوسيلة، بيروت، 1995 م.
- النائيني، الشيخ الميرزا محمد حسن، «تنبيه الأُمّة وتنزيه الملة»، تحقيق: جواد ورعي، دار نشر دفتر تبليغات إسلامي، قم، إيران، 2004 م.
- النائيني، الميرزا الشيخ محمد حسين، «المكاسب والبيع»، تحرير: الشيخ محمد تقي الآملي، مؤسسة النشر الإسلامي، قم، 1413 ه.
- النبهاني، الشيخ تقي الدين، «الدولة الإسلامية»، حزب التحرير (د. ت).
- النجفي، الشيخ محمد حسن، «جواهر الكلام في شرح الإسلام»، ط 7، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1981 م.
- النراقي، الشيخ أحمد، «عوائد الأيام»، دار التعارف للمطبوعات، بيروت، 1990م.
- نعمة، الدكتور عدنان، «دولة القانون في إطار الشريعة الإسلامية»، المؤسسة العربية، بيروت، لبنان، 1987 م.
- الهاشمي، السيد محمود، «مصدر التشريع ونظام الحكم في الإسلام»، سلسلة من هدي الإسلام (6)، قم، إيران، 1408 ه.
ب – الدراسات
- جوادي آملي، الشيخ عبد الله «جولة في مباني ولاية الفقيه»، مجلة قضايا إسلامية معاصرة، العدد الأول، 1997 م.
- سروش محلاتي، الشيخ محمد، «نصيحة أئمة المسلمين: بحث في مرتكزات المشروعية وآليات التنفيذ»، مجلة قضايا إسلامية معاصرة، العدد الأول، 1997 م.
- شمس الدين، الشيخ محمد مهدي، «العلمانية.. الشورى.. المجتمع المدني والشريعة»، مجلة منبر الحوار، بيروت، العدد 34، خريف 1994 م.
- الصدر، السيد محمد باقر، «الأُسس الإسلامية»، من كتاب «ثقافة حزب الدعوة الإسلامية»، ج 1، ط 2، 1401 ه، (د. ن).
- العاملي، السيد جعفر مرتضى العاملي، «ولاية الفقيه في صحيحة عمر بن حنظلة»، مجلة التوحيد، طهران، العدد الرابع، رمضان 1403 هـ.
- المؤمن، علي، «معالم النظرية السياسية في الإسلام»، ق 1 و2، مجلة التوحيد، طهران، العددان 31 و32، تشرين الأول 1987 م وكانون الثاني 1988 م.
- المؤمن، علي، «إقامة الدولة الإسلامية وسجال الوجوب والحرمة»، مجلة التوحيد، قم، العدد 97، 1999 م.
- المؤمن، علي، «الدولة الإسلامية الحديثة: إشكاليات المناهج البحثية»، مجلة العالم، لندن، العدد 638، 12/9/1998 م، والعدد 639، 19/9/1998 م.
- وصفي، (الدكتور) مصطفى كمال، «المشروعية في النظام الإسلامي»، مجلة المسلم المعاصر، القاهرة، العدد 101، سبتمبر 2001 م.
latest video
news via inbox
Nulla turp dis cursus. Integer liberos euismod pretium faucibua