الدوافع الواقعية لانبثاق حراك إسلامي شيعي في خمسينات القرن العشرين

Last Updated: 2024/04/03By

الدوافع الواقعية لانبثاق حراك إسلامي شيعي في خمسينات القرن العشرين

د. علي المؤمن

قبل أن تنبثق فكرة حزب الدعوة الإسلامية وتتحول إلى نظرية، ثم تنظيم، ثم حزب واقعي؛ كانت مجرد فكرة في أواسط الخمسينات من القرن الماضي في أذهان عدد من الشباب الإسلامي الشيعي الناشط في العراق؛ وتحديداً في النجف الأشرف؛ ممن هم في العشرينات من عمرهم أو دون ذلك. وكان وراء الفكرة مزيج من الدوافع العقلية والعاطفية التي تحفزها هموم الساحة الدينية العراقية ومنظوماتها وأساليب تفكيرها، والواقع الاجتماعي، وحالة القهر السياسي، والتمييز الطائفي التاريخية التي يعيشها شيعة العراق وعموم الشيعة العرب جراء ممارسات الأنظمة السياسية الحاكمة، والتقهقر الميداني والثقافي لحالة الإصلاح الإسلامي، ووجود التنظيمات العلمانية الجماهيرية الفاعلة.

ومن هنا؛ فإن مجمل دوافع هؤلاء الشباب كان وراءها الشعور باللوعة والهم الكبيرين؛ بسبب التراجع الذي عاشه التيار الإسلامي الإصلاحي والتغييري في العراق؛ منذ منتصف العقد الثالث وحتى أواسط العقد السادس من القرن الماضي، والذي كان يقابله جو مشحون بالتيارات والأفكار السياسية والايديولوجية العلمانية الوافدة، ووسط مهرجان من الأحزاب والتنظيمات العلمانية؛ التي يبرز من بينها التيار الماركسي الذي يمثله الحزب الشيوعي، والتيار القومي الذي يعد حزب البعث أهم أركانه، وما يعرف بالتيار الوطني، الذي يعد الحزب الوطني أحد أهم قواه. وما تبقى فقد كانت أحزاب سلطة أو أحزاب رموز. وكان انكماش الإسلام الحركي؛ يمثل فرصة مهمة للتيارات العلمانية ولاسيما الجماهيرية، للإمساك بالساحة السياسية والاجتماعية؛ حتى في المدن التي تمثل قلاعاً دينية حضارية، كالنجف الأشرف.

وكانت الحاجة إلى العمل المنظم الشامل الذي يتبنى عملية التغيير في واقع الأمة الثقافي والسياسي ولاسيما في الوسط الشيعي، كبيرة وملحة؛ لأن الوسط السني سبقهم إليه، فقد برزت منذ نهاية العشرينات تنظيمات وتجمعات إسلامية سنية كبيرة؛ كالإخوان المسلمين في مصر، وحزب التحرير في بلاد الشام، والجماعات الإسلامية في الهند وباكستان وتركيا وغيرها. ومن جانب آخر فإن الجماعات والتيارات الشيعية الرائدة، كجمعية النهضة الإسلامية وحزب النجف والجمعية الإسلامية الوطنية وغيرها، كانت تجمعات آنية تشكلت لأغراض محدودة وانتهت حال ارتفاع هذه الأغراض. أما الجماعات الإسلامية الشيعية التي تأسست في أوائل وأواسط الخمسينات، كحركة الشباب المسلم ومنظمة المسلمين العقائديين وغيرهما، فكانت هي الأخرى محدودة وذات إمكانات متواضعة تنسجم مع أهدافها، ولم تسمح لها ظروفها باستيعاب الساحة؛ وبالتالي لم تكن قادرة على القيام بمهمة إحداث تغيير شامل في الواقع الإسلامي الشيعي، لأسباب وظروف تتعلق بقيادة هذه الجماعات وخصوصيات يتميز بها العراق بشكل عام، ووضع الوسط الديني العراقي بشكل خاص.

هذه الهموم التغييرية الكبيرة التي كان يحملها بعض علماء الدين والناشطين الإسلاميين المثقفين، دفعتهم للتوصل إلى مقاربة لعلاج الواقع، من خلال تبني أسلوب العمل التغييري المنظم الشامل في شكله الحزبي، بعد دراسة نظرية العمل السياسي في الإسلام، وتأريخ الأمة الإسلامية عموماً والعراق خصوصاً، وتجارب الشعوب وحركات المصلحين والجماعات الإسلامية السياسية السابقة. فكان نتاج الدراسات والمداولات العميقة المطولة يتمثل في تأسيس حزب إسلامي يتحرك في المجالات كافة، وقد أسموه فيما بعد بـ «الدعوة الإسلامية».

ولم يكن الحراك التغييري الانقلابي الجديد المتمثل بحزب الدعوة الإسلامية يسعى لأهداف سياسية أو تنظيمية محدودة؛ بل كان مؤسِّساً لحالة مختلفة في مسار التاريخ الشيعي؛ شكلت انعطافة كبرى على مستويات الفقه السياسي والسلوك الحركي والعمل التنظيمي والرؤية التأصيلية لعملية التأسيس العصرية للدولة الإسلامية القائمة على مذهب أهل البيت. وهو عمل لم يسبق إليه الدعاة أحد من النخبة الشيعية في العراق وغيره.

ولا يمكن تشبيه العمل التأصيلي التأسيسي للدعاة الأوائل بالتجارب النضالية والسياسية والحكومية للنخب الشيعية في المراحل التي سبقت تأسيس حزب الدعوة الإسلامية؛ كما هو الحال مع الدولة العلوية في طبرستان، وحكومة (السربداران) في سبزوار، والدولة الحمدانية في شمال العراق وبلاد الشام، والدولة الإدريسية في شمال أفريقيا، والدولة الفاطمية في شمال أفريقيا ومصر، والدولة البويهية في إيران والعراق، والدولة الصفوية في إيران والجوار، وصولاً إلى الحركات النضالية للنخب الشيعية في لبنان وإيران والعراق والبحرين في مطلع القرن العشرين الماضي وحتى أواسط الخمسينات، ومنها ثورة المشروطة في إيران، وثورتا النجف والعشرين في العراق، والثورة الدستورية في البحرين، والحراك السياسي في جنوب لبنان.

وقد تفُوق الإنجازات الميدانية لهذه التجارب إنجازات حزب الدعوة بكثير، لكن حديثنا هنا ليس عن الإنجازات الميدانية وحسب؛ بل عن الإنجاز التأسيسي لفقه وفكر وبنية سياسية شيعية تختلف عن كل التجارب السابقة. فقد أسس حزب الدعوة لأول مرة لمبدأ إقامة الدولة الإسلامية في عصر غيبة الإمام المهدي (329 هـ/941 م)، وهي دولة تقوم على تأصيل فقهي خاضع لنظرية الشريعة الإسلامية وأحكامها التفصيلية، وليس دولة سلطانية تقوم على التوريث والطقوسية الشيعية؛ كما هو الحال مع الدول الشيعية التي قامت من قبل. وينسجم التأصيل في موضوعة الدولة مع التأصيل الفكري والفقهي للعمل السياسي والتنظيمي والجهادي لحزب الدعوة نفسه؛ لأنه ليس كالحركات النضالية السياسية الشيعية التي انبثقت لمواجهة ظرف معين.

وإذا أردنا أن نكون أكثر واقعية، فيجب أن نذعن إلى حقيقة تاريخية مهمة، تتمثل في السبق المستمر للنخب السنية في تحقيق الإنجازات الفكرية والسياسية والميدانية لمصلحة الواقع السني، وتعقبها النخب الشيعية في التشبه بهذا الإنجاز؛ لتحقيق مصالح للواقع الشيعي. فقد حاولت الحكومات الثورية والسلطانية الشيعية التأسيس لتقاليد وسلوكيات نضالية شيعية، تحفظ للواقع الشيعي حقوقه وبقاءه؛ وإن كانت مستقلة نسبياً عن الخط الخاص للشرعية الدينية؛ وهو ما حصل – ابتداء – مع حركة المختار بن يوسف الثقفي، الذي كان مؤسساً لأول تحرك ثوري وسياسي وعسكري شيعي؛ مستقل نسبياً عن الخط الخاص للشرعية الدينية الشيعية آنذاك متمثلة بالإمام علي بن الحسين السجاد، ومؤسساً لأول سلوك سلطاني في التاريخ الشيعي.

واقتفت بعض النخب السياسية والثورية الشيعية بعد ذلك أثر حركة المختار؛ لضمان مصالح الطائفة وحقوقها، عبر الثورات والجيوب الحكومية والحركات السياسية المجتمعية. ثم تطور الأمر إلى التشبه بالحكومات السلطانية السنية؛ وهو ما بدأه العلويون في شمال إيران والحمدانيون في شمال العراق وبلاد الشام، ثم الأدارسة والفاطميون والبويهيون والصفويون. وحيال ذلك اضطر بعض الفقهاء الشيعة إلى منح الشرعية لهذه الحركات الثورية والحكومات السلطانية التي لا تستند في أساس حاكميتها إلى الفقه السياسي الإسلامي بصيغته اللصيقة بموروث أهل البيت. وكان الهدف من كل ذلك حماية المجتمعات الشيعية من الاستهداف والاستئصال والمذابح الجماعية والتهجير والتهميش والتمييز الطائفي الذي تتعرض له من الحكومات السنية والفقهاء السنة، وكذلك فسح المجال أمام العقيدة الإسلامية الشيعية للتحرك بحرية، بمعزل عن دعوات التكفير والإقصاء والنبذ الذي تتعرض له باستمرار.

وهكذا أصبح للنخب الشيعية فقه سلطاني تتحرك في إطاره، أسوة بالنخب السنية، وأصبح للحكومات الشيعية منصب (شيخ الإسلام) أسوة بالحكومات السنية؛ لمواجهة قوة القهر العسكرية والسياسية؛ بقوة دفاعية تعادلها، ولمواجهة سلطة الفتوى، بسلطة أخرى توازيها؛ وإلّا فالإبقاء على الحال كما كان عليه في عصر الدولة الأموية والفترات الأطول من عصر الدولتين العباسية والعثمانية؛ أي قوة وسلطة مهاجِمة من جهة، وبيئة مهمشة مدافعة من جهة أخرى؛ سيؤدي بالمجتمعات الشيعية إلى الاندثار والإبادة الجسدية الجماعية والفكرية، أو اللجوء إلى الغابات والجبال والقلاع والسواحل، وبالتالي الابتعاد عن أصول المعتقد وتبني معتقدات دخيلة، كما حصل مع المجتمعات الشيعية في شمال لبنان وغرب وشمال سوريا وشمال العراق وجنوب تركيا وشرق البانيا وكوسوفو، والذين يعرفون بـ «العلويين»، وهم بالأساس شيعة إماميون إثنا عشريون، وعددهم اليوم أكثر من خمسين مليون نسمة؛ وذلك لعدم وجود سلطة تحميهم في مقابل الإبادة الأموية والقمع العباسي والبطش السلجوقي والأيوبي والمملوكي والعثماني. وهو ما حدث بمفارقة أكبر مع عشرات الأسر الشيعية في لبنان وسوريا التي اعتنقت الديانة المسيحية، أو دفعت أولادها إلى الاحتماء بالأسر المسيحية؛ تخلصاً من القتل والإبادة الجماعية؛ لأن السلطات العثمانية كانت تحرِّم دم المسيحيين وتعدهم أهل ذمة، بينما تهدر دم الشيعي، وتستبيح ماله وعرضه، ولا تنفعه جزية دينية ولا ضريبة دنيوية!

وفي العصر الحديث ظلّت النخب الشيعية تتمثل النخب السنية في حراكها الميداني، فانتمى بعضها إلى الواقع الأوربي في تبني القوانين الوضعية والدساتير الزمنية، كما حدث مع النخب الإيرانية خلال ثورة المشروطة، أو تقتفي أثر الإسلامويين السنة في التبعية للدولة العثمانية في صراعها مع الغرب، أو تتجه نحو الحركات القومية المعادية للإنجليز والفرنسيين، أو المتحالفة معها. فكانت النتيجة خسارة الشيعة الكبرى بعد ثورة العشرين في العراق، ومجيء حكم طائفي عنصري ينتمي إلى الحاضنة السنية العربية التي تبلغ نسبتها 16 بالمائة من نفوس العراق، وأذاق الأكثرية السكانية الشيعية الويلات حتى العام 2003؛ حتى ترحّم الشيعة على طائفية الدولة العثمانية. وكذا خسارتهم في لبنان بعد تأسيس لبنان الحديث في العام 1934 ومجيء حكم طائفي يقوم على التحالف السياسي بين الأقلية السنية (ركيزة الاحتلال العثماني) والأقلية المارونية (ركيزة الاحتلال الفرنسي) ضد الأكثرية السكانية الشيعية (الركيزة الدينية الوطنية). وكذا الحال في البحرين، الذي ظلت تحكمه أسرة تنتمي إلى الأقلية السنية التي قوامها 20 بالمائة من نفوس البلاد. فكان الشيعة دائماً ضحايا الوطن والشعارات الوطنية واللحمة الوطنية والحراك القومي والأممي والثورات التحررية والصدام بالاستعمار والمحتل؛ تمسكاً بالموازين الدينية والمعايير الوطنية والانفعالات الإنسانية؛ التي يعبرون عنها بالتكليف الشرعي والانتماء الوطني والشعور القومي، دون أن يفكروا بواقعية ببناء حاضرهم ومستقبل أولادهم ومجتمعاتهم، أو بمرحلة استلام السلطة كنتيجة لمرحلة العمل النضالي. بينما تضع النخبة السنية عينها على السلطة قبل البدء بأي تحرك وطني أو ديني أو قومي أو تحرري.

وبالتالي؛ عندما ينجلي غبار المعارك وتحين لحظة السلطة؛ يجد الشيعة أنفسهم خارج اللعبة، ويتحولون بالتدريج إلى معارضة وأقلية سياسية معزولة، وما يتبع ذلك من تهميش وتمييز طائفي وتهجير وإسقاط للجنسية وملاحقة، وصولاً إلى المقابر الجماعية؛ على الرغم من أنهم الأكثرية السكانية في العراق ولبنان والبحرين. أما إذا كان الشيعة يشكلون الأقلية السكانية في دول مسلمة أخرى؛ فإنهم سيعانون من تهميش واضطهاد أكثر عمقاً وأوسع نطاقاً وأكبر تعتيماً. وفي المقابل ترفع سلطة الأقلية الطائفية شعارات الوطن والوطنية واللحمة الاجتماعية والأهداف الدينية والالتزام القومي والتهديد الخارجي والتآمر الاستعماري؛ لاستغفال القواعد الشعبية وتسويغ أية ممارسات قمعية وتمييزية تقوم بها وضمان بقائها في السلطة.

هذه الحقائق ترفضها النخبة السنية في البلدان الثلاثة المذكورة وتنفيها بشدة؛ لأنها لا تنسجم مع مصالحها؛ فهي أقلية ذكية متمرسة في لعبة السلطة، وظلت تمسك بها طيلة مئات السنين؛ بالرغم من أن حاضنتها الاجتماعية تقل عن ربع سكان البلد؛ ولذلك تحتاج دائماً إلى شعارات ومقولات دينية ووطنية وقومية تخديرية؛ تدفع بها الشارع الشيعي إلى التضحية والصمت والعض على الجراح؛ مرةً بذريعة الدفاع عن بيضة الدولة الإسلامية؛ كما كان يحدث خلال صراع الدولة العثمانية مع الغرب؛ ومرة أخرى بذريعة الدفاع عن الوطن؛ كما كان يحدث خلال العهدين الملكي والجمهوري في العراق، ومرة ثالثة دفاعاً عن القومية العربية والبوابة الشرقية للوطن العربي؛ كما كان يحدث في العهد البعثي. وهي الذرائع التي انتهكت السلطات تحت ظلها كل حقوق الشيعة وكبدتهم ملايين التضحيات.

كما أن جزءاً مهماً من النخبة الشيعية يرفض الكشف عن هذه الحقائق ومقاربتها؛ لأنه يفضل أن يعيش حالة الاستغفال والغيبوبة والوهم، أو التماهي مع الشعارات الوطنية والقومية الاستهلاكية الموهمة التي ترفعها السلطة؛ أما تصديقاً لهذه الشعارات من بعض النخبة الشيعية، من منطلق الحس الديني والوطني والقومي الحقيقي؛ أو رغبة في اعتزال السلطة ومتاعبها وتبعاتها. فمثلاً أوليات الخوف من إسالة الدماء والحفاظ على الوحدة الإسلامية ومصالح الوطن العليا، تسببت جميعها في خسائر أكبر بكثير جداً؛ إذ خسر فيها شيعة العراق وطنهم وقوميتهم وأرواحهم وأعراضهم وأموالهم؛ طيلة أربعين عاماً من الحكم الطائفي العنصري (1963 – 2003)؛ كما كانوا يخسرون دائماً في كل العهود.

ويقود هذا الموضوع إلى الحديث عن التأثر الحسي للشيعة بالحراك الإسلامي السني المعاصر. ففي العام 1928 تأسست جماعة الإخوان المسلمين في مصر، ومثلت منعطفاً مهماً في الفكر السياسي الإسلامي السني؛ إذ كانت الحركة الإسلامية الأولى في التاريخ السني التي تدعو لحكم إسلامي على أساس الشورى، وليس لحكم سلطاني يقوم على الموروث الفقهي السياسي السلطاني السني؛ الذي حكم الواقع السني منذ ملكية معاوية الأموي وحتى سلطنة عبد المجيد العثماني. وتزامن تأسيس جماعة الإخوان مع نشاط جماعة النور في تركيا بقيادة بديع الزمان النورسي الذي تأثر به حسن البنا مؤسس الإخوان. وأعقب جماعة الإخوان تأسيس الجماعة الإسلامية في الهند بقيادة «أبو الأعلى المودودي»، ثم حزب التحرير في الأردن على يد تقي الدين النبهاني في العام 1953؛ الذي كان هو الآخر حركة سنية إسلامية تعارض الموروث السلطاني السني وتدعو لخلافة (راشدة). إضافة إلى جماعات إسلامية حركية سنية في بلدان أخرى. إلّا أن ما كان يميز جماعتي الإخوان والتحرير هو فكرهما الحركي العميق وعالميتهما؛ بينما كانت الجماعات الإسلامية السنية الأخرى حركات محلية أو نضالية.

وحيال ذلك؛ كانت النخب الدينية الشيعية العربية تنظر بإعجاب لجماعة الإخوان المسلمين وحزب التحرير؛ بالنظر لدعوتهما الدينية الفكرية الحركية المتجددة، وخطابهما التأصيلي العصري القائم على تطبيق الشريعة الإسلامية بأدوات حديثة، وبنيتهما التنظيمية القوية التي تقارب بنى الأحزاب العلمانية الايديولوجية في رصانتها وهيكليتها، وعالميتها، وبعدها عن الحالة التقليدية في الفرز الطائفي التي تتميز بها الجماعات السنية حيال الشيعة. ولكن لم تتخلص هاتان الجماعتان من موروث الاجتماع الديني والسياسي الطائفي. الأمر الذي دفع معظم الإسلاميين الشيعة المتأثرين بهاتين الجماعتين؛ ولاسيما في العراق والكويت ولبنان والبحرين؛ إلى مفارقتهما، بعد التنبه إلى انتمائهما إلى ذلك الموروث الطائفي، والمضي بإيجاد البديل الإسلامي الشيعي المشابه تقنياً.

ولذلك جاء تأسيس حزب الدعوة الإسلامية مستجيباً في مضمونه لمتطلبات الواقع الشيعي ذي الامتداد التاريخي، ومتأثراً في الجانب الشكلي بحركية جماعة الإخوان المسلمين وحزب التحرير؛ أي أنه ليس تأثراً بالمعنى الفقهي والفكري، بل بمعنى تلمس غياب العمل الشيعي المشابه، في الوقت الذي كان الواقع الشيعي بأمس الحاجة إليه. وبالرغم من هذا التشابه الشكلي؛ إلا أن حزب الدعوة الإسلامية – من خلال القوة الفكرية لمؤسسيه وأعضائه الأوائل من الشباب العشريني والثلاثيني، وحماستهم العالية، وعملهم الدؤوب، واحتمائهم بالسلطة الدينية الشيعية العليا، واستثمار النسبة السكانية للشيعة؛ باعتبارهم الأكثرية العددية في العراق ولبنان والبحرين – استطاع تجاوز جماعة الإخوان وحزب التحرير بمراحل متقدمة كبيرة من حيث العدة والعدد في هذه البلدان الثلاثة.

 

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment