الدراما العراقية الغريبة عن المجتمع العراقي

Last Updated: 2024/04/03By

الدراما العراقية الغريبة عن المجتمع العراقي

د. علي المؤمن

    لم تعبِّر الدراما العراقية يوماً، عن حقيقة المجتمع العراقي وتنوعه إنسانياً وثقافياً ودينياً، بما فيها دراما ما بعد العام 2003، التي تشكل امتداداً موضوعياً وشكلياً لدراما ما قبل التغيير، والتي تهيمن عليه شركات الإنتاج العلمانية والطائفية؛ فالدراما الحالية تصوِّر المجتمع العراقي وكأنه لون ثقافي وإنساني وديني واحد، نساء غير محجبات.. متبرجات بطريقة خالية من الذوق.. رجال غير ملتزمين دينياً؛ فلا وجود في الدراما العراقية لامرأة محجبة، ولا وجود لشخص يصلي، ولا يوجد عراقي متدين، ولا يوجد شخص يدخل المسجد. صحيح أنّ شريحة السافرات ورواد الحانات والنوادي الليلية والحفلات المختلطة ومحتسي الخمور، موجودة في المجتمع العراقي، ومن الطبيعي إظهار حضورها الاجتماعي، لكنها ليست كل المجتمع العراقي، إنما جزء صغير جداً منه، لأنّ المجتمع العراقي ــ عموماً ــ مجتمع محافظ ومتدين وتقليدي، وأنّ 75% من النساء العراقيات محجبات، ولا يرتدين غالباً الأزياء غير اللائقة المستوردة من الدراما اللبنانية والتركية، وأغلب العراقيين يصلون ويصومون، والمساجد العراقية منتشرة في كل شارع عراقي، وأغلبها يمتلئ خلال الصلوات.

ولا أتحدث هنا عن ممثلين متدينين وممثلات محجبات، بل عن مظاهر التدين والالتزام والحجاب والصلاة والالتزام الديني داخل الدراما، كما هو الحال مع مظاهر السفور وعدم الالتزام الديني، لأن من يريد تصوير مظاهر الاجتماع العراقي، بإنصاف ودون أهداف تحريفية وترويجية؛ فمن المهم أن يصور ظواهره كما هي، ويطرح عادات وتقاليد وسلوكيات وأزياء أبناء المجتمع كما هم، محجبات وسافرات، مقيّدات ومنفلتات، متدينين ملتزمين بالسلوك الديني وغير ملتزمين.

وحتى في جانب الموضوعات، نجد أن الدراما العراقية، الجادة والكوميدية، تنتقي موضوعات شاذة غالباً، ونادرة الحدوث في المجتمع، شأنها شأن الدراما التركية الشاذة، التي لا تعبر أيضاً عن حقيقية المجتمع التركي، الذي يتمظهر أكثر من نصفه بالالتزام الديني والحجاب، لكن الدراما التركية تظهر المجتمع التركي وكأنه أكثر انفلاتاً من المجتمعات الغربية.

هذا التوجه التحريفي للمجتمع العراقي، يذكِّر بالسينما المصرية، وخاصة خلال عقود الستينات والسبعينات، وكثير من أفلام العقود اللاحقة، حين كانت تشجع على الخلاعة والتعري، وتروج لأكثر أشكال الرقص مجوناً، وتشجع على شرب الخمور ومظاهر السكر والسباحة المختلطة وارتياد النوادي الليلية، وتبرر الدعارة والعلاقات الجنسية غير المشروعة، وكل أنواع الموبقات، وكأنّ المجتمع المصري مجتمع منفلت وغير متوازن، وليس فيه أي تنوع ثقافي أو التزام.

ولكن؛ إذا عرفنا أن السينما المصرية كانت تقوم بذلك بناء على قرار رسمي من الدولة بمحاربة التدين ومظاهره، خشية استثماره من قبل الجماعات الإسلامية؛ فما هو مبرر الدراما العراقية بعد 2003، ومنها الدراما التي تنتجها المؤسسة الرسمية، وهي تعرض المرأة العراقية دون حجاب دائماً، والرجل العراقي دون التزام ديني دائماً؟!، ثم إذا عرفنا توجهات القنوات العلمانية الطائفية المهيمنة على الدراما العراقية، وأهدافها التحريفية؛ فما هو هدف المؤسسة الإعلامية الرسمية من وراء ذلك، وهي ظاهرة تعود الى بدايات تأسيس هذه المؤسسة، حتى في الفترة التي كان فيها رؤساؤها من الإسلاميين.

ولا تقتصر هذه الإشكالية على الدراما، بل تشمل مظهر المذيعات كذلك، وكأنّ هناك عقدة لدى القنوات الفضائية العراقية العلمانية والطائفية حيال المظهر الديني، كالحجاب؛ إذ لا يوجد مذيعة محجبة في هذه القنوات إلّا في النادر، وكذلك في القنوات الرسمية؛ فمن بين مجموع مذيعات القناة الرسمية، هناك مذيعات محجبات معدودات، والأغلبية الساحقة غير محجبات؛ فهل هذا المظهر يعكس نسبة المحجبات في المجتمع العراقي؟. ولا يعني هذا أننا ندعو الى احتكار هذا المجال من قبل المحجبات، أو أن تظهر الممثلة العراقية محجبة دائماً، أو أن تظهر مشاهد التدين والصلاة والالتزام في الدراما دون مناسبة، بل نتحدث عن التوازن، وعرض ألوان المجتمع العراقي كما هي.

خلال زياراتي المتعددة لماليزيا واندونيسيا، لاحظت أنّ دراما هذين البلدين، الرسمية والخاصة، تعبِّر بشكل مناسب عن التنوع الثقافي للمجتمع؛ فلا توجد عقدة تجاه الحجاب ولا المسجد ولا الصلاة ولا الدعاء ولا المظهر الديني، بل لا يوجد ترويج مقصود للسفور أو الحجاب؛ إذ تظهر في المسلسلات التي تعرضها القنوات الرسمية وغير الرسمية، بما فيها القنوات العلمانية، المحجبات والسافرات، النوادي الليلية والمساجد، المتدين وغير المتدين، وكل التنوع المظهري الحقيقي في المجتمع، وهكذا على مستوى المذيعات؛ فإن ما لا يقل عن نصف المذيعات محجبات، ذلك؛ لأن أكثر نساء اندونيسيا وماليزيا محجبات، ما يعني أن القنوات الفضائية ومؤسسات الإنتاج الدرامي في هذين البلدين، متوازنة تلقائياً، وتحترم التنوع الثقافي والديني والإنساني، على عكس الشذوذ الذي نشاهده في الدراما والإعلام العراقي والعربي والتركي.

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment